القمة العالمية للحكومات 2025.. محاولة لرسم خارطة طريق لمستقبل الصحة
![الأنظمة الصحية لا تزال بحاجة إلى التعلم من درس كورونا](https://cdn.al-ain.com/lg/images/2025/2/10/196-195738-epidemics-chronic-diseases-health-systems_700x400.jpg)
تشهد المنظومة الصحية العالمية تحولات غير مسبوقة نتيجة للتقدم التكنولوجي الهائل والتغيرات الديموغرافية التي تواجهها المجتمعات الحديثة.
ومع تقدم السكان في العمر وزيادة مستويات التحضر، تزداد الحاجة إلى تطوير أنظمة الرعاية الصحية بحيث تكون قادرة على الاستجابة لتحديات المستقبل، وخاصة في مواجهة التهديد المستمر من الأمراض المعدية وغير المعدية.
وتستلزم هذه التغيرات تعزيز القدرة على التنبؤ بالأوبئة المستقبلية، إلى جانب تحسين الإدارة الحالية للأمراض المزمنة التي تشكل عبئا متزايدا.
يبحث عدد من أهم الخبراء وممثلي المنظمات والهيئات الدولية المعنية بالصحة، ورؤساء كبرى المستشفيات والشركات العالمية المتخصصة في الصناعات الدوائية والطبية، التحديات التي تواجه القطاع الصحي، والحلول المبتكرة التي تسهم في الارتقاء بصحة وسلامة المجتمعات، ويستعرضون ضمن محور تحولات الصحة العالمية، أحد محاور القمة العالمية للحكومات 2025، مستقبل القطاع والتحولات التي يشهدها في ظل التقدم التكنولوجي والتقني والتغيرات الديموغرافية.
التحديات الديموغرافية والأمراض المزمنة
ووفقا لتقارير منظمة الصحة العالمية، يشهد العالم زيادة ملحوظة في عدد كبار السن، وهو ما يعد أحد أبرز التحديات الديموغرافية التي تواجه أنظمة الرعاية الصحية، ففي عام 2020، بلغ عدد الأشخاص الذين تجاوزت أعمارهم 60 عاما نحو مليار شخص على مستوى العالم، ومن المتوقع أن يرتفع هذا العدد إلى 2.1 مليار بحلول عام 2050.
وتفرض هذه الزيادة المتسارعة في عدد المسنين ضغطا هائلا على أنظمة الرعاية الصحية، حيث يحتاج هؤلاء الأفراد إلى رعاية صحية طويلة الأمد ومتخصصة في التعامل مع الأمراض المزمنة المرتبطة بالتقدم في العمر.
وتشكل الأمراض المزمنة، مثل أمراض القلب والأوعية الدموية، السكري، الأمراض التنفسية المزمنة، والسرطان، عبئا هائلا على أنظمة الرعاية الصحية من حيث التكلفة وطول مدة الرعاية المطلوبة، ومن المتوقع أن تصبح هذه الأمراض السبب الرئيسي للوفيات على مستوى العالم بحلول عام 2050، ما يزيد من الضغط على الأنظمة الصحية في توفير رعاية مستدامة وفعالة.
الأمراض المعدية.. تهديد مستمر
إلى جانب الأمراض المزمنة، لا تزال الأمراض المعدية مثل كوفيد-19، الإيبولا، والإنفلونزا تشكل تهديدات متزايدة، فعلى الرغم من التقدم المحرز في تطوير اللقاحات والعلاجات، إلا أن هذه الأمراض لا تزال تمثل تحديا.
وسلطت جائحة كوفيد-19 التي بدأت في أواخر عام 2019 الضوء على هشاشة بعض الأنظمة الصحية التي لم تكن مجهزة للتعامل مع أزمات بهذا الحجم، فقد تجاوز عدد الإصابات حاجز 500 مليون حالة، وتسبب الفيروس في وفاة الملايين بحلول عام 2023.
ورغم التطور السريع للقاحات، مثل لقاحات ميرنا (فايزر/بيونتيك وموديرنا)، تظل الحاجة قائمة لتطوير لقاحات أكثر شمولية لمواجهة التحورات الفيروسية المستمرة. كما أكدت الجائحة أهمية استراتيجيات استباقية لاكتشاف الأوبئة قبل انتشارها وتحسين التعاون الدولي في التصدي لها.
ولا تزال الإيبولا، رغم الجهود المبذولة في مكافحتها، تشكل تهديدا في غرب ووسط إفريقيا، وتم تطوير لقاحات فعالة ساعدت في احتواء تفشي المرض، لكن يبقى التحدي في إدارة الأوبئة السريعة الانتشار في المناطق ذات البنية التحتية الصحية الضعيفة.
وتشكل الإنفلونزا الموسمية تشكل أيضا تحديا مستمرا، حيث تصيب الملايين سنويا وتتسبب في مئات الآلاف من الوفيات عالميا، ومع التطور السريع للفيروس، يتطلب تحديث اللقاحات سنويا، ما يمثل تحديا مستمرا لأنظمة الرعاية الصحية.
وتلعب التغيرات المناخية دورا متزايدا في انتشار الأمراض وتفاقم الأوبئة، حيث تؤثر بشكل مباشر على البيئة والصحة العامة، فارتفاع درجات الحرارة وتغير أنماط الطقس يؤديان إلى توسع المناطق المواتية لانتشار الأمراض المعدية مثل الملاريا وحمى الضنك، التي تعتمد على الحشرات الناقلة.
بالإضافة إلى ذلك، تزيد الكوارث الطبيعية الناتجة عن تغير المناخ، مثل الفيضانات والجفاف، من احتمال تلوث مصادر المياه وانتشار الأمراض المنقولة عبر الماء، هذه التحديات تتطلب تطوير استراتيجيات وقائية جديدة في الأنظمة الصحية العالمية، تهدف إلى التكيف مع تأثيرات التغيرات المناخية وحماية المجتمعات من الأزمات الصحية المرتبطة بها.
التكنولوجيا كفرصة واعدة
رغم هذه التحديات، تقدم التكنولوجيا فرصا هائلة لإعادة تشكيل الرعاية الصحية، ولعب الابتكارات التكنولوجية مثل الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء والروبوتات دورا محوريا في تعزيز التشخيص، العلاج، والرعاية عن بُعد.
وتساعد تقنيات الذكاء الاصطناعي في تحليل البيانات الضخمة بسرعة تفوق القدرات البشرية، مما يتيح تشخيص الأمراض في مراحلها المبكرة بدقة عالية.
ووفق دراسة نشرتها مجلة "لانسيت ديجيتال هيلث" أظهرت النتائج أن أنظمة الذكاء الاصطناعي كانت قادرة على تشخيص سرطان الثدي بكفاءة تضاهي، أو حتى تفوق، التشخيص البشري، حيث وصلت دقة التحليل إلى 94.5%، هذا يعزز فرص الكشف المبكر ويقلل من احتمالات الخطأ البشري.
أيضا، يسهم الذكاء الاصطناعي في تقديم خطط علاجية مخصصة لكل مريض بناء على تحليل الجينوم وبيانات السجلات الطبية، وهذه الأنظمة يمكنها معالجة معلومات المرضى واقتراح علاجات مستهدفة، مما يحسن من فعالية العلاج ويقلل من الآثار الجانبية.
من جهة أخرى، تتيح تقنيات إنترنت الأشياء ربط الأجهزة الطبية وأجهزة الاستشعار القابلة للارتداء، مما يسهل مراقبة المرضى عن بُعد، ويتيح ذلك مراقبة المؤشرات الحيوية مثل ضغط الدم ومستويات السكر في الدم في الوقت الحقيقي، مما يمكن الأطباء من التدخل المبكر عند ظهور علامات تحذيرية.
وازدهرت تقنيات التطبيب عن بُعد بشكل ملحوظ خلال جائحة كوفيد-19، حيث وفرت بديلا آمنا وفعالا للزيارات التقليدية للمستشفيات. وأظهرت دراسات أن الرعاية عن بُعد حسنت من نتائج العلاج وقللت التكاليف، خاصة في المناطق الريفية التي تعاني من نقص الخدمات الطبية.
ويدخل في اطار الفرص التي اتاحتها التكنولوجيا، ما يعرف بـ"الروبوتات الجراحية"، والتي تستخدم بالفعل في العديد من المستشفيات حول العالم لإجراء عمليات جراحية دقيقة ومعقدة مثل الجراحة الروبوتية الدقيقة التي يتم التحكم فيها عن بعد بواسطة الجراحين.
كما تستخدم أيضا روبوتات في تقديم الرعاية للمسنين أو المرضى المحتاجين للمساعدة المستمرة، حيث يمكن لهذه الروبوتات توفير العناية الشخصية، توزيع الأدوية، وحتى المساعدة في الحركة والتنقل.
لكن رغم التقدم الكبير في هذه الأدوات، إلا أن هناك تحديات مثل التكاليف العالية للتقنيات الحديثة، وقضايا الخصوصية والأمان المتعلقة بالبيانات الصحية، التي يجب معالجتها لضمان استخدام مستدام وفعال للتكنولوجيا في مجال الرعاية الصحية، بالإضافة إلى ذلك، يجب تعزيز جهود التدريب الطبي لضمان فهم الأطباء والعاملين في الرعاية الصحية لاستخدام هذه التكنولوجيا بفعالية.
الحاجة إلى أنظمة صحية متكاملة
لمواكبة هذه التحديات والاستفادة من الفرص، تشدد العديد من الدراسات على ضرورة بناء أنظمة صحية متكاملة، وشددت دراسة أجرتها جامعة هارفارد على أهمية المزج بين التكنولوجيا المتقدمة مثل الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء والرعاية الصحية المجتمعية، وذهبت إلى أن هذا الدمج يتيح توفير رعاية صحية شخصية تعتمد على البيانات وتحليل الحالات المرضية بدقة، مع الحفاظ على الدور الإنساني للرعاية المجتمعية لدعم المرضى.
وتشكل الوقائية أيضا ركيزة أساسية في بناء أنظمة صحية فعالة، ووفقًا لدراسة صادرة عن مركز السيطرة على الأمراض والوقاية منها (CDC)، فإن الاستثمار في الوقاية من الأمراض غير المعدية مثل السكري وأمراض القلب يمكن أن يقلل من تكاليف الرعاية الصحية بنسبة تصل إلى 25% على المدى الطويل.
ويحتاج بناء أنظمة صحية فعالة أيضا، إلى مرونة في مواجهة الأوبئة، حيث أثبتت الأزمات الصحية مثل جائحة "كوفيد 19" الحاجة إلى أنظمة صحية قادرة على الاستجابة بسرعة ومرونة، وتحتاج المرونة إلى الجمع بين الابتكار التكنولوجي والرعاية الصحية المجتمعية.
ولتنفيذ هذه الحلول، يجب أن تكون هناك سياسات صحية تدعم التحول نحو الوقاية والرعاية المتكاملة، وتلعب الحكومات والمؤسسات الصحية العالمية دورا في ذلك، عبر تبني التكنولوجيا، وتدريب العاملين في القطاع الصحي، وتعزيز الشراكات بين القطاعات المختلفة مثل التعليم والصناعة الصحية.
وعلى ذلك، فإن المشهد الصحي العالمي، يتلخص في "أنظمة صحية تواجه تحديات كبيرة، من التغيرات الديموغرافية إلى الأوبئة والأمراض المزمنة، وفي المقابل، تقدم التكنولوجيا فرصا هائلة لإحداث تحول جذري في طريقة تقديم الرعاية الصحية".
والنصيحة التي تقدمها الدراسات، هي أنه "مع استمرار هذه التحديات، يصبح من الضروري تعزيز الجهود في مجال الوقاية، الاستفادة من التكنولوجيا، وبناء أنظمة صحية متكاملة تضع الإنسان في صلب اهتماماتها".
aXA6IDE4LjExNy4xMDMuMTE0IA== جزيرة ام اند امز