الجميع يعلم أن أردوغان لن يعيش مرحلة أصعب من هذه المرحلة،
هناك العديد من البلدان عندنا تقع في أزمات سواء سياسية أو اقتصادية أو غيرهما تبدأ بالهروب من أزماتها بطريقة ما للوصول للحل، لذلك نجد أن أردوغان ذهب إلى اختراع لعبة الانتخابات المبكرة، مما يشير إلى وجود أزمة حقيقية خطيرة كان يعيشها.
أردوغان يحاول الهرب من أزماته باختراع عملية الانتخابات المبكرة لترتيب أوراقه، لكن هذه المحاولة هل ستنجح؟ وهل تعتبر مخاطرة أم حلاً عاجلاً لما هو أسوأ؟ وهل كان الوقت مناسباً؟
الدعوات والحملات الإخوانية المتعاطفة لم نشاهدها مع الكثير من الدول العربية التي تعرضت لأزمات مماثلة بل كانوا يتراقصون فرحاً ويتمنون استمرارها ولَم نرَ أي نواح أو صياح كما نراه حالياً، وكانوا يرددون أن أردوغان هو عرّاب النهضة الاقتصادية في تركيا وعلى العرب أن يتعلموا منه.
لا شك أن الانتخابات المبكرة كانت حلاً مؤقتاً وفي وقت أفضل مما لو عُقدت في موعدها من أجل منح أردوغان وحزبه الهيمنة على تركيا في ظل الانكماش الذي تعيشه بلاده، لكن يبدو أنها سوف تتحول إلى اختبار مر ممزوج بالقلق، بدليل تصريحات أردوغان والمحيطين به بشأن ضرورة رسم ملامح تركيا في المستقبل أو في الأسلوب الدعائي المتجدد، مع تنامي المعارضة بشكل ملحوظ، الأمر الذي يجعل من الانتخابات المقبلة شبيهة بعملية جراحية صعبة للغاية لقلب مريض ومجروح.
الجميع يعلم أن أردوغان لن يعيش مرحلة أصعب من هذه المرحلة، في ظل حالة الاقتصاد الذي يعيش أزمة حادة وارتفاع في العجز المالي والتضخم بسبب سياسات اقتصادية تعمدت التوسع في الاقتراض وزيادة عرض النقود، مما جعله غارقاً في الديون ولا يستطيع السداد، ديون تصل إلى أكثر من نصف الناتج القومي وهي نسبة لا تشكل خطراً كبيراً، ولكن في المستقبل لا يمكن التكهن به نظراً لوجود صراع سياسي اقتصادي بين الحكومة والبنك المركزي، فالحكومة تريد تخفيض الفائدة حتى تنتهي الانتخابات والبنك المركزي يريد معالجة الأزمة برفع الفائدة، هذه التدخلات غير الموضوعية أخلت بالتوازن مما دفع بالليرة للانهيار وبالتالي فقدت نسبة عالية من قيمتها، كما أن تصريحاته فاقمت من الأزمة أثناء زيارته للندن، حيث أعلن أنه في حال فوزه في الانتخابات سيزيد من سيطرته على المؤسسات ومن بينها البنك المركزي، ووعد بوضع نظام اقتصادي جديد لتسعير الليرة التركية، مما أفقد تركيا بعد هذا التصريح الكثير من المستثمرين، لأنه يعني نهاية نظام الاقتصاد الحر الذي تبنته تركيا، أيضاً تزامن ذلك مع منح وكالات التصنيف الائتماني نظرة سلبية للاقتصاد، وهو ما أفزع المستثمر الأجنبي.
أما السبب الآخر يعود إلى تخبطات أردوغان السياسية مع الدول الكبرى (روسيا وأمريكا ودول الاتحاد الأوروبي) أو تحالفه مع إسرائيل وإيران وجماعة الإخوان المصنفة إرهابياً أو من خلال الدخول في الصراع العربي والخليجي والتدخل في العمق السوري وتجاهل تحذيرات المجتمع الدولي.
مما سبق يبدو لنا أن أردوغان والليرة التركية يجنيان ثمار سياسات وحسابات خاطئة بسبب الأجواء العدائية التي خلقتها تركيا في محيطها الدولي وعلاقتها مع دول الجوار، التي هي في حالة من الاحتكاك الدائم والتلاسن المستمر والتوتر المتصاعد، وفي نفس الوقت تساند أنقرة قوى متهمة دولياً بدعم وتمويل الإرهاب، كل ذلك أدى إلى توتر علاقتها مع العديد من البلدان العربية والخليجية، كذلك أن ما يحدث هو نتيجة حتمية للنهج العدائي الذي تبناه أردوغان ضد جميع مخالفيه السياسيين، فتركيا حالياً لم تعد تعبر عن جميع الأطياف السياسية بل عن طيف سياسي واحد هو المسيطر على مفاصل الدولة، الأمر الذي دفع المستثمرين المحليين والدوليين إلى الإحجام عن الاستثمار وعدم المخاطرة بأموالهم.
إلا أن العجيب في الأمر هو الدعوات والهَبَة الإعلامية الموجهة لتقديم الدعم والوقوف مع تركيا في أزمتها الاقتصادية، والتأكيد أن تركيا واقتصادها يتعرضان لمؤامرة غربية وعالمية، طبعاً هي أكذوبة ملعوبة ومكشوفة أطلقوها لكسب عواطف المغفلين قبل الانتخابات التركية، بينما الانهيار للعملة بدأ من سنوات.
هذه الدعوات والحملات الإخوانية المتعاطفة لم نشاهدها مع الكثير من الدول العربية التي تعرضت لأزمات مماثلة بل كانوا يتراقصون فرحاً ويتمنون استمرارها ولَم نرَ أي نواح أو صياح كما نراه حالياً، وكانوا يرددون أن أردوغان هو عرّاب النهضة الاقتصادية في تركيا وعلى العرب أن يتعلموا منه ، بينما الآن يرددون أنها مؤامرة صليبة وعلى العرب أن يهبّوا لنجدتها ولا بأس بالتبرع بأموالهم من أجل إنقاذ أردوغان الذي وقف بقوة مع الربيع العربي الذي فتت وفتك بالمسلمين، ووطد علاقاته مع إيران مع انطلاق عاصفة الحزم، والسبب يعود للحزبية البغيضة والنتنة التي هم عليها والتي جعلت منهم أدوات لخدمة أجندات عالمية.
لذا لا نعلم إلى أين يسير أردوغان والليرة، هل ستعود الأصفار الستة إليها كما كانت سابقاً؟ كما يذكر بعض الاقتصاديين أن المؤشرات توحي بذلك رغم الدعم القطري، وهل سيعيد أردوغان حساباته السياسية ويبتعد عن تخبطاته وترنحاته الكفيلة بتعجيل انتهاء فترته السياسية، فقد يقف الشعب التركي بشكل مضاد، لذا عليه أن يسعى ويعمل لتعيش بلاده بسلام بعيداً عن التدخلات والتوجهات والممارسات السياسية غير السوية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة