أردوغان و"الأويغور".. تضامن مزيف لانتهازية سياسية
مسلمو الأويغور يدركون أن موقف أنقرة من قضيتهم لم يأت أبدا دفاعا عنهم، وإنما تلاعبا من أجل تحقيق مآرب سياسية وتجارية داخلية وخارجية.
فجأة وبدون مقدمات، تغير خطاب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بشأن أقلية الأويغور في منطقة تركستان الشرقية ذاتية الحكم بالصين، وبات موقفه مزيجا مخزيا من الخنوع والاستجداء.
- العجز يجبر نظام أردوغان على إعادة طيارين مفصولين بتهمة الانقلاب
- حزب باباجان.. حلفاء الأمس يبدأون حملة "خلع" أردوغان
أردوغان كان إلى وقت قريب يتاجر بقضية هذه الأقلية المسلمة في منطقة تركستان الشرقية ذاتية الحكم، المعروفة أيضا باسم "شينجيانغ"، تماشيا مع أدبيات حزبه المبني على أيديولوجيا متطرفة، وإرضاء لواشنطن التي تخوض حربا تجارية طاحنة مع بكين.
توظيف سياسي داخلي وخارجي لقضية أقلية الأويغور، تمعن أردوغان في استثماره، حتى إنه لم يتوان على لسان وزرائه ومسؤوليه، عن توجيه أبشع الاتهامات للصين، كما دعا، في مارس/آذار الماضي، المجتمع الدولي والأمم المتحدة إلى التدخل، لرفع ما سماه "معاناة مليون شخص من أقلية الأويغور."
انقلاب لافت يستبطن ذات الازدواجية والتضارب الذي تقوم عليه مواقف أنقرة، حتى تلك التي تمس الجوانب الإنسانية للشعوب والأقليات، فلا شيء يفلت من حسابات الربح والخسارة بالنسبة لأردوغان الذي يبدو أنه يخطط لرمي شباكه حول بكين للاستفادة منها تجاريا، في محاولة لإنقاذ اقتصاده المتهاوي.
التنين يكشر عن أنيابه
الحروب الكلامية التي يشنها أردوغان يمنة ويسرة لم تؤت ثمارها مع العملاق الصيني، فبعد صولاته وجولاته وتجارة واسعة بقضية "الأويغور"، ها هو الرئيس التركي يعود خاضعا طالبا الصفح والمغفرة، بل بلغ به الخنوع حد القول عقب لقائه، الثلاثاء، الرئيس الصيني شي جينبينغ: إن بلاده "تدرك حقيقة أن سكان إقليم شينجيانغ يعيشون حياة سعيدة".
ولئن تحاشت وسائل الإعلام التركية الموالية لأردوغان نشر التصريح خوفا من الفضيحة والسخرية، إلا أن الإعلام الصيني الرسمي لم يفوت ذلك، وركز على هذا الجانب بالذات من تصريحات الرئيس التركي، مع سلسلة من التعليقات الساخرة إما بشكل مباشر أو ضمني.
المؤكد أن الخطاب الجديد لأردوغان يأتي بعد إغلاق الصين قنصليتها في إزمير قبل أشهر قليلة، في خطوة استبطنت تهديدات مباشرة من بكين على خلفية استخدام أردوغان وحزبه أقلية الأويغور للدعاية السياسية استعدادا للانتخابات البلدية المقامة نهاية مارس/آذار الماضي.
ضربة أدرك من ورائها أردوغان أن التنين الصيني نفد صبره حيال تطفله ومراهقته السياسية، ليتلقى عبر إغلاق سفارة بكين بالمدينة المذكورة، رسالة مضمونة الوصول مفادها "إياك أن تعبث معنا".
وطبعا التقط أردوغان الرسالة، ليجد نفسه مجبرا على تغيير موقفه، ليلتقي، الثلاثاء، نظيره الصيني في قصر الشعب في بكين، بعد 4 أشهر تقريبا على وصف خارجيته (التركية) معاملة المسلمين الأويغور بأنها "عار كبير على الإنسانية".
الحزام والطريق
إغلاق بكين قنصليتها في إزمير أسفر عن هزة عنيفة داخل دوائر الأعمال بالمدينة التي بدأت تتهيأ لأن تكون الميناء الأخير في مبادرة "حزام واحد طريق واحد"، التي تعد بمثابة جسر بين آسيا وأوروبا.
تحذير أول تلته تحذيرات أخرى على لسان السفير الصيني دينج لي، والذي هدد أنقرة بدفع الثمن في حال استمرت في انتقاد سياسة بلاده تجاه الأويغور، وذلك عقب بيان للخارجية التركية اتهم بكين بتعديب نحو مليون من الأقلية المسلمة داخل معسكرات اعتقال صينية.
وبطبيعة الحال، فإن بكين حين تهدد، فإن مجمل تحذيراتها قائمة على الجانب الاقتصادي والتجاري، نظرا لعلاقاتها الواسعة مع جل بلدان المعمورة، وهذا ما أكده دينج، في مقابلة سابقة مع إعلام دولي، بالقول: "إن كنا سنختار نهجا غير بناء، فإن ذلك سينعكس على العلاقات التجارية والاقتصادية".
الأويغور يفضحون أردوغان
يدرك مسلمو الأويغور أن موقف أنقرة من قضيتهم لم يأت أبدا دفاعا عنهم، وإنما تلاعبا من أجل تحقيق مآرب سياسية وتجارية داخلية وخارجية.
موقع "المونيتور" نقل عن صالح هدايار، مؤسس حركة الصحوة الوطنية لتركستان الشرقية، قوله إن "أنقرة تتلاعب بالأويغور من أجل مصالح سياسية، وتوطيد العلاقات الاقتصادية بين أنقرة وبكين".
وأضاف مؤسس الحركة التي تتخذ من الولايات المتحدة مقرا لها، أن "كل شيء في تركيا مرتبط بالاقتصاد، حتى السياسة، والمسؤولون في أنقرة يقدمون المال على حقوق الإنسان".
ولفت إلى أن أردوغان يحاول الاستفادة من مبادرة "الحزام والطريق" الصينية الكبرى، ولذلك، فهو يحاول توظيف قضية الأويغور في أوقات معينة.
ومبادرة "الحزام والطريق" هي خطة ضخمة لتطوير البنية التحتية، تتضمن طرقا برية وبحرية جديدة تصل إلى أوروبا.
أما الأويغور، فهم مسلمون تعود أصولهم إلى الشعوب التركية (التركستان)، ويعتبرون أنفسهم أقرب عرقيا وثقافيا لأمم آسيا الوسطى.
ووفق أرقام رسمية، تشكل الأقلية نحو 45% من سكان شينغيانغ، في حين تبلغ نسبة الصينيين من عرقية الهان نحو 40%.