العلاقات بين بوتين وأردوغان تتخطى إدلب لوجود اتفاقيات اقتصادية وعسكرية، وإن كان الطرفان لا يثقان ببعضهما
يماطل رئيس النظام التركي في سياسته الرعناء ومراوغته إلى حد كبير زاعماً أمام الرأي العام أنه يمضي في الحرب على الإرهاب الذي يهدد أمنه القومي، وما زال متمسكاً بذرائعه ومواصلة اعتداءاته على أجزاء من الأراضي السورية وصولاً إلى أوهامه العثمانية، فإذا كان اتفاق سوتشي يشكل تنازلاً روسياً لتركيا على المدى البعيد، فإن ما ذهبت إليه أنقرة بموافقتها على مضامين سوتشي يُعد أيضاً بمثابة تفويض دولي لأردوغان للإشراف إدارياً على المواقع الشمالية السورية، وتحركاته المشبوهة لن تفيده شيئاً بعدما حزمت سوريا أمرها مع حليفها الروسي لمواجهة جبهة النصرة ومن يساندها في إدلب.
ترى سوريا أن اتفاق أضنه يفرض التنسيق مع الحكومة السورية باعتباره اتفاقاً بين دولتين وبالتالي لا يستطيع أردوغان وفق موجبات الاتفاق التصرف بشكل منفرد، وما يقوم به هو مساندة أدواته من المجموعات المتطرفة التي قدم لها مختلف أشكال الدعم والمساندة
وتتهم دمشق أنقرة بالتلكؤ في تطبيق الاتفاقيات المنوطة بالشأن السوري إذ لم تنسحب الفصائل المتطرفة من المنطقة منزوعة السلاح ولم تتم إعادة فتح طريقين دوليين تسيطر فصائل هيئة تحرير الشام على جزأين منهما يمران عبر إدلب، ويربط الأول مدينة حلب شمالاً بدمشق، والثاني يتفرع عنه ويربط إدلب بمحافظة اللاذقية الساحلية غرباً، ما دفع القيادة العسكرية السورية لاتخاذ القرار الحاسم لدحر الفصائل المسلحة بكل تصنيفاتها وقطع محاور الإمدادات التي تتلقاها من تركيا ورفض التعنت والمراهنات الأردوغانية.
وتريد موسكو التأثير على تركيا في مواضيع أخرى كثيرة وبخاصة بعدما تعرضت العلاقة البراغماتية معها إلى هزة قوية بسبب هجوم القوات السورية المدعومة من روسيا على جنود أتراك، بالإضافة إلى التوترات المتصاعدة بينهما حيال مواقف أردوغان المتهورة في ليبيا، وهذا مؤشر على أن العلاقات بين البلدين ليست مثالية على الرغم من قلق أعضاء حلف الناتو من التقارب بين موسكو وأنقرة وتسلم تركيا المنظومات الصاروخية المتطورة واحتجاجات واشنطن بفرض عقوبات عليها.
إن العلاقات بين بوتين وأردوغان تتخطى إدلب لوجود اتفاقيات اقتصادية وعسكرية، وإن كان الطرفان لا يثقان ببعضهما لمواقف لا تزال مخالفة لما يتم الاتفاق عليه، ولكنهما يحافظان على علاقة سياسية ويشكلان جبهة واحدة حين يلزم الأمر ضد طرف ثالث هو الولايات المتحدة، وتنعكس هذه المواجهة في شمال وشرق سوريا.
وفي أعقاب تحركات قوات عسكرية تركية إلى ريفي حلب وإدلب أوضح أردوغان أن على تركيا وروسيا حل خلافاتهما بشأن الصراع في إدلب السورية دون غضب، في إشارة إلى امتصاص تحذيرات موسكو لأنقرة في الأيام الماضية، مخففاً من لهجته التي تبدو دوماً بـالاستعراضية ومبدياً أنه لا توجد حاجة لخلاف خطير مع روسيا، في محاولة منه لاحتواء الغضب الروسي، وفي وقت سابق طالبت روسيا تركيا بالتنفيذ الفوري لاتفاقيات سوتشي بشأن إدلب شمالي سوريا، وذلك بعد أيام من تصاعد الهجمات التركية في الشمال السوري.
وما ينطوي عليه مشهد تقدم عمليات الجيش السوري المكثفة والدائرة على محوري حلب سراقب وباتجاه مركز المحافظة من اندحار وانسحاب الجماعات المسلحة، مما يجعل أردوغان في حالة قلق واضطراب قد تتبعها المطالبة بضمانات لحماية مصالحه القومية، وقد يكون مصيره السياسي على حافة الهاوية في الداخل التركي أو العودة من جديد لطرح اتفاق أضنة وربما يكون المخرج الوحيد الحوار المباشر مع الطرف المعني أو الذهاب لمعركة كبرى حينها تختلط كل الأوراق بما فيها العلاقات مع الحليف الروسي المهم جداً لتركيا، ويدرك بوتين أن أردوغان أبعد ما يكون عن تنفيذ أهدافه من الاتفاقيات وعلى الأخص ما يتعلق بحسم ملف المسلحين ذلك ما يعمق الشرخ والتصدعات في العلاقات الروسية - التركية.
وترى سوريا أن اتفاق أضنة يفرض التنسيق مع الحكومة السورية باعتباره اتفاقاً بين دولتين، وبالتالي لا يستطيع أردوغان وفق موجبات الاتفاق التصرف بشكل منفرد، وما يقوم به هو مساندة أدواته من المجموعات المتطرفة التي قدم لها مختلف أشكال الدعم والمساندة, وتصريحاته المتشددة ليست سوى ورقة ضغط على الطرف الآخر لتمرير مطامحه في إدلب لأهميتها الاستراتيجية بالنسبة لتركيا ولإظهار نفسه على أنه يمتلك زمام الأمور واللاعب الأساسي فيها، ولعله من الواضح أن الأمور تسير بعكس ما يخطط له، ولن يتأتى لأردوغان ما يطمح إليه فالقوات السورية حسمت أمرها مع حليفها الروسي بتنظيف إدلب وريفها من جبهة النصرة وكبح النفوذ التركي مهما كلف ذلك من ثمن وتضحيات.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة