آثار الاحتلال العثماني وتبعاته من تخلف وجهل ظلت سمة ملازمة لجميع الشعوب والبلدان التي وقعت تحت نير ذلك المحتل لسنين طويلة
يوما بعد يوم تتكشف استراتيجية العدوان الأردوغاني على سوريا بأساليب وطرق تكرس الاحتلال التركي لبعض أراضي الشمال السوري تنفيذا لمشروع أردوغان الرامي إلى قضم مزيد من الأراضي السورية بذرائع واهية باتت مكشوفة للقاصي والداني.. بعد فرض المناهج الدراسية التركية في عدد من المدارس الموجودة في المدن الشمالية للبلاد الواقعة تحت سيطرة الاحتلال التركي مباشرة أو تلك التي تديرها مجموعات مسلحة سورية بإشراف أنقرة، وفرض التدريس باللغة التركية، ها هي جامعة غازي عنتاب التركية تعلن قرارها بفتح ثلاث كليات في عدد من بلدات الشمال السوري؛ واحدة إسلامية في مدينة أعزاز، وأخرى للتربية في عفرين، وثالثة للاقتصاد وعلوم الإدارة في مدينة الباب.. البلدات الثلاث تقع في شمال غرب سوريا إلى الغرب من نهر الفرات وإلى الشمال من حلب.
قد يستطيع أردوغان التملص من التزاماته حيالهم لفترة ما، إلا أن من الصعب -إن لم يكن من المستحيل- أن يجمع بين الشيء ونقيضه في الملف السوري، ويضرب عرض الحائط بمصالح الشركاء الآخرين إلى ما لا نهاية
الإعلان رسميا عن افتتاح الكليات الثلاث يقطع الشك باليقين إزاء أطماع تركيا-أردوغان ومشروعه التوسعي في الأراضي السورية والاعتداء على وحدتها وسيادتها ويكشف زيف ادعاءاته بشأن احترام استقلال جارته الجنوبية.
أردوغان يستكمل بذلك عناصر مشروعه الاحتلالي العسكري ولكن بأبعاده العلمية والتربوية والثقافية.. احتلال أرض بلد ما من قبل أي طرف آخر مرفوض بحكم القانون الدولي ويتيح للدولة التي خسرت أرضها بقوة السلاح أن تستخدم وتوظف كل مقدراتها العسكرية والاقتصادية والسياسية وعلاقاتها الدولية لاسترداد أراضيها من قبضة المحتل، إما بحكم القانون الدولي والمفاوضات أو بأساليب أخرى على رأسها استخدام القوة العسكرية المباشرة أو غير المباشرة لطرد المحتل من أرضها.
استخدام المحتل التركي أساليب الهيمنة والإكراه ضد سكان المدن والبلدات السورية الخاضعة لسيطرة قواته أو تلك الخاضعة لمجموعات المعارضة السورية المسلحة، وإحياء سياسة التتريك العثماني وتطبيقها على مرافق حياتهم العلمية والتربوية والثقافية، ينطوي على مخاطر كبيرة لما تتضمنه هذه السياسة من تبعات في المستقبل أبرزها سلخ الإنسان عن وطنه وأمته وبيئته لأنها تفرض عليه أساليب تفكير وسلوك ينسجمان مع عقلية وأهداف المحتل، ولأنها أيضا تعيد صياغة تكوينه النفسي والثقافي والتاريخي تبعا لسيرورة المحتل وهويته ومحدداتها، وبذلك تمحو بفعل الزمن وتأثير نهج المحتل مقومات شخصيته الوطنية وهويته الأصلية وانتمائه.
آثار الاحتلال العثماني وتبعاته من تخلف وجهل ظلت سمة ملازمة لجميع الشعوب والبلدان التي وقعت تحت نير ذلك المحتل لسنين طويلة ولم تتخلص منها إلا حين استعادت تلك الشعوب هويتها الوطنية وسيادتها واستقلالها.. يطل أردوغان مجددا بعباءة العثمانيين إياها ولكن بلبوس الإخوان المسلمين، متوهما إمكانية تحقيق مشروعه عبر البوابة السورية الشمالية منتهزا فرصة الضعف العابر للدولة السورية.
هو يتوغل في تشريع احتلاله لجزء من الأراضي السورية في الشمال عبر هذه الممارسات، متجاهلا حقوق السوريين ووجودهم كشعب وكدولة مستقلة ذات سيادة.. يبدي عدم اكتراث بمصالح الدول الأخرى الإقليمية والدولية المرتبطة بدمشق وتتحالف معها، ومنها دول تلتقي مع أنقرة في الملف السوري بجميع تشعباته وتفاصيله.. قد يستطيع أردوغان التملص من التزاماته حيالهم لفترة ما، إلا أن من الصعب -إن لم يكن من المستحيل- أن يجمع بين الشيء ونقيضه في الملف السوري ويضرب عرض الحائط بمصالح الشركاء الآخرين إلى ما لا نهاية.
صحيح أن الدولة السورية وبعد حرب أكثر من ثماني سنوات لا تزال تلملم جراحها على جميع الصعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية، بما فيها قرار استعادة ما تبقى من أراضيها من قبضة الإرهابيين الذين يحتمون بأردوغان، بيد أن من المؤكد أيضا أن السوريين، وبصرف النظر عن طبيعة وشكل نظام الحكم، لن يكونوا خارج فعل ووحي تاريخهم غير البعيد في التعامل مع المحتل لأرضهم.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة