فساد أردوغان.. التاريخ الأسود لبنك خلق الحكومي
فساد رجب طيب أردوغان بحسب ما يعرضه الكتاب، يمثل فصلا جديدا من التحقيقات القائمة في الولايات المتحدة ضد خلق بنك.
بنك خلق هو عنوان مختصر لأزمة فساد تواجهها الحكومة التركية برئاسة رجب طيب أردوغان حينما كان رئيسا للوزراء آنذاك "الرئيس التركي الحالي"، والتي شهدت العديد من الفصول في قاعات المحاكم الأمريكية على مدار السنوات الماضية، ولم تغلق حتى الآن.
مجددا، تصدر الفساد في بنك خلق، والذي يعكس صورة مصغرة للفساد الذي يمارسه أردوغان لصالح مؤسساته الحكومية، وسائل إعلام عالمية، لكن هذه المرة كان كتاب جون بولتون هو "ويكيليكس" الفضيحة الجديدة للنظام التركي.
وفي 21 يونيو/ حزيران الماضي، سمح القضاء الأمريكي بنشر كتاب مستشار الأمن القومي السابق جون بولتون، ويحمل عنوان "في قاعة الحدث"، يتناول فترة توليه منصب مستشار الأمن القومي للرئيس الأمريكي طوال 17 شهرا، وانتهت باستقالته في سبتمبر/ أيلول الماضي.
فساد رجب طيب أردوغان، بحسب ما يعرضه الكتاب، يمثل فصلا جديدا من التحقيقات القائمة في الولايات المتحدة، ضد بنك خلق وهو بنك تركي حكومي متهم بغسيل أموال لها علاقة بأيران خلال سنوات العقوبات الأمريكية، قيمتها تزيد عن 20 مليار دولار.
- أرقام تفضح مغامرات أردوغان.. استنزاف مالي وإفقار وانهيار الليرة
- أزمة كهرباء ليبيا.. صفقة مشبوهة بين "السراج" وأردوغان في الظلام
وفي حوار أجري الشهر الماضي مع شبكة "إيه بي سي نيوز"، اعتبر جون بولتون أنه من المحتمل أن الملياردير الجمهوري (في إشارة للرئيس دونالد ترامب) عرقل سير العدالة خلال مفاوضات مع تركيا، بناء على مكالمة من أردوغان.
ووفقا لما ورد تفاصيل الكتاب، فإن دونالد ترامب وافق على مساعدة تركيا من خلال رئيسها رجب طيب أردوغان، التدخل في تحقيق فيدرالي تجريه محاكم أمريةي ضد أحد البنوك التركية المملوكة للدولة وهو بنك خلق.
في مقتطفات من المذكرات التي اطلعت عليها "العين الإخبارية"، قال بولتون إن ترامب يبدو أنه "يقدم خدمات شخصية للديكتاتوريين الذين يعجبهم"، والذي كان ينبغي أن يتم تضمينه في التحقيق المتعلق بالعزل الذي يركز على تعاملات ترامب في أوكرانيا.
يورد الكتاب على لسان بولتون: "خلال مكالمة هاتفية عام 2018 أرسل أردوغان مذكرة إلى ترامب، يصر فيها على أن بنك خلق (Halkbank) الذي ضربته فضيحة غسيل أموال كان بريئا".
وكتب بولتون: "أخبر ترامب بعد ذلك أردوغان أنه سيهتم بموضوع البنك الذي يواجه تحقيقات في نيويورك، موضحا أن المدعين العامين في المنطقة الجنوبية في نيويورك ليسوا من مؤيديه (جمهوريون) ولكنهم من مؤيدي أوباما (ديمقراطيون)".
التاريخ الأسود للبنك
وهذه ليست الواقعة الأولى لبنوك تركيا، ففي ديسمبر/كانون الأول 2017، أغلق بنك الزراعة الدولي التركي فرعه في مدينة نيويورك، بعد اتهام الإدارة الأمريكية له بغسل الأموال؛ لخرق العقوبات الأمريكية على إيران، حسبما ذكرت صحيفة "حريت" التركية.
ولكن كيف وصل بنك خلق إلى ساحة القضاء الأمريكي على يد أردوغان؟، للإجابة يجب أن نلقي الضوء على التاريخ الأسود للبنك، والذي تأسس عام 1938، لأغراض إمداد التجار والحرفيين بشروط مواتية لتعزيز التنمية الاقتصادية، باعتباره اتحادا ائتمانيا من قبل التعاونيات الصغيرة.
وبين عامي 1938-1950، استغل البنك ودائع الفقراء من المزارعين والحرفيين، وأعاد إقراضها بنسب فوائد مرتفعة، أدت إلى توسعه وخلال فترة لم تتجاوز 10 سنوات، توسع البنك في مختلف أنحاء البلاد، على أكتاف أموال الفقراء.
ومع توسع البنك في أعماله، وإيهام الطبقة الفقيرة والكادحة في المجتمع التركي، بأنه يمثل بنك الفقراء، تمكن من جمع حجم كبير من ودائع العملاء في السوق المحلية، واستمر في التوسع داخل المناطق النائية.
وطوال تسعينات القرن الماضي، نمت أصول البنك بعد أن تمكن من السيطرة على غالبية أصحاب الودائع، وتسبب في إضعاف القطاع المصرفي التركي، لتكون النتيجة استحواذه على عدد من البنوك التركية آنذاك.
وفي عام 1992، استحوذ البنك على "بنك العطاء - Tö bank"، بينما أعلن في 1993 عن تحويل الأصول والخصوم في "بنك سومر - Sümer bank" إليه، وفي عام 1998، تم تحويل أصول ومطلوبات "بنك اللحوم - Etibank" إلى شبكة موجوداته.
وخلال العام 2001، تم تحويل 96 فرعا من "البنك العقاري - Emlakbank"، وهو بنك حكومي آخر كان في مرحلة التصفية إلى بنك خلق؛ بينما في 2004 قام البنك بالاستحواذ على "بنك النسيج - Pamuk Bank"، تبعها قيام بنك خلق بتنفيذ إعادة هيكلة لنفسه.
وبينما كانت الحكومة التركية تتجه إلى بيع البنك للقطاع الخاص، إلا أن قرار مفاجئا بإلغاء عملية البيع، وتم استبداله بخصخصة 25% من الأسهم من خلال الاكتتاب العام في 2007، في محاولة من البنك للحصول على سيولة مالية.
و في 2012، قام البنك بخصخصة 23.9% من أسهم البنك مع إبقاء سيطرة الحكومة عليه، في وقت كان المصرف يمارس فسادا، عبر عمليات غسيل أموال تم الكشف عنها في عام 2013.
وإلى جانب بنك خلق، تملك الحكومة 9 بنوك حكومية أخرى من أصل 50 عاملة في السوق التركية، إذ تمارس البنوك العشرة مختلف العمليات النقدية للحكومة التركية، ومن خلالها تتحكم في المعروض النقدي المحلي والأجنبي داخل تركيا.
قضية الفساد
ونعود إلى القصة الأصلية وهي قضية الفساد التي يواجهها بنك خلق وتعود للعام 2013، فإن التحريات الجنائية كشفت عن تورط شخصيات بارزة في الحكومة التركية، في عمليات مالية مشبوهه عبر البنك.
ومن بين المتورطين سليمان أصلان، مدير بنك خلق، ورجل الأعمال الإيراني رضا ضراب، وعدد من أعضاء مجلس الوزراء بتهم الرشوة، الفساد، التزوير، الغش غسيل الأموال وتهريب الذهب.
وكان في قلب الفضيحة مخطط "الغاز مقابل الذهب" المزعوم مع إيران، وتورط فيه أصلان، الذي كان يحتفظ بمبلغ 4.5 مليون دولار نقداً في خزنة داخل صندوق للأحذية بمنزله، وضراب، الذي تورط في صفقة ذهب قيمتها 9.6 مليار دولار في 2012.
وبدأ تطبيق المخطط بعد أن وجد مسؤولون في الحكومة التركية ثغرة في العقوبات الأمريكية ضد إيران سمحت لهم بالحصول على النفط والغاز الإيراني.
ووفقا للصفقة المشبوهة فإن الأتراك قامو بتصدير ذهب إلى إيران بقيمة 13 مليار دولار بشكل مباشر، ما بين مارس/ آذار 2012 ويوليو/ تموز 2013؛ في المقابل، حصل الأتراك على الغاز الطبيعي والنفط الإيراني، وتمت المعاملات المالية للصفقة عن طريق بنك خلق.
وفي يناير/ كانون ثاني 2013 قررت إدارة أوباما سد الثغرة لكن بدلاً من تحميل البنك المسؤولية، سمحت الحكومة الأمريكية باستمرار أنشطة تجارة الذهب حتى يوليو/ تموز 2013، لأن تركيا كانت حليفاً هاماً للولايات المتحدة،وفق ما ذكر جون بولتون في كتابه.
وعند اندلاع الفضيحة، كان رئيس الوزراء في ذلك الوقت رجب طيب أردوغان، الذي كان يبحث عن مصادر مستدامة للطاقة وبأسعار رخيصة لإمداد بلاده، التي تفتقر لأية مصادر تجارية من النفط والغاز الطبيعي.
ومنذ بداية التحقيق، بدأت حكومة حزب العدالة والتنمية بعملية إقالة لعشرات من قادة الشرطة، أشهرهم حسين شابكين، رئيس شرطة إسطنبول.
ووصف أردوغان التحقيقات بأنها مؤامرة دولية، تقودها جهات معلومة وغير معلومة ضد أكبر بنك حكومي في تركيا.
الطاقة الرخيصة.. كلمة السر
ويبقي سؤال مهم.. لماذا تغامر تركيا بعلاقاتها مع أمريكا مقابل صفقة إيرانية مشبوهة؟.. يبدو أن الإجابة تكمن ببساطة في أطماع النظام التركي في الاستفادة من كل الأزمات.
وفي تعقيب له، قال ياسر عمارة، رئيس شركة إيجل للاستشارات المالية والتمويلية، إن اختراق بنك خلق للعقوبات الأمريكية وتنفيذه تعاملات تجارية مع إيران في فترات سابقة، يأتي تحت مظلة النظام التركي الذي يعمل على استخدام مختلف الأساليب التي تمنكه من السيطرة على موارد الدول المجاورة في إطار استراتيجية جلب الثروة من الخارج.
وأوضح عمارة ، في حديث مع "العين الإخبارية"، أن تركيا استفادت من الحصول على النفط والغاز الإيراني مقابل مبالغ زهيدة، نظرا لعدم وجود إقبال دولي على شرائه، تزامنا مع حاجة إيران لتدفقات نقدية أجنبية لسد جزء من احتياجاتها.
وذكر أن المجتمع الدولي، "يدرك جيدا أن مثل هذه النوعية من القضايا التي تتورط فيها مؤسسات مالية، تخضع في المقام الأول للتفاهمات السياسية بين الدول، وأنه يجب أن يكون هناك رغبة حقيقية لدى السلطات الحكومية والفيدرالية لردع العمليات المصرفية المشبوهة".
وشدد على ضرورة اتخاذ النظام الدولي قرارات رادعة ضد الاختراقات التركية، لتفادي تكرار عمليات غسيل الأموال وغيرها من الممارسات المُجرمة دوليا.
فيما أشار مسؤول مصرفي –اشترط عدم ذكر اسمه– إلى أهمية تعامل النظام الأمريكي بجدية مع اختراقات بنك خلق التركي، نظرا لأن التهاون في عمليات غسيل الأموال، سيشجع غيره من المؤسسات المصرفية والمالية سواء في تركيا أو الدول التي تواجه عقوبات دولية وحلفائها بتكرار الممارسات المشبوهة.
وأكد أنه "يجب أيضا الأخذ في الاعتبار أهمية حماية حقوق المودعين في مثل هذه البنوك المارقة، ما يتطلب الالتزام بالشفافية في الإعلان عن نتائج التحقيقات ومسارها".
وختم: "النظام المصرفي التركي يواجه بالفعل أزمة ثقة مع المتعاملين، سواء من الشركات المحلية أو الدولية وكذلك الأفراد، نظرا للمخاطر الجمة والعقوبات المرتقبة، نتيجة تورط بنوك كبيرة الحجم مثل خلق في عمليات غسيل أموال".