أمام المعارضة الآن فرصة واحدة وأخيرة، إن هي أرادت فعلاً تحدي الرئيس أردوغان الذي استفاد دائماً من تشتت أحزابها وتفرقها،
دعوة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى انتخابات رئاسية وبرلمانية مبكرة اعترافٌ صريحٌ بتدهور الأوضاع السياسية والاقتصادية في تركيا. اعترافٌ جاء بعد نفي متكرر وتجاهل للوضع الاقتصادي المتراجع الذي تمر به البلاد وللأزمة السياسية التي تمر بها داخلياً وخارجياً.
فقبل أسبوع فقط كان أردوغان وحليفه القومي دولت باهشلي ينفيان بشدة حديث المعارضة عن نيات مبيتة للاحتكام إلى انتخابات مبكرة، بل كانا ينعتان مَن يتحدث عن ذلك بالمغرض ومثير الفتن. ليخرج بعدها زعيم حزب الحركة القومية وحليف أردوغان السياسي السيد باهشلي ليطالب بإجراء انتخابات مبكرة في نهاية أغسطس/ آب المقبل، معترفاً بأنه بات من الصعب السيطرة على الوضع في البلاد حالياً، ويكرر الحديث عن مؤامرة كونية تُحاك لتركيا من قوى ظلامية في الخارج.
الأسواق المالية في تركيا انتعشت فور الإعلان عن انتخابات قد تحمل تغييراً في تركيا أو رحيلاً للرئيس أردوغان وحكومته، حتى لو كان هذا الاحتمال ضئيلاً جداً، وهو ما يعكس مدى عمق الأزمة التي تمر بها تركيا حالياً.
وبعد لقاء سريع بين أردوغان وباهشلي خرج أردوغان ليحدد موعد الانتخابات المبكرة، ويقرّب الموعد المقترح من حليفه إلى 24 يونيو/ حزيران المقبل، أي بعد شهرين فقط. هناك من يقول إن باهشلي خرج باقتراحه هذا بتنسيق مع أردوغان، من أجل رفع الحرج عن الرئيس الذي كرر دائماً رفضه سيناريو الانتخابات المبكرة، في إطار حديثه عن أن الأمور تسير بشكل طبيعي في تركيا سياسياً واقتصادياً.
وهناك من يقول إن باهشلي فاجأ حليفه أردوغان بهذا الطرح وحشره في الزاوية. لكن دفع أردوغان إلى تقريب موعد الانتخابات بهذا الشكل يرجح السيناريو الأول. وفي أي حال فإن الدعوة لانتخابات مبكرة اعتراف صريح بأن تركيا تقف على حافة أزمة اقتصادية، يريد أردوغان الهرب منها باللجوء إلى انتخابات مبكرة قبل أن تعصف بتركيا وتضعف حظوظه وشعبيته لاحقاً.
وفي ظل قانون النظام الرئاسي الجديد الذي سيبدأ تطبيقه بعد الانتخابات المقبلة، فإن الأهم الآن الانتخابات الرئاسية، بسبب تراجع دور البرلمان في ظل النظام الجديد. فالرئيس حسب النظام الجديد سيكون الآمر الناهي في تركيا، والمتحكم في جميع مؤسسات الدولة.
وتقول آخر استطلاعات الرأي التي أجراها حزب العدالة والتنمية الحاكم إن 43 % من الناخبين يؤيدون انتخاب أردوغان للرئاسة، وهي نسبة لا تضمن لأردوغان الفوز في الانتخابات من الجولة الأولى، وتضعه أمام خطر خوض جولة ثانية مع أحد مرشحي المعارضة، وهذا قد يؤدي إلى خسارته الانتخابات، لأن جميع أحزاب المعارضة ستدعم المرشح الآخر ضد أردوغان. وعليه فإننا نتوقع كثيراً من المفاجآت التي سيقدمها الرئيس أردوغان خلال فترة الشهرين التي تفصلنا عن الانتخابات.
من هذه المفاجآت ما سيكون اقتصادياً من خلال زيادة الإنفاق الحكومي، من أجل التغطية على أجواء الأزمة الاقتصادية التي تقترب، وهذا سيزيد من الأعباء الاقتصادية على الدولة التركية، لكن المهم للرئيس أردوغان مرور هذين الشهرين بسلام.
أيضاً قد يلجأ الرئيس أردوغان إلى عمليات عسكرية في شمال العراق بعد أن توغل الجيش التركي بعمق 20 كيلومتراً هناك، مما يمكنه من شن ضربات قوية على معقل حزب العمال الكردستاني في جبال قنديل هناك. ناهيك بما تتحدث عنه المعارضة من احتمال لجوء الحكومة إلى حيل انتخابية بعض إقرار قانون يجيز احتساب الأوراق الانتخابية غير الممهورة ومجهولة المصدر.
أمام المعارضة الآن فرصة واحدة وأخيرة، إن هي أرادت فعلاً تحدي الرئيس أردوغان الذي استفاد دائماً من تشتت أحزابها وتفرقها، فإن نجحت هذه الأحزاب في ترشيح مرشح مستقل تتفق جميعها على دعمه من الجولة الأولى، فإن ذلك سيحمل تحدياً قوياً للرئيس أردوغان. علماً بأن الانتخابات في تركيا، وبشهادة الاتحاد الأوروبي، ما عادت تُجرى في ظروف عادلة ونزيهة، فالرئيس أردوغان يستخدم جميع مؤسسات الدولة وميزانيتها من أجل الدعاية الانتخابية، كما أنه بات يسيطر على نحو 90 % من وسائل الإعلام. كما أن الانتخابات ستُجرى تحت أحكام قانون الطوارئ الذي تسعى الحكومة لتمديد مدته حتى 20 يوليو/ تموز المقبل، وفي هذه الظروف سيكون من الصعب جداً على المعارضة إجراء حملاتها الانتخابية، إذ إن ذلك سيكون خاضعاً لموافقات وزارة الداخلية التابعة لحكومة أردوغان.
ولعل سعي الرئيس أردوغان لتقديم موعد الانتخابات بهذا الشكل، يقف وراءه خشيته من ترتيب المعارضة أوراقها وتحالفها ورص صفوفها، فاستطلاعات الرأي تشير إلى أن المزاج العام للناخبين يتوق إلى التغيير وإلى عودة تركيا إلى ما كانت عليه سابقاً من استقرار سياسي واقتصادي، وأن هناك كتلة تقارب 30 % من الناخبين مستعدة للتصويت لحزب جديد أو زعيم سياسي جديد يتمتع بالكاريزما، ويعطي الناخبين الأمل في إنهاء أجواء الاستقطاب السياسي وحالة الطوارئ. بل إن استطلاعات الرأي أشارت مؤخراً إلى أن 10 % من ناخبي حزب العدالة والتنمية مستعدون للتصويت لحزب آخر يعطيهم هذا الأمل.
إعلان الرئيس أردوغان عن انتخابات مبكرة أعطى الليرة التركية دفعة قوية بشكل مفاجئ، زاد من سعرها وقوتها على الفور، وهو رد فعل يشير إلى أن الأسواق المالية في تركيا انتعشت فور الإعلان عن انتخابات قد تحمل تغييراً في تركيا أو رحيلاً للرئيس أردوغان وحكومته، حتى لو كان هذا الاحتمال ضئيلاً جداً، وهو ما يعكس مدى عمق الأزمة التي تمر بها تركيا حالياً.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة