رغم الفوز.. أردوغان يسير نحو نهاية جده العثماني
ما أشبه الليلة بالبارحة، فقد تسبب السلطان العثماني عبد الحميد في انقسام حاد بالمجتمع، ويقوم حفيده أردوغان بنفس الشيء.
لم يكن السلطان عبد الحميد يتوقع أن سعيه لتكريس السلطة في يده، سيكون سبباً في انهيار الدولة العثمانية، رغم ما استطاع تحقيقه من إنجازات، وهي نفس الأزمة التي يعيشها أحفاده في حزب الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان.
أردوغان كما السلطان عبد الحميد، يستمد قوته مما يسمى بـ"شرعية الإنجاز"، حيث استطاع تحقيق قفزات هائلة في الاقتصاد التركي، وأغرته هذه القوة في السعي نحو الحصول على المزيد، فدعى لاستفتاء يكسبه المزيد من السلطات، متناسياً درس التاريخ، وهو أنه لا يكفي أن تكون منجزاً حتى تستمر في الحكم.
وبينما يحرص أردوغان دوما على استعادة روح الدولة العثمانية، فيظهر مستعرضاً حرس الشرف الذي يرتدي زيها التاريخي، فإنه في المقابل لم يستوعب الدرس التاريخي لأحد أكبر سلاطين تلك الدولة وهو السلطان عبد الحميد.
ويوصف عهد هذا السلطان بأنه من أكثر أوقات الدولة العثمانية نجاحاً وصعوبة في الوقت ذاته، ذلك لأنه قام بإنجازات عديدة ومنها إنشاء جامعة إسطنبول التي ضمت 18 كلية متخصصة، وتوسيع وتطوير خطوط المواصلات والاتصالات، وإنشاء الأكاديميات العسكرية في جميع أنحاء الدولة، لكنه في المقابل لم يستطع منع حالة السخط الناتجة عن تكريسه للسلطة في يده وتعطيله البرلمان لمدة قاربت الأربعين عاماً.
وكان تعطيل البرلمان وتعليق العمل بالدستور، من الإجراءات التي اتخذها السلطان بعد دخول الدولة العثمانية في حرب ضروس مع الإمبراطورية الروسية، وهو نفس ما يحاول أردوغان فعله، مستغلاً الظرف السياسي المتمثل في الانقلاب العسكري الفاشل.
ورغم أن نتيجة ما فعله السلطان عبد الحميد لم تكن مرضية، إذ سارعت بانتهاء حكمه، ليكون بذلك هو بداية انهيار الدولة العثمانية، فإن أردوغان على ما يبدو لم يستوعب الدرس.
وما أشبه الليلة بالبارحة، فإذا كان السلطان قد تسبب بإجراءاته في انقسام حاد بالمجتمع، فإن نتيجة الاستفتاء الذي أجراه أردوغان تسببت في نفس الشيء.
وحدث الانقسام في الماضي عندما بدأ مناوئو السلطان إظهار اعتراضاتهم على أسلوب حكمه، ووصلت تلك الاعتراضات إلى حد الغليان عام 1326هـ، وقام تمرد نظمته تنظيمات ليبرالية مثل "تركيا الفتاة" و"جمعية الاتحاد والترقي".
في المقابل ثارت قوى إسلامية تأييداً للسلطان، ورفضاً للأفكار التي أتى بها أعضاء التنظيمات الليبرالية بعد إقامتهم في أوروبا.
وكما يحدث الآن في تركيا، كان المؤيدون للسلطان أكثر قليلاً من معارضيه، فظن أن ذلك سيحفظ له البقاء، ولكن مع استمرار المناوئين في نشاطهم خرجت الأمور عن نطاق سيطرة السلطان عبد الحميد، وكانت الضربة القاصمة في قيام قوات متمردة بقيادة الجنرال محمد شوكت باشا بدخول إسطنبول وترجيح كفة القوى المناوئة للسلطان، وهو ما يعرف تاريخياً بأحداث 31 مارس/آذار (1327هـ/1909م).
وحذر الاتحاد الأوروبي أردوغان من نهاية شبيهة يسببها الانقسام الحاد الذي أظهرته نتيجة الاستفتاء، وفي أول رد فعل على الاستفتاء، قال رئيس المفوضية الأوروبية، جان كلود يونكر، ووزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي، فيديريكا موغيريني، والمفوض الأوروبي لشؤون التوسيع، يوهانس هان، في بيان مشترك "انطلاقاً من النتيجة المتقاربة للاستفتاء والتداعيات البعيدة المدى للتعديلات الدستورية، ندعو السلطات التركية إلى السعي لأوسع توافق وطني ممكن في تطبيق هذه التعديلات".
وأشار سونر كغبتاي، المحلل المتخصص في تركيا في معهد واشنطن، إلى خطورة هذه النتيجة المتقاربة التي تعكس الانقسام الحاد، والذي تجسد في خسارة أهم مدينة تركية، وقال في تغريده على تويتر، "الاستفتاء فوز لأردوغان لكنه أيضاً هزيمة.. لقد خسر إسطنبول، حيث كان بدأ حياته السياسية".
ولا يبدو أن أردوغان على استعداد للتجاوب مع هذه التحذيرات، إذ قال في أول خطاب له بعد إعلان نتيجة الاستفتاء، إن "النقاشات منذ الآن انتهت وسيكون تركيزنا حول المرحلة المقبلة وانتقال تركيا نحو النظام الرئاسي".