حرص ترامب على أن يوجه رسالة واضحة لأردوغان بشأن مزاج الكونجرس الرافض لسياسات أنقرة على مختلف الأصعدة
قد يكون من المبكر الجزم بشأن ما حققته زيارة أردوغان لواشنطن، لأن نتائجها بعيدة المدى لم تتضح بعد، وإن كانت كل الدلائل تشير إلى أنها كانت فاشلة بامتياز، وأنها وضعت أردوغان على مفترق طرق، يتوقف عليه الكثير من مستقبل تركيا وعلاقتها مع حلف "الناتو" والولايات المتحدة على وجه الخصوص.
لا يزال أردوغان يناور ويستخدم كل ما بحوزته من وسائل المساومة، لكنه على الأرجح أصبح على مفترق طرق، ووصل بالفعل إلى الحد الذي بات عليه أن يختار، تماماً، كما وضع تركيا بين علمانية أتاتورك وعثمانية "العدالة والتنمية".
الاستقبال الودي من جانب ترامب للرئيس التركي، ورهان الأخير على العلاقات الخاصة مع نظيره الأمريكي، لم يحجب حقيقة الخلافات القائمة وعمق الهوة التي تفصل بين الجانبين، عندما وضعت الملفات الحساسة فوق الطاولة، ولم تنجح في إنهاء التوتر أو ردم الهوة بينهما، بقدر ما ساهمت في زيادة تدهور العلاقات، إلى الحد الذي يمس بالجانب الاستراتيجي منها، على الرغم من الإغراءات وصفقة المئة مليار دولار التي عرضها ترامب لثني أردوغان عن سياسة التقارب مع روسيا، الخصم الاستراتيجي للولايات المتحدة، وإيجاد حل التفافي لصفقة صواريخ "إس 400"، أو إعادة النظر في غزوه لشمال سوريا، واستهداف حلفاء واشنطن الأكراد، ناهيك عن قضايا أخرى شائكة في العلاقات الثنائية.
صحيح أن تركيا عضو مهم في حلف "الناتو"، وتمتلك ثاني أكبر جيوش الحلف، ولديها قاعدة "إنجرليك" الاستراتيجية، على مقربة من إيران، الخصم اللدود للولايات المتحدة، إلا أن ترامب ليس وحده في واشنطن، ولا يستطيع التغاضي عن ثوابت السياسة الأمريكية، خصوصاً في قضايا ذات طابع استراتيجي، كالتقارب التركي الروسي وصفقة "إس - 400"، أو عدم التزام أنقرة بالعقوبات الأمريكية المفروضة على إيران، أو حتى ما يتعلق باستهداف الأكراد السوريين، ولذلك لم يستطع ترامب، الذي بات في موقف ضعيف بسبب إجراءات العزل، رفع العقوبات الأمريكية المفروضة على تركيا، حتى لو توفرت لديه الرغبة.
بل على العكس، فقد حرص ترامب على أن يوجه رسالة واضحة لأردوغان بشأن مزاج الكونجرس، عندما دعا لحضور اللقاء خمسة من أعضاء الكونجرس يتقدمهم السيناتور ليندسي جراهام، المتحمس لفرض المزيد من العقوبات على أنقرة على خلفية ما وصفه بـ"الغزو" التركي لشمال سوريا، وذلك وجهاً لوجه أمام أردوغان، ما أثار مشادة كلامية مع أعضاء الكونجرس. بهذا المعنى، فقد خرج أردوغان من دون التوصل إلى حلول في أي من الملفات التي وضعت على طاولة البحث، لكن السؤال يظل قائماً حول ما إذا كان هذا السقوط في واشنطن سيدفع أردوغان في النهاية إلى التخلي عن حلف "الناتو" أو تغيير اتجاه تحالفاته الاستراتيجية مع الغرب عموماً والاستدارة نحو أحضان موسكو؟ حتى الآن، لا يزال أردوغان يناور ويستخدم كل ما بحوزته من وسائل المساومة، لكنه على الأرجح أصبح على مفترق طرق، ووصل بالفعل إلى الحد الذي بات عليه أن يختار، تماماً، كما وضع تركيا بين علمانية أتاتورك وعثمانية "العدالة والتنمية".
نقلاً عن "الخليج"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة