قراءة في أفكار مصطفى ست مريم أو أبومصعب السوري منظر تنظيم القاعدة الإرهابي
أصدر مُنظّر تنظيم القاعدة مصطفى ست مريم أو أبومصعب السوري كتابه الحامل لعنوان "دعوة المقاومة الإسلامية العالمية"، والذي كتبه سنة 1990 رغم أنه لم يُنشر حتى عام 2004، وقد استخدِم ذلك المؤلف من طرف تنظيمي القاعدة وداعش، والدليل على ذلك هو ما نشهده في الأسابيع الأخيرة من أحداث تتطابق مع بعض ما ورد في كتاب مصطفى ست مريم، خاصة إعلانات الولاء أو المبايعة من طرف فروع داعش لزعيمهم الجديد أبوإبراهيم القرشي.
على الرغم من أن الزعيم الجديد لداعش لا يزال متخفياً، ولم يدلِ بأي تصريح علني عن نواياه، إلا أنه تمكن من إقناع قادة ولاياته الوازنة والمؤثرة كولاية غرب أفريقيا (على الرغم من وجود مجموعتين)، اليمن، باكستان أو أفغانستان من بين ولايات أخرى، مما يوحي أننا نواجه عدواً يمتلك قدرة كبيرة
وأشار مصطفى ست مريم إلى وجود خمسة مضائق بحرية رئيسية على الأرض، أربعة منها تقع في الدول العربية الإسلامية، والتي كان لا بد من السيطرة عليها، وبينما تجاهل المضيق الخامس، أي قناة بنما، شجّع أتباعه على محاولة السيطرة على المضائق الأربعة وهي:
مضيق هرمز، بوابة النفط في الخليج العربي، قناة السويس في مصر، باب المندب بين اليمن والقارة الأفريقية، مضيق جبل طارق في المغرب.
في الثاني من نوفمبر الجاري، أعلن فرع داعش في سيناء بمصر عن مبايعته لخليفتهم الجديد، لتكون بذلك أول ولاية تعلن بيعتها. وفي اليوم التالي، أي الثالث من نوفمبر، أعلنت ولاية الصومال عن مبايعتها، وفي الرابع من نوفمبر ولاية اليمن. مع هذه الإعلانات يبدو من الواضح أن نية داعش هي السيطرة على سيناء والنفاذ إلى المحيط الهندي عن طريق باب المندب، وإذا لم يتمكن داعش بعد من السيطرة على منطقة هرمز أو جبل طارق فذلك ليس بسبب عدم اهتمامه بالمضيقين، بل لأن الدول المجاورة تبذل جهوداً جبارة في مجال مكافحة الإرهاب.
وفي سياق تعليمات مصطفى ست مريم دائماً نصح هذا الأخير بمهاجمة الأهداف التي "تُسبب أكبر أذيّة للعدو، وتُلحق به أكبر الخسائر"، في إطار نظرية أن "إرهاب وترويع الأعداء هو واجب ديني"، لذلك أشار إلى كل من سوريا ومصر والعراق، باعتبارها أراضي ذات أهمية بالغة.
وأعلنت ولاية داعش في سوريا بحوران (درعا) عن مبايعتها في الخامس من نوفمبر الجاري، وبعدها بيومين أعلنت حمص ودير الزور والرقة عن مبايعتها، بينما أعلنت ولاية البركة البيعة في التاسع من نوفمبر الجاري، وفي الـ12 من الشهر الجاري أعلنت حلب عن مبايعتها وفي الـ14 من الشهر نفسه أعلنت ذلك العراق (شمال بغداد)، وبذلك تكتمل إرشادات مصطفى ست مريم.
وبعد هذه المنطقة، كشف ست مريم عن اهتمامه ببلدان شمال أفريقيا من ليبيا إلى موريتانيا، ففي السادس من نوفمبر الجاري أعلن فرع داعش التونسي عن بيعته، وفي الـ15 من الشهر الجاري أعلنت ولاية برقة (ليبيا) مبايعتها، من المحتمل أن تظهر بعض الخلايا في الجزائر أو المغرب في صور استعراضية لإعلان البيعة، لكن في الحقيقة يقوم هذان البلدان بعمل مهم في مجال مكافحة الإرهاب، وهو ما يعني أنه من الصعب جداً تأسيس مجموعة مستقرة.
وترك مصطفى ست مريم في المركز الرابع أفريقيا الجنوبية التي أسماها: بقية العالم الإسلامي، من الواضح أنه كتب استراتيجيته هذه في تسعينيات القرن الماضي، ومنذ ذلك التاريخ لا شك أن بعض المصالح قد تغيرت خاصة بالنسبة لداعش.
وكانت استراتيجية القاعدة هي السيطرة على النصف الجنوبي من أفريقيا، لكن ظهور خلافة داعش في عام 2014 جعل البغدادي يُدرك أن مصلحته تكمن في التمدد بولاياته من موزمبيق (لأنه لم يستطع فعل ذلك من الصومال) إلى الغرب في أفريقيا، أولاً في نيجيريا ثم في بوركينا فاسو، النيجر ومالي.
وتُعبّر إعلانات الولاء في المنطقة عن أهمية داعش في الصومال والكونغو (ولاية الدولة الإسلامية في وسط أفريقيا)، من خلال الإعلان الذي جاء في الثالث من نوفمبر الجاري. وبعدها بأيام، في السابع من نوفمبر، أعلن البيعة بعض عناصر ولاية نيجيريا التابعة لتنظيم الدولة الإسلامية في غرب أفريقيا أو وسطها في ولاية الدولة الإسلامية في وسط أفريقيا. ففي الثامن من نوفمبر الجاري أعلنت ولاية غرب أفريقيا في بوركينا فاسو ومالي عن مبايعتها، وهي الولاية التي تتبع تنظيم الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى الذي يتزعمه عدنان أبوالوليد الصحراوي. أما البيعتان الأكثر أهمية فقد كانتا بيعة ولاية الدولة الإسلامية في غرب أفريقيا (بوكو حرام) في نيجيريا والنيجر وولاية الدولة الإسلامية الصحراء الكبرى في كل من بوركينا فاسو ومالي؛ لأن صلاته السابقة بتنظيم القاعدة تركت الباب مفتوحاً لعودة محتملة لقوات داعش في غرب أفريقيا إلى القاعدة، الأمر الذي كان من شأنه أن يُغيّر المشهد في غرب أفريقيا بشكلٍ كاملٍ.
وعلى الرغم من أن الزعيم الجديد لداعش لا يزال متخفياً ولم يدلِ بأي تصريح علني عن نواياه، إلا أنه تمكن من إقناع قادة ولاياته الوازنة والمؤثرة كولاية غرب أفريقيا (على الرغم من وجود مجموعتين)، اليمن، باكستان أو أفغانستان من بين ولايات أخرى، مما يوحي أننا نواجه عدواً يمتلك قدرة كبيرة للحفاظ على جسمه متماسكاً.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة