لجوء أردوغان كعادته لخطابٍ ديني متشدد ليس إلا هروباً من الواقع، ففي الداخل تواجه بلاده أزمة اقتصادية متفاقمة
يقدّم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان نفسه كزعيمٍ للمسلمين حول العالم، منذ نحر البروفيسور الفرنسي على يد المتطرّف الشيشاني في ضواحي العاصمة الفرنسية باريس قبل أكثر من أسبوعين، وعلى أثر ذلك قام موالوه بأوامر من الاستخبارات التركية بحملة على مواقع التواصل الاجتماعي لمقاطعة المنتجات الفرنسية، وذلك للتغطية على مقاطعة البضائع والمواد التركية في العالم العربي والتي تتواصل منذ أسابيع في المملكة العربية السعودية وتونس والعراق.
إن لجوء أردوغان كعادته لخطابٍ ديني متشدد ليس إلا هروباً من الواقع، ففي الداخل تواجه بلاده أزمة اقتصادية متفاقمة ساهمت في تراجع شعبيته بعد تدهور الليرة وتجاوز سعر صرفها أكثر من 8 ليرات مقابل الدولار الأمريكي الواحد. وتزامنت هذه الأزمة مع ازدياد كبير في معدّلات البطالة، فبات يعيش الملايين من السكان من دون عمل، وتضاعفت أعدادهم في الأشهر الأخيرة مع تفشي فيروس كورونا المستجد في تركيا.
ويحاول الرئيس التركي من خلال هذه الحملة إشغال مواطنيه وأنصاره بمعارك وهمية مع الخارج، كما يفعل حالياً مع فرنسا ورئيسها إيمانويل ماكرون. وفي الوقت عينه يسعى لإظهار نفسه كزعيمٍ مدافع عن المسلمين، ولهذا السبب توجّه بكلامٍ "بذيء" بحق ماكرون، وهو ما رفضه قصر الإليزيه جملةً وتفصيلاً.
وقد تعمّد أردوغان إشعال هذه الحرب ليس دفاعاً عن الإسلام كما يدعي، وإنما للضغط على أوروبا والمطالبة بالثروات النفطية في منطقة شرق البحر المتوسط مقابل وقف هذه الحملة المشبوهة، وذلك في ردّ مباشر على الرئيس الفرنسي الذي يقف إلى جانب اليونان وقبرص ضد تركيا.
واللافت أن أردوغان استغل حادثة مقتل البروفيسور الفرنسي على يد المتشدد الشيشاني، للنيل أولاً من ماكرون وتقدّيم نفسه كزعيمٍ إسلامي، ومن ثم لمساومة الحادثة بعد استثمارها إعلامياً، على مشاريع اقتصادية كما فعل سابقاً في سوريا والعراق والصين وليبيا وغيرها من الدول. وما مقاطعة المنتجات الفرنسية سوى دعاية كاذبة تروّج لها وسائل الإعلام المؤيدة لحكومة أنقرة لحشد أنصار أردوغان وتجييشهم ضد الغرب وربما استخدامهم لاحقاً.
وعلى الأرجح لم ينجح أردوغان حتى الآن في تسجيل نقاطٍ على خصومه الغربيين والعرب، رغم أنه حاول إظهار نفسه كالحريص الوحيد على الإسلام، فباريس على سبيل المثال تتمسك بحرّية التعبير مهما كان شكلها، ولم تستهدف المسلمين في خطابها الإعلامي وإنما المتطرّفين منهم، وكذلك رفضت دول عربية بينها المملكة العربية السعودية أي إساءة للإسلام. لكن ما يفعله أردوغان هو دفاع عن التشدد الديني الذي يمثله الشيشاني، قاتل البروفيسور الفرنسي، وهو بهذه الطريقة يهدد فرنسا ضمنياً بوجود الآلاف من أمثاله قد يحرّكهم في أي لحظة إن لم تمنحه باريس حصة في موارد شرق المتوسط النفطية. إضافة إلى أن السفير التركي لم يقدّم التعازي لباريس إلا بعد مرور أكثر من أسبوع من مقتل البروفيسور، وهذه إشارة أخرى على موافقة أنقرة ضمنياً على مقتله.
وبالتالي، تركيا ورئيسها يمثّلان اليوم التشدد الديني والتطرّف وقتل الآخر، ناهيك باستخدام مثل هذه الحوادث الإرهابية لتحقيق أهدافٍ اقتصادية، كما يفعل أردوغان منذ أسابيع من خلال التحريض على فرنسا لإرغامها على منحه حصة من غاز المتوسط، ولكن يبدو أنه لن ينال ما يريد ولن يخضع له ماكرون، حيث جاء الردّ الأربعاء الماضي، بطريقة غير مباشرة من خلال رسم كاريكاتيري ساخر من سياسة أردوغان المزدوجة في مجلة "شارلي إيبدو" حمل الكثير من الانتقادات القاسية التي تظهر نظرة الغرب للرئيس التركي، وبأنه لا يدافع عن الإسلام أبداً وإنما عن مصالحه دائماً.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة