سواء وصل بايدن إلى البيت الأبيض أو بقي ترامب ساكنه، فإن الإدارة الأمريكية لن تقبل في المرحلة المقبلة باستمرار أردوغان في سياسته القديمة
يضبط رجب طيب أردوغان ساعته السياسية على وقع الانتخابات الرئاسية الأمريكية، وبغض النظر إن كان الفائز، دونالد ترامب أو جو بايدن، فإن أردوغان سيجد نفسه أمام امتحان هو الأصعب له على صعيد السياسة الخارجية التركية، إذ يدرك جيدا أن سياسة بايدن لن تختلف عن سياسة ترامب تجاه نظامه ومغامراته الكثيرة، لأنه يدرك في العمق أن لكل من ترامب وبايدن علاقات ممتازة بالعديد من اللوبيات المعارضة للسياسة التركية في الداخل الأمريكي، ولاسيما اللوبي الأرمني حيث دعوتهم إلى الاعتراف بالإبادة الأرمنية، فضلا عن مواقفهما الداعمة للأكراد في سوريا، وانتقادهما للعدوان التركي ضدهم، وهو ماسيضع أردوغان في أصعب امتحان على صعيد العلاقة المستقبلية مع الولايات المتحدة الأمريكية.
ما سبق لا يعني أن خيارات أردوغان ستكون سهلة إذا فاز ترامب، فالعلاقة الأمريكية – التركية وصلت إلى نقطة حرجة، وحجم الخلافات بينهما تتفاقم يوما بعد أخر، فمن التدخل العسكري التركي في القوقاز، إلى شراء تركيا المنظومية الصاورخية الروسية إس -400، مرورا بالخرق التركي المستمر للعقوبات الأمريكية المفروضة على إيران، وصولا إلى التصعيد التركي في المتوسط ضد اليونان وقبرص.. كلها باتت قضايا، توتر العلاقة بين واشنطن وأنقرة، وتدفع بترامب إن فاز إلى الضغط على أردوغان لحسم هذه الملفات، وتحديد خيارات السياسة التركية الخارجية بشكل واضح، على نحو، هل ستبقى تركيا حليفة ملتزمة بالسياسات الأمريكية أو أنها ستنفك عنها، وتواصل التقارب مع روسيا وإيران؟ من دون شك، الجواب عن هذا السؤال، يضع أردوغان أمام حسابات صعبة ودقيقة، وهي حسابات تتعلق بكيفية التأقلم بين التوافق مع مقتضيات السياسة الأمريكية والاستمرار في نهج المغامرة المتناقض معها، فعلى مستوى المنطقة، وهل أردوغان مستعد لخسارة حليفه القطري أو معارضة الاستراتيجية الأمريكية في نشر السلام في المنطقة؟ من دون شك، إن فعل ذلك سيخسر الكثير الكثير، وإن لم يفعل ذلك، فيسصبح مشكوفا أمام الجميع، في الداخل التركي، كما أمام جماعات الإسلام السياسي وتحديدا جماعات الإخوان المسلمين التي ربطت مصيرها به، حيث استخدمهم أردوغان لتحقيق أجندته التوسعية تجاه العالم العربي.
وعلى المستوى الدولي ، يعرف الرئيس ترامب أنه صبر طويلا على أردوغان، وأنه جمد العديد من مشاريع قرارات خاصة بفرض عقوبات على تركيا في الكونغرس، ولاسيما بعد اختبارها للمنظومة الصاروخية إس – 400، وقصارى القول هنا، سواء وصل بايدن إلى البيت الأبيض أو بقي ترامب ساكنه، فإن الإدارة الأمريكية لن تقبل في المرحلة المقبلة باستمرار أردوغان في سياسته القديمة، فالمطلوب منه أمريكيا انتهاج سياسة تتوافق مع الاستراتيجية الأمريكية تجاه تركيا، انطلاقا من التحالف الذي نشأ بينهما عقب الحرب العالمية الثانية، ولعل هذه السياسة الأمريكية الجديدة ستكلف أردوغان أثمانا باهظة، لطالما أنها ستشكل ضربة قوية لتقاربه مع روسيا بوتين، ولن يتأخر الأخير في تلقينه دروسا قاسية، ولاسيما في سوريا والقوقاز وليبيا، حيث يحاول أردوغان التنافس على هذه المناطق مع روسيا، والتأثير على دورها، سواء لأسباب خاصة تتعلق بمشروعه الإقليمي التوسعي، أو في إطار إرسال رسائل للإدارة الأمريكية بأنه مستعد للقيام بأدوار في مواجهة النفوذ الروسي، وما تصريحاته الحادة ضد الدور الروسي في أوكرانيا، وإعلان دعمه المفتوح للأخيرة خلال لقائه بالرئيس الأوكراني قبل نحو أسبوعين .. إلا تعبير عن نية لديه باستعداده للاستجابة لمقتضيات السياسة التي ستنتجهها الإدارة الأمريكية الجديدة، وما إصراره على إرسال رسائل "غزل" إلى القيادة المصرية إلا تأكيد على استعداده لتجميد دعمه للإخوان إذا وافقت القيادة المصرية على الدخول معه في تفاهمات بشأن المتوسط وسوريا وليبيا، وهو ما تدركه القيادة المصرية جيدا، وتعرف أن ذلك ليس تعبيرا إلا عن أزمة السياسة التركية، التي أغرقها أردوغان في تناقضات وأزمات ومشكلات لا تنتهي، وأن رسائله ليست سوى مناورة سياسة للحد من الأعباء الناتجة عنها وقد وصلت إلى طريق مسدود في كل الاتجاهات.
في الواقع، سواء أكان الفائز ترامب أو بايدن، فإن أردوغان سيجد نفسه أمام امتحان هو الأصعب لسياسته الخارجية، فهو لا يستطيع الانفكاك عن الغرب لأسباب استراتيجية وعسكرية وتنظيمية واقتصادية كثيرة، كما أنه يدرك جيدا أن ثمن العودة إلى الدور الوظيفي للأطلسي في مواجهة روسيا سيكون مكلفا كثيرا له، فاللعب مع القيصر في ساحات مثل القوقاز، وإرسال المزتزقة للقتال هناك لن يمر مرور الكرام، وما القصف الروسي الأخير، لتجمع كبير لفيلق الشام الذي يعد الجناح العسكري للإخوان المسلمين في سوريا إلا رسالة روسية مباشرة لأردوغان قبل كل شيء. في الختام، يمكن القول إن مشهد السياسة الخارجية التركية، يوحي باستحقاقين مهمين. الأول: أن رقصة البهلوان التي اتبعها أردوغان بين موسكو وواشنطن لم تعد ممكنة في المرحلة المقبلة. الثاني: أن الإدارة الأمريكية الجديدة، سواء أكانت بقيادة ترامب أو بايدن، ستنتهج سياسة جديدة تجاه أردوغان، تقوم على الحزم والحسم بدلا من التأرجح. استحقاقان سيضعان أردوغان أمام الحقيقة المرة التي صنعتها سياساته المدمرة، وأحلامه التوسعية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة