الأنوار مضاءة.. هل يدمر أردوغان ما تبقى من استقلال القضاء؟
لا تزال أصداء نشر القاضي بالمحكمة الدستورية التركية صورة للمحكمة على "تويتر" تظهر عددا من غرفها مضاءة ليلا مستمرة حتى الآن.
في ليلة ١٣ أكتوبر/تشرين الأول الجاري، نشر القاضي في المحكمة الدستورية التركية، إنجين يلدريم، صورة للمحكمة على "تويتر" تظهر عددا من غرفها مضاءة ليلا، وكتب "الأضواء مشتعلة".
وسرعان ما فهم النظام الرسالة، وغردت وزارة الداخلية على تويتر: "أضواؤنا لا تنطفئ أبدًا"، فيما بدا إعلان حرب ضد المحكمة الدستورية، وفق تقرير للقناة الأولى بالتلفزيون الألماني "إيه أر دي".
وكانت تغريدة القاضي يلدريم إسقاطا على الانقلابات العسكرية التي قام بها الجيش التركي في عامي 1960 و 1971.
فقبل الانقلابين، كانت الأضواء مضاءة في بعض غرف هيئة الأركان العامة ليلا، ما كان في وقته إشارة لشيء كبير يجري الإعداد له. ومع مرور السنوات، أصبح المبنى الحكومي المضاء ليلا رمزا للتحركات ضد الحكومات في تركيا.
ووفق القناة الألمانية، فإن القاضي يلدريم كان بالتأكيد على دراية بالأهمية التاريخية لتغريدته التي كانت مشفوعة بصورة، إذ كانت تشير بوضوح إلى أن المحكمة الدستورية "لا تزال مركز السلطة والثقل في الدولة التركية" ويمكنها التحرك ضد السلطة التنفيذية.
وبعد تغريدة وزارة الداخلية، شعر يلدريم بأنه مضطر للتغريد مرة أخرى. هذه المرة كتب أنه لم يقصد أي شيء "غير ديمقراطي" في رسالته الأولى، وأنه "لم يكن يريد بأي حال من الأحوال أن يقترح التحضير لانقلاب".
لكن الضغط كان كبيرا عليه؛ ففي اليوم التالي، نشرت العديد من البرامج الإخبارية، التغريدات وردود الفعل القاسية أحيانًا من السياسيين من حزب العدالة والتنمية، ما بدا وكأنه محاولة لهز الأرض تحت أقدام أكبر محكمة في البلاد، وفق "إيه آر دي".
وقبل أيام قليلة من نشر القاضي في المحكمة الدستورية رسالته المختصرة، تجاهلت الغرفة الجنائية الرابعة عشرة لمحكمة هيئة المحلفين في إسطنبول، مرة أخرى حكمًا أصدرته المحكمة الدستورية العليا.
ففي 17 سبتمبر/أيلول، رفضت الغرفة الجنائية الرابعة عشرة، إعادة فتح قضية ضد السياسي المعارض أنيس بربر أوغلو، رغم موافقة المحكمة الدستورية على فتح القضية، في مخالفة واضحة للقانون.
وكان النائب عن حزب الشعب الجمهوري بربر أوغلو، حكم بالسجن بتهمة الخيانة في عام 2017، بعد اتهامه بتزويد الصحفي جان دوندار بتسجيلات فيديو تظهر تسليم أسلحة للمتمردين السوريين.
والمفارقة أن أكين غورليك كان القاضي الذي أصدر القرار المخالف لحكم المحكمة الدستورية في ١٧ سبتمبر / أيلول الماضي، وهو القاضي نفسه الذي جرى تعيينه مرارا وتكرارا كقاض في محاكمات ذات خلفية سياسية.
وكان غورليك رئيسًا للمحكمة في محاكمات ضد الصحفي جان دوندار، الموجود حاليًا في المنفى في ألمانيا، وضد الرئيس السابق لحزب الشعوب الديمقراطي المعارض الموالي للأكراد صلاح الدين دميرتاش، المسجون منذ سنوات، وضد جنان كفتانجي أوغلو، المسؤولة في حزب الشعب الجمهوري التركي؛ أكبر حزب معارض.
ويقول المحامي وأستاذ القانون في إسطنبول محمد كوكسال في تصريحات للقناة الألمانية "القاضي الذي لا ينفذ حكم المحكمة الدستورية يجب أن يتم ملاحقته قضائيا، لأن أحكام المحكمة الدستورية نهائية".
لكن على ما يبدو، لا أحد يتحرك لاتخاذ إجراء قانوني ضد غورليك، لأنه يتمتع بحماية النظام ويهدر أحكام الدستورية عن عمد.
بل أن دولت بهجلي، رئيس حزب الحركة القومية المتطرف، الشريك مع حزب العدالة والتنمية في الائتلاف الحاكم، يطالب صراحة بضرورة تكييف المحكمة الدستورية مع النظام الرئاسي، في اشارة إلى إجراءات منتظرة تنتقص من استقلالية المحكمة الأكبر في تركيا.
وفي الواقع، كان القضاء التركي في أزمة منذ سنوات، مع تزايد القضايا السياسية وتورط القضاة كثيرا في محاكمات تنتهك حقوق المعارضين السياسيين والصحفيين. لكن الحملة الحالية ضد الدستورية تسقط ورقة التوت عن ما تبقى من استقلالية للسلطة القضائية في تركيا التي تآكلت فيها الديمقراطية في ظل حكم أردوغان، وفق القناة الألمانية.
الأمر لا يتوقف عند ذلك، إذ شن الناشطون والإعلاميون الأتراك المقربون من الحكومة التركية، حملة شرسة ضد إنجين يلدريم، مما اعتبرته المعارضة ترتيبًا من أردوغان للسيطرة على المحكمة الدستورية.
ودعا المنتقدون ومسؤولو حزب العدالة والتنمية إلى استقالة يلدريم، قبل سنتين من نهاية فترة ولايته.
وفي حالة استقالة يلدريم، فسيتعين على المحكمة استبداله بتقديم ثلاثة مرشحين لأردوغان للاختيار من بينهم.
بالإضافة إلى ذلك، سيعين أردوغان بديلا لعضو آخر في المحكمة الدستورية، ستنتهي ولايته في يناير / كانون الثاني المقبل، هذا بخلاف الأعضاء الستة الذين عينهم أردوغان بعد توليه الرئاسة، وكان أبرزهم يلديز سفرين أوغلو النائب السابق بحزب العدالة والتنمية الحاكم مما يعني زيادة عدد الموالين للحكومة في أعلى محكمة بالبلاد، وفقا لموقع "تي ٢٤" التركي الإخباري.
وتعرضت المحكمة الدستورية في الفترة الأخيرة لهجوم أيضا من وزير الداخلية سليمان صويلو، بسبب قرارات صادرة عنها.
وهاجم صويلو، الشهر الماضي، رئيس المحكمة الدستورية، زوهتو أرسلان، بشأن قرار المحكمة الدستورية العليا إلغاء بند في قانون المظاهرات والاجتماعات العامة ينص على أنه "لا يمكن تنظيم المظاهرات والمسيرات على الطرق السريعة بين المدن".
وقال وزير الداخلية في خطابه الموجه إلى رئيس المحكمة الدستورية العليا "تعرف المحكمة الدستورية أي نوع من المشاكل سيخلقها هذا القرار، الذي لم يتم الكشف عن أسبابه التفصيلية بعد، نحن نواجه قضية مثيرة للاهتمام جداً، لا أفهم حقاً إلى أين تحاول المحكمة الدستورية نقل هذا البلد".
تصريحات صويلو أثارت استياء كبيراً بين أوساط المعارضة، بسبب هجومه على أعلى سلطة قضائية في البلاد.
وانتقد النائب عن حزب الشعب الجمهوري، محمود تنال، تصريحات صويلو، قائلاً إن "الوزير ارتكب جريمة دستورية، وفقاً للمادة 138 من الدستور".
وقال تانال إن "تصريحات صويلو هي رسالة ترهيب من الحكومة إلى القضاء.. السلطة التنفيذية تحاول إخضاع القضاء".
والأسبوع الماضي، أجاب أردوغان نفسه على سؤال حول إعادة هيكلة محتملة للمحكمة الدستورية بقوله "إن شاء الله"، ما يفتح الباب أمام تحركات منتظرة للنظام لاحكام السيطرة على المحكمة وتقويض ما تبقى من القضاء المستقل في تركيا، وفق القناة الألمانية.
aXA6IDMuMTM2LjI1LjI0OSA= جزيرة ام اند امز