الضحية الأكبر لسياسات أردوغان هم الشعب التركي، والذي يعاني الأمرين داخليا من اقتصاد متراجع بحدة، وحتى خارج حدود دولته
أرقام وإحصائيات وبيانات مخيفة، وأزمات سياسية واقتصادية تعصف بالدولة التركية، تهدد كيانها وتهز أركانها بكل قوة، هي ناتج طبيعي لسياسات متخبطة وطرق ملتوية لإدارة الدولة في تركيا، ونتيجة منطقية لواقع يفرضه تعنت وعنجهية من هو على رأس السلطة في الحزب الحاكم والدولة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، فيعاني الاقتصاد التركي خسائر وصعوبات متتالية تظهر نتائجها بوضوح على الحالة المعيشية للشعب التركي، وحزب العدالة والتنمية الحاكم الذي تأسس عام ٢٠٠١ أخَذَ يُفرغُ من قياداته والمؤسسين الفاعلين فيه ممن كان لهم في أعوامه الأولى الفضل في بناء نهضة تركيا، التي تعاني اليوم جراء طيش سياسات الرئيس التركي.
الضحية الأكبر لسياسات أردوغان هم الشعب التركي، والذي يعاني الأمرين داخليا من اقتصاد متراجع بحدة وحتى خارج حدود دولته، فتركيا تواجه هذه الفترة أزمة اقتصادية غير مسبوقة طفت على السطح وتتالت مؤدية لخسارة الليرة التركية ما يزيد على ثلث قيمتها منذ عام من الآن
يخسر الرئيس التركي يوما بعد يوم حاضنته الشعبية ومحيطه الذي لطالما ادعى أن فضل وجوده على رأس السدة الحاكمة يعود إليهم، ولن تكون نتيجة آخر تجربة انتخابية له في عقر داره إسطنبول وحدها دليل انحسار شعبيته، بل نحن اليوم نتحدث عن مكان يعد مطبخ العمليات السياسية والقرارات الاقتصادية للرئاسة التركية، متمثلا بحزب العدالة والتنمية الحاكم، الذي خسر بدوره الكثير من مؤيديه، وحسب تصريحات تلفزيونية لمسؤولة بارزة في الحزب أن إجمالي من تقدموا باستقالاتهم وصل إلى 770 ألفا، نتيجة سخطهم من سياسات أردوغان التي أثقلت كاهل الشعب والدولة التركية.
الضحية الأكبر لسياسات أردوغان هم الشعب التركي، والذي يعاني الأمرين داخليا من اقتصاد متراجع بحدة وحتى خارج حدود دولته، فتركيا تواجه هذه الفترة أزمة اقتصادية غير مسبوقة طفت على السطح وتتالت مؤدية لخسارة الليرة التركية ما يزيد على ثلث قيمتها منذ عام من الآن، ومعدلات التضخم بلغت ١٩.٥% بينما تخطى حاجز البطالة ١٤%، أما رصيد الديون الخارجية فيعد من بين أبرز التحديات التي تواجه الاقتصاد، بسبب انخفاض نسبة الودائع بالعملات الأجنبية في البنوك التركية، وازداد إجمالي الدين الخارجي بشكل تدريجي على مدار السنوات السبع الماضية، ليتخطى في بعض الإحصاءات حاجز الـ50% من إجمالي الناتج المحلي.
ودوليا تواجه تركيا سلسلة من الضغوطات الهائلة، مع ظهور أدلة وبراهين توثق تورط النظام التركي في زعزعة أمن واستقرار دول المنطقة، عبر إيواء ودعم الجماعات التي تصنف عالميا إرهابية، واحتضان قيادات وأعضاء أخطر التنظيمات الإرهابية المتطرفة، إضافة إلى الأدلة التي قدمتها واشنطن مؤخرا حول الدور التركي في تسهيل مرور وإقامة إرهابيي داعش في سوريا والعراق، والأدوار التخريبية المفضوحة في ليبيا والقرن الأفريقي، ولعل أبرز نتائج هذه السياسات تعليق مفاوضات الانضمام للاتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى تعميق الخلاف مع واشنطن بعد شراء تركيا منظومة "إس ٤٠٠" الروسية، ناهيك عن توسيع الهوة والشرخ بين تركيا ومحيطها العربي.
وعلى صعيد متصل وفي خط موازٍ لنبض الشارع التركي، فقد ترجم عدد من كبار قادة ومؤسسي حزب العدالة والتنمية سأمهم من توجهات أردوغان الاستبدادية والفردية للسلطة وتحقيق مصالحه الشخصية عبر تقديم استقالاتهم، خاصة بعد إقالة أحمد داود أوغلو في مايو ٢٠١٦، التي جاءت بعد تعبيره عن الاستياء جراء التعديلات الدستورية التي جرت في أبريل ٢٠١٧، والتي أعطت الرئيس صلاحيات مطلقة في وقت كان يتباهى فيه الحزب وقياداته بأجواء الديمقراطية التي قدمها للشعب التركي، فتبعته استقالات متتالية لعدد من القادة المؤسسين للحزب، ممن يعدون أعمدة رئيسية في تجربة النهضة التركية الحديثة.
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يحاول جاهدا إخفاء ما يمكنه إخفاؤه، والحد من انتشار الصورة السلبية الحقيقية التي قاد بلاده وشعبه إليها، عبر قرارات وإجراءات لا يمكن أن نطلق عليها إلا "ترقيعا"، متناسيا أن حجة "الانقلاب" الفاشل أصبحت أسطوانة مشروخة، ملّ شعبُه قبل العالم من تكرارها واتخاذها أداة لتحقيق مصالح وصفها المغادرون من حزبه بالآنية والأنانية والضيقة، متناسيا أن خسائره المتتالية ما هي إلا نتيجة محتمة لاحتضان إرهابيي العالم وجعل بلاده منبرا ومنصة لمهاجمة دول الجوار العربية، وهو الذي تتهاوى أحلام "خلافته" اليوم وتتحطم على صخرة الواقع الذي تعيشه المنطقة ويحيط بالعالم حوله.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة