تلقى الرئيس التركي عدة صفعات بدأت بمحاولة الانقلاب التي اتهم بتدبيرها الداعية الإسلامي غولن المقيم في الولايات المتحدة
في التاريخ القديم دروس كثيرة عن حكام ورثوا أمجاداً وثروات وقيما، أضاعوها بسبب الطمع والغرور، وعن سياسات جلبت الويلات على الشعوب والدول بعد أن كانت تعيش حياة الرخاء والسلام والمحبة.
أما في التاريخ الحديث فهناك أمثلة كثيرة تمثل هذه الحالة الشاذة لكنها أكثرها وضوحاً وسوءاً تلك التجربة التي تعيشها تركيا في عهد الرئيس رجب طيب أردوغان؛ نظراً لأضرارها الفادحة على الشعب التركي، وامتداد أخطارها إلى دول الجوار أولاً والمنطقة بأسرها ثانيا، فقد وصل أردوغان إلى الحكم حاملاً آمالاً كبيرة على مختلف الأصعدة في دولة كبرى لها نفوذ، وتملك قوة عسكرية وبشرية وثروات وطبيعة ساحرة، وبدأ عمله بدعم شعبي سهّل مهمته في تحقيق إنجازات كبيرة على الصعيد الاقتصادي والمالي والسياحي، بدعم من الدول العربية ولاسيما المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة ودول الخليج، ودول عربية أخرى بينها سوريا.
بلغ العداء ذروته بالتدخل السافر في ليبيا، وأخْذ طرف بالحرب الناشبة فيها، أما الشعار الفلسطيني فقد تهاوى لعدة أسباب؛ من بينها إعادة العلاقات الودية مع إسرائيل، وتبادل الوقود والمشاركة في تقسيم الصف الفلسطيني بدعم حركة حماس التي تسيطر على قطاع غزة.
كانت البداية مبشرة بالخير وسط الوعود البراقة التي أطلقها وأعلنها للملأ أنه سيعمل على تعزيز قوة تركيا والتخلص من الأعباء، وصولاً إلى ما أطلق عليه وصف "صفر مشاكل"، وحمل أردوغان راية فلسطين مرفقا بحملة إعلامية تروج له وتشيد باعتدال نهجه الإسلامي على رأس حزبه الحاكم (العدالة والتنمية).
واكتملت المسرحية عندما استغل أردوغان فرصة وجوده على منصة واحدة مع رئيس وزراء إسرائيل شمعون بيريز ليطلق تصريحات شعبوية بانفعال شديد جذب الجماهير العربية التي صفقت له ودعت للامتثال به في تعامله مع الكيان الصهيوني.
وكانت تركيا دولة فاعلة كعضو في حلف شمال الأطلسي "الناتو"، وتقيم علاقات وثيقة مع دول العالم ولاسيما الولايات المتحدة، وبالفعل صفق الأتراك لأردوغان وفرح العرب به، وبدأ الغرب يروج لطرحه لدرجة أن الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما قدم خلال زيارته الشهيرة لمصر في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك صيغة كانت تعمل عليها الولايات المتحدة لتطبيقها في الدول العربية، على أساس إقامة نظام علماني وحكومة إسلامية معتدلة بزعم قدرتها على مواجهة التطرف والإرهاب، ودارت الأيام واختلطت الأوراق "وذاب الثلج وبان المرج " وسقط القناع عن وجه أردوغان وسياسته ما أدى إلى تحول نظرية "صفر مشاكل" إلى صفر سياسة على مختلف الأصعدة، وبدأت الأزمات والمشاكل تتراكم لتنقلب الآية ويضيّع الرئيس التركي كل ما تحقق بعد أن ضربه الغرور وراح يبحث عن المجد بإحياء الإمبراطورية العثمانية أو ما يسمى بالخلافة الإسلامية بعد تحويل النظام من جمهوري برلماني إلى رئاسي يكون هو فيه الحاكم الأوحد.
ويوماً بعد يوم بدأت الاحلام تتهاوى وتظهر على السطح دلائل الارتباك والضعف، وبدأ الحلفاء والشركاء يبتعدون عنه الواحد تلو الآخر، وكان آخرهم أحمد داود أوغلو رئيس الوزراء ووزير الخارجية السابق والمنظر لسياسته وحامل شعار "صفر مشاكل".
وتلقى الرئيس التركي عدة صفعات بدأت بمحاولة الانقلاب التي اتهم بتدبيرها الداعية الإسلامي غولين المقيم في الولايات المتحدة وكاد الهيكل ان يتداعى لولا تمكنه من قمعه واعتقال وقتل عشرات الآلاف من الضباط والجنود والسياسيين وكبار الموظفين، وتبع ذلك اشتعال الحرب مع الأكراد والسيطرة على مناطق سورية. وجاءت صفقة الانتخابات المحلية عند فوز مرشح المعارضة عن بلدية إسطنبول إمام أوغلو لتفقده توازنه عندها فشل بإلغاء النتائج وأكمل بالدعوة لانتخابات مبكرة.
وهكذا تراكمت المشاكل، فالاقتصاد بدأ يتجه نحو انهيار، والليرة التركية تفقد قيمتها والمعارضة تكثف نشاطها وأوغلو شكّل حزبا معارضاً "المستقبل" لينافسه في الانتخابات وتوترت العلاقات مع اوروبا بعد أن كان يسعى للانضمام للاتحاد الأوروبي، وساءت العلاقات مع الحليفة الكبرى الولايات المتحدة لدرجة العداء، حاول تعويضها بإقامة علاقات غير ثابتة مع روسيا وإيران، وتهاوى بنيان الحلم بالسيطرة على الدول العربية بشعارات إسلامية تبين زيفها بعد دعمه للمنظمات المتطرفة والإخوان المسلمين، ما أدى إلى توتر علاقات تركيا مع الدول العربية على مراحل، وسوريا بسبب دعمه للمعارضة والمتطرفين بالذات، ومصر بسبب دعمه لنظام الإخوان المسلمين وتعامله مع المعارضة ضد النظام المصري، وساءت العلاقة مع دول الخليج باستثناء قطر.
وبلغ العداء ذروته بالتدخل السافر في ليبيا وأخذ طرف بالحرب الناشبة فيها. أما الشعار الفلسطيني فقد تهاوى لعدة أسباب؛ من بينها إعادة العلاقات الودية مع إسرائيل، وتبادل الوقود، والمشاركة في تقسيم الصف الفلسطيني بدعم حركة حماس التي تسيطر على قطاع غزة، بدلاً من سعيه لإجراء المصالحة الفلسطينية وتوحيد الصفوف لمواجهة إسرائيل.
ضاعت الأحلام، وتلاشت آمال العرب بعلاقات أخوية مع الجارة تركيا، وانكشفت حقيقة المطامع في الأراضي العربية ولاسيما سوريا والعراق، وهي قديمة أكدها لي الرئيس التركي الأسبق تورغوت أوزال في مقابلة أجريتها معه عندما قال: إن حلب السورية والموصل العراقية وجوارهما أرض تركية سلبت منها ظلماً، وهذا ما يحاول أردوغان تحقيقه هذه الأيام، وتحول الصفر إلى رقم واحد مرفقا بعشرات الأصفار تحت الصفر.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة