تركيا.. حرب ترحيل اللاجئين السوريين "١-٢"
أزمة اللاجئين السوريين في تركيا مرشحة للتفاقم مع تصاعد الدعوات العنصرية ضدهم على مواقع التواصل الاجتماعي أو عبر الخطاب السياسي الرسمي
تمارس تركيا في الآونة الأخيرة ضغوطات وتضييقاً على اللاجئين السوريين، وتقوم باعتقال الآلاف منهم، بذرائع مختلفة، وتبدو أزمة اللاجئين السوريين في تركيا مرشحة للتفاقم والتعقيد.
وكشف عن ذلك تصاعد الاحتقان ضدهم، وتزايد الدعوات لإعادة اللاجئين إلى أراضيهم، وقد بدأت هذه الحملات بصورة كبيرة على شبكات التواصل الاجتماعي، ثم انتقلت إلى الشارع التركي بالتوازي مع خطاب إعلامي بات يرى في اللاجئين تهديدا أمنيا وعبئا اقتصاديا.
وبلغ العنف ذروته مع استهداف عدة متاجر يملكها ويديرها سوريون في حي كوتشوك سيكميجي في غرب إسطنبول، وهو ما يثير مخاوف لسوريين من تصاعد التوترات وتفاقم مشاعر العنصرية تجاههم. وأفادت دراسة نشرتها جامعة قادر هاس في إسطنبول الأسبوع الماضي بأن نسبة الأتراك المستائين من وجود السوريين ارتفعت من 54,5% إلى 67,7% في 2019.
وسعت تركيا التي تستضيف أكثر من 3,6 مليون سوري، وهو أكبر عدد من النازحين السوريين بسبب الحرب الأهلية المستمرة منذ ثماني سنوات إلى استثمار أزمة اللاجئين للضغط على الاتحاد الأوروبي الذي عانى من تدفق اللاجئين، واستفادت تركيا من توقيع اتفاق مع الاتحاد في مارس/آذار 2016 يقضي بمنحها مساعدات بقيمة 6 مليارات يورو لمنع اللاجئين من محاولة الوصول إلى التكتل الأوروبي.
ورغم عوائد الاستثمار في أزمة اللاجئين السوريين فإن الوجود السوري في تركيا يخلو من أي تعريف قانوني، فأساس المشكلة في تركيا هو عدم وضوح الوضع القانوني للاجئين، وعدم وجود نص قانوني للجوء كما في أوروبا أو مظلة أممية كما في لبنان والأردن، فمفهوم الحماية المؤقتة في تركيا لحاملي "الكيملك" هو تهجين بين اللجوء والضيافة، وهو ما يترك اللاجئين في هامش واسع من تقلبات السياسة ومزاجية الموظفين وعناصر الشرطة.
وإذا كان الخطاب العاطفي تجاه اللاجئين السوريين لقي ترحيباً، إلا أن ممارسة مثل هذا الخطاب في السياسة دون خطوات عملية وإجراءات حقيقية أدى إلى افتقاد السياسة التركية مزيدا من مصداقيتها، خاصة أن تركيا اعتمدت مثل هذه السياسة طوال السنوات الماضية دون اتخاذ خطوات فعالة نحو حل معضلة اللاجئ السوري الذي ما زال يفتقد على الأراضي التركية تحديد نمط حياته؛ إما لاجئ وإما مقيم وإما عامل، وهو ما يعني أن السياسة التركية تبحث عن مداخل للمصلحة والنفوذ أكثر من الموقف الأخلاقي والسياسي.
إجراءات متشددة
كانت التوجهات والإجراءات التي اتخذتها الحكومة التركية، وبخاصة في المدن الكبرى، حيث يتركز اللاجئون السوريون كاشفة عن تنامي مشاعر الغضب من الوجود السوري في تركيا. وهذا بجانب حالة القلق التي تعتري المعارضة التركية التي تعتقد أنّ حكومة العدالة والتنمية لم تقم بإدارة قضية اللاجئين، بل قامت بإطلاقهم في الولايات دون أي ضابط في إطار سياسة الباب المفتوح التي تبناها الرئيس أردوغان.
وفي غضون ذلك، أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن حكومته ستتخذ خطوات جديدة تجاه السوريين في تركيا، تتضمن ٣ ملفات هي التشجيع على العودة وترحيل مرتكبي الجرائم واقتطاع الضرائب في المستشفيات ودور الرعاية الصحية. ومن جهته أعلن وزير الداخلية التركي سليمان صويلو في 13 يوليو/تموز الجاري أن مدينة إسطنبول "مغلقة الآن أمام السوريين"، وأن السلطات تتخذ إجراءات ضد المهاجرين غير الشرعيين.
ووصل التشديد الأمني إلى حد منع تحركات السوريين، وتفتيش معظم المحلات التجارية للبحث عن سوريين ليس لديهم تصريح عمل، فضلا عن حملات الإيقاف في الشوارع للسؤال عما إذا كان الشخص يحمل إقامة أو بطاقة حماية مؤقتة ومن أي مدينة صدرت.
ورغم أن تركيا أوقفت رسميا حملة الترحيل الواسعة التي أطلقتها الأسبوع الماضي بحق "المقيمين غير الشرعيين" في مدينة إسطنبول، لكن ذلك لم يوقف ترقب وقلق السوريين تحديداً لما ستحمله الأيام المقبلة من خطوات ضدهم، خصوصا أن تركيا رحلت ما يقرب من 300 ألف سوري إلى مناطق شمال سوريا منذ انطلاق عمليتي "درع الفرات" في عام 2017، و"غصن الزيتون" في عام 2018.
التحريض.. مؤشرات كاشفة
تستضيف تركيا ما يقرب من 3,5 مليون لاجئ وفقاً لتقديرات المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، يعيش القطاع الأكبر منهم في المناطق الحضرية، بينما يقيم الباقي منهم في 23 مخيما للاجئين في محافظات: هاتاي، وغازي عنتاب، وكيليس، وسانليورفا.
وأبدت تركيا ترحيباً في بدايات الأزمة بالسوريين الفارين من الحرب، ووصل الأمر إلى التوجه نحو إدماجهم في المجتمع التركي عبر تعليمهم اللغة التركية في المدارس، ومنحهم تصاريح العمل لدمجهم في سوق العمل، ومنح الجنسية التركية لعشرات الآلاف والأكثر ولاءً منهم للرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
غير أن هذه السياسة لم تستمر طويلاً، على الرغم من ارتفاع استثمارات السوريين في تركيا لما يزيد على 1,5 مليار دولار، وإنشاء ما يربو على 15 ألف شركة جديدة في تركيا، يعمل فيها نحو 100 ألف شخص، بحسب بيانات وزارة التجارة التركية.
وظهرت مؤشرات التحريض ضد اللاجئين السوريين في تركيا من خلال عدة مظاهر:
- التحريض على مواقع التواصل الاجتماعي: حيث انتشر هاشتاج في يوليو/تموز 2017 يطالب بإعادة السوريين إلى بلادهم، وتطور الأمر من الواقع الافتراضي إلى كتابة بعض العبارات المعادية تجاه اللاجئين على جدران الحوائط، وقد أدى هذا إلى تغذية مشاعر الكراهية للاجئين السوريين الذين تعرضوا وممتلكاتهم للعنف في المدن التركية، وبخاصة إسطنبول وأنقرة.
- الاشتباكات بين المواطنين واللاجئين: تصاعدت حوادث العنف بين المواطنين الأتراك واللاجئين السوريين، فعلى سبيل المثال شهد مطلع يوليو/تموز 2017 اشتباكات بين المواطنين الأتراك والسوريين اللاجئين في منطقة ينيماهال بأنقرة، ما أدى إلى إصابة شخص واحد على الأقل، وتضرر عدد من أماكن العمل التابعة للاجئين السوريين والتركمان العراقيين.
- توظيف ورقة اللاجئين في الاستقطاب السياسي: عمدت المعارضة في تركيا إلى توظيف ورقة اللاجئين السوريين ضد سياسات الرئيس رجب طيب أردوغان، وذلك بهدف إضعاف موقفه وكسب أصوات الناخبين الأتراك. وتعتقد المعارضة أن ملف اللاجئين السوريين ورقة رابحة لكسب ثقة الرأي العام التركي للضغط على حكومة العدالة والتنمية التي طالما فشلت في إدارته. وأدى نجاح المعارضة في استثمار ورقة اللاجئين التي باتت عاملاً ضاغطاً على اقتصاد البلاد واستقرارها المجتمعي إلى تعهد أردوغان وحزبه في كل استحقاق انتخابي شهدته البلاد طوال السنوات التي خلت بإعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم في أقرب وقت.
- تنامي العنف اللفظي والمادي: تصاعدت موجات العنف اللفظية والمادية ضد اللاجئين، مثل تكرار حوادث تحطيم واجهات المحال التجارية المملوكة لسوريين، ووصلت الخلافات بين الجانبين إلى حد استخدام الأسلحة البيضاء. فعلى سبيل المثال، شهدت منطقة كوتشوك شكمجة في مطلع يوليو/تموز 2019 اشتباكات بين السكان واللاجئين السوريين أسفرت عن تدمير عدد من المحلات والمطاعم المملوكة للسوريين، وهو ما اضطر الشرطة إلى استخدام الغاز المسيل للدموع ومدافع المياه لتفريق المهاجمين. وتمثل حوادث الاشتباكات بين السوريين والأتراك فرصة لتغذية مشاعر الكراهية ضد اللاجئين السوريين، والضغط على الحكومة لحث السوريين على العودة.
في المقابل، تكررت الأحداث المؤلمة في عدد كبير من المدن الجنوبية المتاخمة للحدود السورية كغازي عنتاب وشانلي أورفة في منطقة أسنيورت، حيث إن أصغر واقعة قضائية أو حادثة جزئية تكسب أبعادا اجتماعية خلال مدة قصيرة، ثم تتحول إلى عراك عنيف بين اللاجئين والسكان الأصليين.
- تغليظ الإجراءات الحكومية: أبدت السلطات التركية تشدداً في الفترة الأخيرة في منح تصاريح العمل، والتضييق على منح تراخيص الأنشطة التجارية، إضافة إلى حملات التفتيش على المنشآت السورية لضبط المخالف منها، وأيضا إعلان وزير الداخلية التركي مطلع يوليو/تموز 2019 توقف تسجيل السوريين في مدينة إسطنبول، التي بلغ عددهم فيها 546 ألفاً و296 سورياً في الوقت الراهن، ضمن قانون الحماية المؤقتة، "إلا في الحالات الاستثنائية".
ولم تكن هذه الإجراءات هي الأولى من نوعها، ففي يوليو/تموز 2018 أكدت "هيومان رايتس ووتش" أن السلطات التركية في إسطنبول و9 محافظات على الحدود السورية أو بالقرب منها توقفت عن تسجيل معظم طالبي اللجوء السوريين الذين وصلوا، ما أدى إلى عمليات ترحيل غير مشروعة، وإعادة قسرية إلى سوريا، والحرمان من الرعاية الصحية والتعليم. كما لجأت بلدية "غازي عنتاب" على خلفية حوادث عنف في نهاية عام 2018 بين أتراك ولاجئين سوريين إلى القيام بعملية ترحيل جماعي لأكثر من 7 آلاف من اللاجئين السوريين من المدينة إلى مخيمات اللجوء القريبة من الحدود السورية.
- تقييد نشاط وحركة اللاجئين السوريين: تبنى حزب العدالة والتنمية خطابا مغايرا ضد اللاجئين السوريين، حيث انتقل الخطاب بعيداً عن مفردات "الأخوة والجوار والمهاجرين"، إلى لغة جديدة كشف عنها خطاب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في قمة العشرين في مدينة لوساكا اليابانية في يونيو/حزيران 2019 عندما دعا دول القمة إلى ضرورة المساعدة في بناء مدن سكنية في مناطق آمنة شمالي سوريا بهدف إعادة اللاجئين السوريين إليها. كما بدا التوجه المغاير نحو التشدد في معاملة السوريين أكثر وضوحاً في تراجع حكومة العدالة والتنمية عن فكرة تجنيس الأطفال السوريين الذين يُولدون على الأراضي التركية، ناهيك بتقييد حركة تنقلات السوريين بين الولايات التركية، والحصول على إذن أمني مسبق.
- توافق حزبي: هناك قناعة بين كل الأحزاب السياسية في تركيا على أن السوريين سيَعودون. ليس لأنهم بحاجة للعودة، لكنهم سيعودون يوما ما. فمن جهته جدد زعيم حزب الشعب الجمهوري كمال كليجدار أوغلو دعوته إلى ضرورة إعادة اللاجئين السوريين إلى بلدهم، مشيرا إلى أنه لا يرى منحهم الجنسية التركية "أمرًا صائبًا".
وعشية حملة الانتخابات الرئاسية في يونيو/حزيران 2018، قالت رئيسة الحزب الصالح ميرال أكشنير إنها ستعيد نحو 200 ألف سوري إلى بلادهم، قبل نهاية عام 2019. وأضافت "أكشنير" خلال خطابها ضمن دعايتها الانتخابية في ولاية مرسين جنوب تركيا أن "السياسة الخاطئة التي ينتهجها الرئيس الحالي رجب طيب أردوغان، ضاعفت أعداد اللاجئين السوريين في تركيا".