"بطاقة حمراء".. الغرب يدير ظهره لأردوغان
على غرار ملاعب كرة القدم، منحت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، بطاقة حمراء للرئيس التركي رجب أردوغان بعد فاصل من التصرفات العدائية.
التحرك الغربي المتزامن، وإن كان لا يزال في بدايته، إلا أنه يعكس نفاد صبر واشنطن وحلفائها، وتحللها من لعبة التوازنات والاسترضاء، وبدء مرحلة المواجهة التي طال انتظارها، وفق مراقبين.
وخلال القمة الأوروبية الأخيرة في بروكسل، قرر القادة الأوروبيون فرض عقوبات على تركيا بسبب تصرفاتها "غير القانونية والعدوانية" في البحر المتوسط ضد أثينا ونيقوسيا.
وتستهدف العقوبات الأوروبية الأفراد والشركات وتشمل حظر دخول أفراد وتجميد أصول. ويعتبر المديرون التنفيذيون الذين ينفذون أعمال الحفر في قاع المتوسط لصالح شركة TPAO التركية أكثر المتضررين من هذه العقوبات.
وجاء هذا القرار بعد أيام من تصويت البرلمان الأوروبي بأغلبية كبيرة على توصية غير ملزمة بفرض عقوبات قاسية على تركيا بسبب تصرفاتها في قبرص التي تعيق عملية توحيد شطري الجزيرة.
وفي الولايات المتحدة، تتجه الحكومة الأمريكية لفرض عقوبات فردية ضد أنقرة بعد أن وضعت تركيا نظام الدفاع الجوي الروسي S-400 قيد التشغيل على الرغم من التحذيرات الشديدة من واشنطن.
وبذلك، تعتمد الولايات المتحدة وأوروبا على عقوبات فردية ومستهدفة في مواجهة أنقرة. فالاتحاد الأوروبي، على سبيل المثال، يتخذ إجراءات عقابية ضد الشركات التركية المشاركة في التنقيب عن الغاز.
لكن العقوبات التي أعلنتها القمة الأوروبية تعد بمثابة إعلان نوايا، ورسالة تهديد لأردوغان، على أن تتولى القمة المقررة مارس المقبل، تغليظ حزمة العقوبات وتوسيع نطاقها، وفق الكاتب الألماني سليمنز فيرجن.
سليمنز فيرجن، رئيس قسم المراسلين الأجانب في صحيفة دي فيلت الألمانية، كتب في مقال نشرته الصحيفة السبت أن العقوبات الأمريكية التي ترجح مصادر في البيت الأبيض إعلانها يوم الجمعة المقبل، موجهة ضد هيئة الصناعات الدفاعية التركية.
وبدأت العقوبات الأمريكية إحداث أثر حتى قبل إعلانها، حيث تراجعت الليرة التركية على الفور في البورصات، وفق الكاتب نفسه.
فيرجن قال في هذا الإطار "هذا هو الأسبوع الذي فقد فيه الغرب صبره حيال تركيا، وبدأ فيه الاتحاد الأوروبي في إظهار أسنانه، بل تخلى فيه دونالد ترامب عن سياسة الاسترضاء في مواجهة المستبد أردوغان".
وكانت السفيرة الأمريكية في حلف شمال الأطلسي "الناتو"، كاي بيلي هاتشينسون، قالت قبل اجتماع وزراء خارجية الحلف الأسبوع الماضي: "نحن قلقون بشأن السلوك التركي"، موضحة "فكرة وضع نظام دفاع جوي صنع في روسيا وسط تحالفنا تتجاوز الحدود المقبولة".
وفي نفس الاجتماع، ترددت أخبار أن وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو ونظيره التركي مولود جاويش أوغلو تبادلا كلمات عنيفة، وطلب بومبيو من تركيا أن تتصرف كحليف، وفق الكاتب الألماني سليمنز فيرجن.
فيرجن قال "الإجراءات العقابية هي تعبير عن الإحباط المتزايد بين الأوروبيين والولايات المتحدة من نظام أردوغان".
وأضاف "لم يصبح أردوغان أكثر قمعًا وغير ديمقراطي داخليًا فحسب، فقد لعب دورًا متزايدًا باعتباره عدوا للغرب في ملفات عدة أيضا".
وتابع "دأب أردوغان ذو التوجهات الإسلامية، على نشر دعاية معادية للغرب لسنوات عديدة، وغالبًا ما يعمل كخصم أكثر من كونه صديقًا للغرب في قضايا جيوستراتيجية مهمة مثل سوريا".
ومضى قائلا "كان الغرب يمارس منذ سنوات عملية توازن صعبة، حيث لا تزال أوروبا على سبيل المثال بحاجة إلى أردوغان للحد من تدفق اللاجئين، لكنها لا يمكن أن تراقب بصمت كيف تزعزع تركيا استقرار حوض المتوسط، من اليونان وقبرص إلى ليبيا".
واستطرد قائلا "الأمر نفسه ينطبق على الأمريكيين، وهناك إجماع عابر للأحزاب في واشنطن على أن أردوغان يجب أن يقف عند حده".
الكاتب الألماني كتب أيضا "لعب أردوغان حتى الآن بشكل فعال على الأهمية الاستراتيجية لتركيا بالنسبة لأوروبا وحلف شمال الأطلسي، لكن صبر الغرب انتهى، وبات واضحا أن الرئيس التركي بالغ في تقدير قوته والأوراق التي يملكها".
أي مستقبل؟
يرى مراقبون أن العقوبات الأمريكية والأوروبية التي تضرب تركيا بشكل متزامن، وإن كانت لا تزال في المرحلة الأولى ولا تحمل تأثيرا قويا، إلا أنها مجرد بداية، على أن تتبعها مزيد من الاجراءات الأكثر قسوة، طالما تمسك أردوغان بسياساته الحالية.
ويمكن أن تشمل العقوبات المستقبلية، التي من المرجح أن تعلن خلال الأشهر المقبلة، حظر تصدير أسلحة لتركيا، وفرض قيود على وصول الصادرات التركية للأسواق الغربية، وفق تقارير صحفية ألمانية.
وفي هذا الإطار، كتب الخبير في الشؤون الأوروبية، مايكل تومان في مقال بصحيفة دي تسايت الألمانية، اليوم الجمعة: "يتعين على دول الاتحاد الأوروبي التنسيق بشكل وثيق مع حكومة جو بايدن الجديدة في الولايات المتحدة وإعداد عقوبات جديدة".
وتابع "قد تكون الإجراءات التي تبنتها قمة الاتحاد الأوروبي ضد تركيا واستهدفت المشاركين في أعمال الحفر في شرق المتوسط، مجرد بداية".
وأوضح "يعد تعليق مبيعات الأسلحة المستقبلية إلى تركيا أحد الخيارات القوية، لا سيما الأسلحة التي تحصل عليها أنقرة من إيطاليا وإسبانيا، وأيضًا من ألمانيا".
ومضى قائلا "إذا لم تتنازل تركيا عن العديد من نقاط الخلاف، يمكن للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي أيضًا تقييد وصول تركيا إلى القروض الدولية والأسواق الغربية"، ما يضرب اقتصادها المترنح بقوة.
aXA6IDMuMTQ5LjI0My44NiA= جزيرة ام اند امز