ردع تركيا.. عقوبات أوروبا غير كافية ولا بد من إجراءات قوية
بعد طول انتظار، توافقت الدول الأوروبية على فرض عقوبات على تركيا، لكنها تستهدف أفرادا يعملون في مجال التنقيب عن الغاز في قاع المتوسط،
لم توجه العقوبات إلى الاقتصاد التركي أو أركان نظام رجب طيب أردوغان، ما دفع مراقبون لاعتبارها "غير كافية" و"لا تردع أنقرة".
ووفق مراقبين، فإن العقوبات لم تكن على مستوى التوقعات من جهة، وسياسة أردوغان التوسعية والعدوانية من جهة أخرى، ما يفتح الباب أمام مطالبات واضحة بسياسة أوروبية قوية وموحدة ضد النظام التركي، تضمن عقابه بشكل فعال، وردعه بشكل حاسم عن التصرفات الأحادية.
وخلال القمة الجارية منذ يومين في بروكسل، قرر القادة الأوروبيون فرض عقوبات على تركيا بسبب تصرفاتها "غير القانونية والعدوانية" في البحر المتوسط ضد أثينا ونيقوسيا.
ووفق مصادر دبلوماسية تحدثت لوكالة "فرانس برس"، فإن الإجراءات التي تبنتها القمة هي "عقوبات فردية"، ويمكن اتخاذ إجراءات إضافية إذا واصلت تركيا سياساتها الحالية.
وجاء هذا القرار بعد أيام من تصويت البرلمان الأوروبي بأغلبية كبيرة على توصية غير ملزمة بفرض عقوبات قاسية على تركيا بسبب تصرفاتها في قبرص التي تعيق عملية توحيد شطري الجزيرة.
ليست عقابا
لكن عقوبات الاتحاد لم تكن قاسية، ولن يكون لها أي تأثير، وفق أوزان دميركان، الخبير في الشؤون التركية ومراسل صحيفة "فولكس بلات" الألمانية العريقة.
وكتب دميركان في مقال نشرته الصحيفة الألمانية "كان يجب أن تكون عقوبات الاتحاد الأوروبي ضد تركيا إجراء عقابيا.. لكنها أكثر من مجرد هدية"، موضحا "على الحكومة التركية أن تشعر بالارتياح بعد قمة الاتحاد الأوروبي، وتواصل مسار المواجهة الحالي".
وتابع أن "العقوبات الأوروبية تستهدف الأفراد والشركات وتشمل حظر دخول أفراد وتجميد أصول"، مضيفا "من المتوقع أن تستهدف المديرين التنفيذيين الذين ينفذون أعمال الحفر في قاع المتوسط لصالح شركة TPAO التركية".
لكن حظر الدخول في زمن جائحة كورونا لن يكون له تأثير؛ فالحركة مقيدة عبر الحدود بالفعل، فيما يصبح قرار تجميد الأصول لا معنى له إذا كانت هذه الأصول غير موجودة بالأساس، وفق دميركان.
ووفق دميركان، فإن العقوبات لم تستهدف الاقتصاد التركي، ولم تشمل حظر تصدير أسلحة، أو حظر استيراد من تركيا. كما ترك القرار الأوروبي الأمور مفتوحة على خيارات عدة حتى القمة الأوروبية المقبلة المقررة في مارس المقبل على أقرب تقدير.
وحتى هذا التاريخ، يعكف مسؤولو الاتحاد الأوروبي على وضع خيارات ومسارات تحرك جديدة لمواجهة السياسة التركية، والتنسيق الوثيق مع إدارة جو بايدن التي تتولى السلطة في الولايات المتحدة في 20 يناير المقبل.
المواجهة هي الحل
دميركان قال "لا بد من مواجهة أردوغان بشكل سريع"، مضيفا "لكن بروكسل تفتقر إلى سياسة فعالة لمواجهة تركيا، ما يظهر في حالة الحيرة التي تسيطر على الاتحاد الأوروبي في تعاطيه مع أنقرة".
وأبرز الخبير في الشؤون التركية حالة الانقسام داخل أروقة التكتل الأوروبي، ففي وقت تدعم فيه دول مثل ألمانيا وإيطاليا وإسبانيا المزيد من المفاوضات، تدعو النمسا وفرنسا إلى اتخاذ مواقف أكثر صرامة حيال أنقرة.
ومضى قائلا "أردوغان يعي هذا الانقسام، ويعي أيضا أن بإمكانه المضي قدما في سياساته الاستفزازية طالما افتقر الاتحاد الأوروبي لموقف موحد وحاسم في مواجهته".
ملامح خطة قوية
وقبل أسابيع، فتحت "العين الإخبارية" ملف عقاب تركيا في إطار تناولها كيفية تعاطي الاتحاد الأوروبي مع النظام التركي الذي ينتهج سياسات استفزازية في ليبيا وشرق المتوسط وأذربيجان وقبرص.
في تصريحات خاصة لـ"العين الإخبارية"، قال الخبير فولفغانغ بوزتاي، رئيس الهيئة الاستشارية للمجلس الوطني للعلاقات الأمريكية الليبية "خاص" في وقت سابق: "في ضوء المشاكل العديدة الموجودة بين الاتحاد الأوروبي أو الدول الأعضاء منفردة، وتركيا، وسياسات الرئيس رجب طيب أردوغان المزعزعة للاستقرار من ليبيا إلى أذربيجان، سيتعين على الاتحاد الأوروبي عاجلاً أم آجلاً أن يتبع نهجا أكثر قوة في مواجهة أنقرة".
وتابع "ومع ذلك، يجب أن يتعاطى الاتحاد الأوروبي مع أنقرة بحساسية وتركيز شديدين، لأن استقرار تركيا وتحسين وضعها الاقتصادي في مصلحة أوروبا".
وأوضح "لذلك، يمكن فرض عقوبات تستهدف الأفراد (مسؤولي النظام التركي).. كما أن حظر تصدير الأسلحة لتركيا سيكون خطوة أولى معقولة لعقاب أنقرة".
ومضى قائلا "توقفت كندا مؤخرا عن تسليم أجهزة استشعار للطائرات بدون طيار إلى تركيا، بسبب دورها في أذربيجان. وبإجراءات مماثلة، يمكن أن تضرب أوروبا تركيا بشدة".
وبعيد قرار الاتحاد الأوروبي اليوم، بات لزاما أن يضع التكتل الأوروبي سياسة موحدة في التعاطي مع أنقرة، وخطة قوية تشمل إجراءات متنوعة لردع أردوغان خلال الأشهر المقبلة.
وفي هذا الإطار، كتب الخبير في الشؤون الأوروبية، مايكل تومان في مقال بصحيفة دي تسايت الألمانية، اليوم الجمعة: "يتعين على دول الاتحاد الأوروبي التنسيق بشكل وثيق مع حكومة بايدن الجديدة وإعداد عقوبات".
وتابع "قد تكون الإجراءات التي تبنتها قمة الاتحاد الأوروبي ضد تركيا واستهدفت المشاركين في أعمال الحفر في شرق المتوسط، مجرد بداية".
وأوضح "يعد تعليق مبيعات الأسلحة المستقبلية إلى تركيا أحد الخيارات القوية، لا سيما الأسلحة التي تحصل عليها أنقرة من إيطاليا وإسبانيا، وأيضًا من ألمانيا".
ومضى قائلا "إذا لم تتنازل تركيا عن العديد من نقاط الخلاف، يمكن للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي أيضًا تقييد وصول تركيا إلى القروض الدولية والأسواق الغربية" ما يضرب اقتصادها المترنح بقوة.
aXA6IDMuMTQ0LjkyLjE2NSA= جزيرة ام اند امز