الحكم ببراءة القس الأمريكي تكشف لنا أكذوبة القضاء التركي المستقل وكذب نظام أردوغان الذي يتوعد بشعارات براقة
طموحات أردوغان الاستعمارية والإمبراطورية لإحياء الخلافة العثمانية لا يمكن لها أن تتحقق، فالزمان غير الزمان، والظروف غير الظروف، وهو ما يذكرني بفيلم الفنان الكبير عادل إمام "رسالة إلى الوالي"، وكيف أنه حضر في زمن غير زمنه، وكيف كان أضحوكة لكل الناس شكلا وتعاملا.
أردوغان أمام منعطف تاريخي قد يكون مظلماً إن لم ينتبه لسياساته ومصالح بلاده بعيدا عن الخطب الشعبوية والمتاجرة الكاذبة، فهو يغرق في قضايا ونقاشات لن تحقق لبلاده الخير، ولن ينقذه سوى التعهد بعدم التدخل في الشأن الخليجي والعربي وتشجيعه على التمرد على هذه الدول
ولأن أردوغان مميز في المتاجرة نجده يعيش ما بين حلم الانضمام إلى أوروبا ودعم التنظيمات الإرهابية مثل داعش والنصرة، ما بين خلافة المسلمين وعضوية الناتو، ما بين المتاجرة بالقدس وتوطيد العلاقات مع إسرائيل، ما بين المطالبة بحماية الحرمين وتحالفه مع من يرسل صواريخه لأرضها، ما بين دعم الإخوان وإعلان علمانيته، حيث إن أردوغان يرى أن أمن إيران من أمن تركيا، بينما الصواريخ التي ترسلها إيران عبر أذنابها في اليمن على الأراضي السعودية والتي فيها قبلة وكعبة المسلمين ومسجد الرسول -صلى الله عليه وسلم- لم يخرج لنا أردوغان ليقول أمن السعودية من أمن تركيا.
تتعدد المسميات وتتعدد الحروب وتتعدد الدعوات من أردوغان حتى وصلت للآذان والظهور أمام أتباعه بمظهر منقذ الإسلام، وحامل لوائه، وتصوير الوضع وكأنها حرب مقدسة بين المشركين والمسلمين، حين قال من يحارب اقتصادنا كمن يحارب صوت الأذان.
الحكم ببراءة القس الأمريكي تكشف لنا أكذوبة القضاء التركي المستقل وكذب نظام أردوغان، الذي يتوعد بشعارات براقة وفي النهاية يسلمه دون شروط، ويتودد به لدى أمريكا حتى يتفرغ للمتاجرة بقضية خاشقجي.
أردوغان حصل على مصباح علاء الدين السحري في الإخوان، والتي تقدم له كل ما يطلبه على طبق من ذهب، من خلال تأييد وولاء مطلق وتلميع إعلامي غير مسبوق، لتعرفوا أن الإخوان من خطوات الشيطان.
الأزمات دائما تسقط الأقنعة وتعري الوجوه وتكشف عن التوجهات، لهذا يا أردوغان لا يمكن أن ننسى استقبالك ممثلي المنظمات اليهودية لتمرير ما يسمى بصفقة القرن، ناهيك عن المصانع التي تبيع الأسلحة لإسرائيل، والشركات هي من تتولى بناء السفارة الإسرائيلية، وإطفاء الحرائق فيها، ثم تقول إنك مع الشعب الفلسطيني ومع القضية الفلسطينية؟!
لا يمكن أن ننسى استفزازك لنا بطلب فتح قاعدة تركية في السعودية، بينما كانت مقاتلاتنا متواجدة في قاعدة إنجرليك التركية، وصمتك المطبق على الصواريخ الحوثية وعدم إدانتها، وإرسال جيشك إلى قطر بحجة حمايتها منا، وطلب تدويل الحج، وتعاملك الخبيث في قضية خاشقجي، وكيف أنه حاول تشكيل جبهة غربية ضد المملكة.
ليس ذلك فقط.. بل كيف يمكن لنا أن ننسى ما فعلته بالعراق وتجفيف المياه والحياة في العراق، وما فعلته في سوريا وفي عفرين.
لا يمكن أن ننسى وقوفك مع الفوضى المسماة بالثورات العربية، وتجاهلك وتنديداتك بثورة الشعوب الإيرانية، ورفضك العقوبات على نظام الملالي الإرهابي.
لا يمكن أن ننسى تهريب الإرهابيين من وإلى تركيا، فهم لن ولم يجدوا أفضل منها كملجأ آمن، وتجميعك لكل دعاة الثورات والجهاد والفتن والفوضى والمعارضين في كل الوطن العربي، وكيف أصبحت تركيا موطنهم وملاذا لهم.
لهذا لن نقول إن أردوغان يتخبط سياسياً أو فاقداً للبوصلة والاتجاه الحقيقي كما يقول البعض، وإنما يعمل ضمن حلف استراتيجي ثلاثي يمثل محور الشر في المنطقة (تركيا، إيران، الإخوان) من أجل تحقيق طموحاته وأحلامه الاستعمارية، وأن ما يجري حاليا هي حرب ضد الثلاثي (المملكة، مصر، الإمارات)، ويدعمهم في ذلك بعض تيار اليسار الغربي وإعلامه الذين يؤيدون مشروعهم، وأن القضاء على الإخوان يعني القضاء على مشروعهم المشترك، ولأن الإخوان هم الأداة التنفيذية التي تستخدم في المعركة لتنفيذ الأجندة الخبيثة.
أردوغان أمام منعطف تاريخي قد يكون مظلماً إن لم ينتبه لسياساته ومصالح بلاده بعيدا عن الخطب الشعبوية والمتاجرة الكاذبة، فهو يغرق في قضايا ونقاشات لن تحقق لبلاده الخير، ولن ينقذه سوى التعهد بعدم التدخل في الشأن الخليجي والعربي وتشجيعه على التمرد على هذه الدول، وعليه ترتيب أولوياته بدلاً من أن تضع السعودية أردوغان تحت المجهر عندها سينتهي مثل غيره، فالملوك يصبرون ولكن إذا ضربوا أوجعوا.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة