انهيار الليرة التركية.. زلزال يرج أردوغان ويعري تناقض السياسات
حلول قد لا يتمكن الحزب الحاكم من تنفيذها نظرا لما تتطلبه أزمات مماثلة من وقت، ما يضع احتمالات فوزه بالانتخابات المقبلة في الميزان
هبوط حاد تسجله الليرة التركية مقابل الدولار الأمريكي، في مسار تنازلي لافت يستبطن عجز البنك المركزي التركي عن كبح التضخم، ومخاوف من هيمنة الرئيس رجب طيب أردوغان على السياسة النقدية فيها.
تهاوٍ لا يعتبر مفاجئا بالنسبة لعملة تعاني، منذ أكثر من عام تقريبا، من خضات مالية حادة متقلبة أمام سعر صرف الدولار، أدت إلى فقدانها أكثر من 20 بالمئة من قيمتها في الأسابيع الأخيرة.
الليرة ترج أردوغان
المسؤولون الأتراك حاولوا رمي الكرة في ملعب الآخرين، مستحضرين نظرية المؤامرة التي غالبا ما تنطلي على الشعوب، حيث رأى وزير الطاقة التركي، برات البيرق، في ما يجري عملية استهداف واضحة لتركيا من الخارج، بهدف التأثير على المشهد السياسي بضغط مالي اقتصادي، على حد قوله.
كما تواتر الحديث قبل يومين عن «ضربة ما بعد منتصف الليل»، وتحميل مسؤولية ما يحدث لليرة التركية لمستثمر ياباني وجد في الأسواق المالية التركية فرصة لاستغلال أسعار الفائدة المربحة بالنسبة له، ما أدى إلى ارتفاع سعر صرف الدولار الواحد من 4.65 الى حوالي 5 ليرات تركية دفعة واحدة، وخلال ساعة واحدة تقريبا.
لكن محللين يرون أنه وبغض النظر عن أصل الانهيار، إلا أن الحقيقة التي ينبغي التعامل معها تكمن في أن الزلزال النقدي يهز تركيا بالفعل، وأنه لا يمكن بعد الآن التهرب من مخاطر ما يجري.
- تركيا.. انهيار الليرة يصيب مكاتب الصرافة بالفزع وتوقف التعامل بالدولار
- أردوغان يتنصل من وعده ويأمر برفع أسعار الفائدة لوقف نزيف الليرة
واقع يفرض بالأساس التعامل مع رأي عام بات يضع هاجس الاقتصاد في مقدمة مشاغله اليومية، وفق استطلاعات للرأي، ما يعني أن هذا الملف سيطغى على باقي المواضيع في اهتمامات الناخب التركي، وسيكون معيار اختياره في الانتخابات المقررة في 24 يونيو حزيران المقبل.
استطلاعات أظهرت أن الاقتصاد قفز من أسفل سلم العوامل المؤثرة في خيار الناخب، كما كان عليه الحال في الانتخابات السابقة، إلى صدارتها، ما يعني أن أزمة الليرة قد تكون محددا لنتائج انتخابات يريد الرئيس رجب طيب أردوغان حسمها لصالحه بأي ثمن.
تضارب السياسات
يعتقد مراقبون أن أزمة الليرة التركية ستكون لها تداعيات وخيمة على جميع الأصعدة في البلاد، خصوصا وأن ملامح الانهيار قد لا تكون ظرفية، فتدخل بذلك في مسار هيكلي يطيح بجميع المؤشرات المالية والاقتصادية بالبلاد.
طرح استشرافي يفجر سيلا من الاستفهامات بهذا الشأن: فهل ستنجح الليرة التركية في مقاومة ضغوطات الدولار وتنهي عملية تسجيل الأرقام القياسية في التراجع؟
وهل ستتمكن الحكومة من إزالة آثار المخاوف اليومية التي بدأت تقلق المواطن من تمركز حالة اللاستقرار الاقتصادي؟
هل بالفعل، وكما يتوقع خبراء، أن تكون تبعات هذه الأزمة موجعة بعد الانتخابات، حيث ستبدأ عمليات رفع الأسعار والغلاء والتضخم، لتظهر السياسة الحكومية على حقيقتها؟.
ومهما يكن من أمر، فإن الثابت هو أن تراجع قيمة الليرة التركية المتواصل أمام الدولار يحمل معه عدة تساؤلات حول الأسباب والاحتمالات.
فهناك من يرى أن من بين الأسباب المباشرة في ذلك، تضارب وجهات النظر بين السياسة التي تعتمدها وتريدها حكومة «العدالة والتنمية»، وبين السياسة النقدية للبنك المركزي، وتحديدا فيما يتعلق بآليات وأدوات مواجهة التضخم واستخدام معدلات الفائدة لكبح جماحه.
فالحكومة التركية تريد أن يأخذ المصرف المركزي خططها الاقتصادية والسياسية بعين الاعتبار عند طرح الحلول لمواجهة الأزمة، في حين يصر البنك المركزي على قرار مراجعة نسب الفائدة الرئيسية، ورفع معدل فائدة الإقراض لنافذة السيولة المتأخرة، من 13.5 في المئة إلى 16.5 في المئة.
أردوغان يطالب البنك المركزي بتطبيق رؤاه وتطبيق سياسته، لكن البنك المركزي التركي يصر على الاستفادة من استقلاليته الإدارية في طرح الخطط والتدابير المالية، وهذا ما يضمنه له القانون والأعراف المالية، لأن المعلوم أن الحكومة هي من يضع السياسة الاقتصادية بالبلاد، فيما يحتفظ البنك المركزي بكامل استقلاليته في إدارة السياسة النقدية.
البنك المركزي التركي يقول إنه يراقب عن قرب حركة العملة في الأسواق، وأنه يريد اتخاذ الخطوات اللازمة لإخراج تركيا من الأزمة، غير أن الحكومة لا تريد أن تتعارض خطط البنك مع ما تقوله وتريده، خصوصا وأن البلاد على وشك إجراء انتخابات مبكرة مصيرية بالنسبة لحزب العدالة والتنمية المتشبث بالسلطة.
أزمة ثقة داخلية وأزمات إقليمية
اختلاف الرؤى بين الحكومة والبنك المركزي كان لابد أن يقود نحو أزمة إدارة وثقة انعكست مباشرة على المواطن التركي أولا، ثم على المستثمر الأجنبي بالبلاد ثانيا، ما يهدد بانسحاب الاستثمار الأجنبي في ظل عدم اقتناعه بالآليات التي تطرحها القيادات السياسية التركية باتجاه خفض أرقام التضخم .
وبعدها يبرز موضوع التوتر التركي الأمريكي في ملفات سياسية وأمنية على رأسها قضية رجل الأعمال التركي الإيراني، رضا زراب، الذي أوقفته المحاكم الأمريكية بتهم الفساد وغسيل الأموال وخرقه للعقوبات على إيران، مع ما يحمله هذا الملف من تشعبات، خصوصا بعدما تحول زراب من متهم إلى شاهد إثبات ضد آخرين متورطين في القضية.
أزمات متعددة على الصعيدين الداخلي والخارجي، كان لا بد وأن تكون لها ارتدادات مالية على الاقتصاد التركي، وهذا ما يحدث في الوقت الراهن.
اقتصاد هش تحت الاختبار
البعض يتحدث عن ضرورة قبول حقيقة أخرى رغم كل الحديث عن الصعود الاقتصادي والانمائي التركي، وهي أن الاقتصاد التركي يعتبر من الاقتصادات الناشئة التي تتأثر مؤشراتها سريعاً بالأحداث الداخلية والخارجية، وتختلف درجة حساسية المؤشرات حسب طبيعة تلك الأحداث وتفاعلاتها.
اقتصاد هش رغم الهالة التي يحاول الحزب الحاكم في تركيا رسمها حوله، كان من البديهي أن يتأثر بحالة الغموض والتذبذب المطبقة على الأسواق المحلية وعلى المؤشرات الكلية للاقتصاد.
فالواضح تماما أن حزب «العدالة والتنمية» يحتاج سياسة اقتصادية مالية جديدة تقطع الطريق على استمرار الأزمات، وتخرج الأسواق التركية من حالة الغموض والتوتر الذي تعيشه .
حلول قد لا يتمكن الحزب من تنفيذها نظرا لما تتطلبه أزمات مالية مماثلة من وقت، ما يضع احتمالات فوزه بالانتخابات المقبلة في الميزان، في ظل توقعات سوداوية حول هزات سياسية مستمرة.
aXA6IDMuMTQyLjEzMC4yNDIg جزيرة ام اند امز