من الواضح أن الشعب السوري بالنسبة لأردوغان هم فقط المؤتمرون بأمره أما البقية فلا هم شعب ولا هم سوريون
لا ينبغي لأحد من الذين يعارضون نهج الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان" وسياسته الخارجية تجاه الدول العربية وغيرها أن يتفاجأ من تصريحاته الإعلامية إذا ما قوبلت بسلوكه السياسي، فهو المتقلب الدائم والمتناقض باستمرار، بدءاً بإبداء استعداده لتقديم المساعدة والمشاركة بدعم التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية لنصرة الشرعية اليمنية ضد الانقلابيين وذلك لتلفزيون "فرانس 24" عام 2015 وشهر مارس/آذار على وجه التحديد، وانتهاءً بقوله في 15 سبتمبر/أيلول عام 2019 في قمته الثلاثية مع الرئيسين الروسي "فلاديمير بوتين" والإيراني "حسن روحاني" بأن السعودية هي التي بدأت الحرب في اليمن.
من الواضح أن الشعب السوري بالنسبة لأردوغان هم فقط المؤتمرون بأمره أما البقية فلا هم شعب ولا هم سوريون أصلاً بحسب المعتقدات الأردوغانية، مما يؤكد لنا جازمين بأن "ليبيا" بالنسبة له بل العرب والدول العربية هي فقط الجماعات الأيديولوجية التي تتشارك مع أردوغان ذات الأهداف القائمة على تدمير الأوطان
التباينات هذه سمة عامة في شخصية الرئيس التركي "أردوغان" ولا سيما إذا ما قورنت تصريحاته بأفعاله على أرض الواقع، وهذا ما أتى به مؤخرا حول استعداده تقديم المساعدة بالتدخل العسكري في "ليبيا" لنصرة ما يسميه "الحكومة الشرعية" بقيادة "فائز السراج" والانتقال بطموحه غير المتناهي من سوريا إلى ليبيا ساعيا إلى استغلال الاضطرابات في البلدان العربية من أجل تثبيت نفوذه استعدادا للحظة التي يتمكن من خلالها إشباع رغبته بعودة نفوذ الدولة العثمانية التي كلفت العرب والعروبة تضحيات كبيرة للإفلات من براثنها.
إن كلام "أردوغان" المعسول وتسويقه لمآربه الخفية بأقنعة زائفة واعتماده على المصطلحات البراقة مثل "نصرة المستضعفين ومساندتهم لتحقيق أهدافهم ومطالبهم بالحرية ضد الاستبداد" و"القضاء على الإرهاب" و"المنطقة الآمنة" وغيرها الكثير من الشعارات الطنانة والخطابات الرنانة في تعاطيه مع الملف السوري، كلها سقطت في أول سلوك فعلي له على ساحة القضية السورية، بدءًا من فتح الحدود أمام الإرهابيين وشذاذ الآفاق، والسماح لهم بالتحرك بحرية كاملة دخولاً وخروجاً أمام عيون جنوده واستخباراته دون أدنى عرقلة، وما "داعش" و"جبهة النصرة" إلا دليل دامغ على انحراف السلوك الأردوغاني عن الخطاب السياسي الزائف .
ولن يكون سلوك "أردوغان" مختلفاً هذه المرة لا سيّما وأن خطابه لم يحد عن سابقيه في تعاطيه مع الملف الليبي، فلن تكون "الشراكة الاستراتيجية والتعاون الاقتصادي للتنقيب عن الغاز في المتوسط" ولا "الاستعداد للتضحية والتدخل العسكري نصرةً للشرعية" إلا أقنعة ستسقط بفعل السلوك الواقعي على الأرض، وإلا ما معنى تزود أنقرة كل التنظيمات الإرهابية في "ليبيا" بالأسلحة؟
ففي عام 2018 ضبطت السلطات الليبية شحنات أسلحة وصفت بالأضخم، إذ إن الذخيرة التي ضبطت معها تكفي لقتل كل الليبيين، مما يجعلنا نقف بتمعن أمام الخطاب ومقابلته مع الفعل الحقيقي على الأرض، وبالتالي نجد أنه لا يدع لنا مجالاً للشك بأن الشراكة الاستراتيجية والتعاون الاقتصادي المزعوم لن يكون إلا احتلالاً واستعماراً وبوابة لاستنزاف خيرات البلاد ولن تكون "نصرة الشرعية" إلا إمعاناً في الإرهاب واستمراراً لمسلسل العنف وعدم الاستقرار السياسي بضرب السلم الأهلي، من خلال تعويم جماعات متطرفة على حساب الإرادة الوطنية الليبية، خاصة إذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن "أردوغان" لا يكتفي بضرب الدول القائمة كأنظمة يعمل على تقويضها بل أنه يقتصر الشعوب ذاتها بما يتماشى ومخططاته، وكأنه حاكم فعلي بل أنه يتصرف كمانح للجنسية، ففي تصريح له منذ أربعة أيام وصف تدخله في سوريا خلال اجتماع للمجلس الاستشاري لحزب "العدالة والتنمية" بمدينة إسطنبول بأنه مطلب شعبي سوري إذ قال "لن نخرج من سوريا إلا إذا قال لنا الشعب السوري شاكراً: عليكم الخروج الآن" وكأنه مخول بمنح الجنسية السورية وتسمية من هم شعب سوري ومن هم ليسوا بسوريين.
من الواضح أن الشعب السوري بالنسبة لأردوغان هم فقط المؤتمرون بأمره أما البقية فلا هم شعب ولا هم سوريون أصلاً بحسب المعتقدات الأردوغانية، مما يؤكد لنا جازمين بأن "ليبيا" بالنسبة له بل العرب والدول العربية هي فقط الجماعات الأيديولوجية التي تتشارك مع أردوغان ذات الأهداف القائمة على تدمير الأوطان لصالح "جماعة الإخوان".
كل هذه الممارسات والتدخلات السافرة لم تكن خفية فبمجرد مراجعة تصريحات "أردوغان" ومقابلتها بعضها بعضا من وقت لآخر ومن ثم مقارنة تلك التصريحات بالسلوك الفعلي على الأرض نجد أنها ممنهجة في لعبة اعتمد عليها أردوغان منذ اعتلائه سدة السلطة التركية، إلا أنه في السنوات الأخيرة إثر تسارع الأحداث واللهاث لاستغلالها لتعويم الأحلام الأردوغانية جعلها أكثر اضطرابا وتلوناً لتصبح مكشوفة وواضحة بل ومفضوحة لدرجة الفرق بين الملائكة والشياطين فرق لا يعمى عنه بصير.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة