المواقف الظاهرية المتعارضة أو المتناقضة التي يبديها الجانب التركي أو الإيراني أحيانا ما هي إلا مناورات لذر الرماد في العيون.
الكشف عن حقيقة التحالف العميق بين أردوغان وطهران هذه المرة من قبل أحد المسؤولين الإيرانيين وتحديداً في التنسيق الأمني رفيع المستوى، لإجهاض الحراك الشعبي الإيراني مؤخراً، ينطوي على بعدين: الأول متعلق بدوافع طهران وأهدافها من وراء رفع السرية عن التنسيق العميق بينهما في هذا التوقيت، والثاني مرتبط ارتباطاً وثيقاً بمسعاها لبث رسائلها في أكثر من اتجاه؛ داخلي وإقليمي ودولي، المتضمنة تأكيداً ايرانياً قاطعاً على أن حلفاً سرياً "مقدساً" يجمعها مع أردوغان.
تواطؤ أردوغان يمنح طهران فرصاً متعددة في سعيها لإيجاد بدائل من خلال أنقرة سواء للالتفاف على العقوبات أو لمد نفوذها خارج حدودها، وتواطؤ إيران مع أردوغان يمنح أنقرة إمكانية المناكفة وممارسة الابتزاز على المسرحين الإقليمي والدولي، وقد تكون الساحة السورية أنصع الأمثلة على ذلك.
اللافت أن اختيار طهران توقيت إعلان التنسيق مع أردوغان واستخباراته جاء متزامناً مع سلسلة تصريحات تناوب على إطلاقها قادة عسكريون وأمنيون وسياسيون إيرانيون تقاطعت جميعها، والتقت عند نقطة واحدة وهي أن مؤامرة خارجية هي الأخطر منذ عام 1979 تم إحباطها والقضاء عليها.. ما قاله المدير السابق لوكالة تسنيم الإيرانية من أن "معلومات أمنية خطيرة وصلت إيران عن طريق الاستخبارات التركية حول وجود مؤامرة لتغيير النظام الإسلامي في إيران" وأنه "بعد اجتماعات بين الأجهزة الأمنية الإيرانية والتركية تم وضع خطة لمواجهة المؤامرة"، بحسب قوله، يفسر فحوى تلك التصريحات وتوقيت الإعلان.
لعل في الإفصاح العلني الإيراني هذا ما يدلل بشكل قاطع على أن جميع المواقف الظاهرية المتعارضة أو المتناقضة التي يبديها الجانب التركي أو الإيراني في بعض الأحيان حيال قضية هنا وأخرى هناك، ما هي إلا مناورات لذر الرماد في العيون.
التناقض الإيديولوجي والمذهبي والعرقي بين تركيا وإيران لا يخفي على أحد، فضلاً عن إرث العداء التاريخي، الذي بدا أن استحضاره يتم من قبل كل منهما بمقدار ما يسهم في التعمية على الأدوار العدائية، والتآمر ليس على شعوب المنطقة فحسب، بل حتى في عدائية كل طرف منهما لشعبه في سياق علاقة خدماتية متبادلة، فأردوغان يخرق العقوبات الأمريكية المفروضة على إيران ولا يلتزم بها، وأردوغان هو من رفض وأدان تصنيف الحرس الثوري الإيراني كمنظمة إرهابية، لكن كل ذلك ليس دون مقابل، فالمسؤولون الإيرانيون سربوا كثيراً من المواقف حول دور استخباراتهم في إحباط الانقلاب ضد أردوغان الذي التزم ومسؤولوه الصمت حيالها، ولكن تحت ضغط هذه التسريبات وبعد عام على المحاولة الانقلابية، أفصح السفير التركي في طهران عن حقيقة دور الاستخبارات الإيرانية فيما وصفه بـ"تأمين حماية جوية لأردوغان، وتأمين بقائه داخل تركيا لمواجهة الانقلاب".
تواطؤ أردوغان يمنح طهران فرصاً متعددة في سعيها لإيجاد بدائل من خلال أنقرة سواء للالتفاف على العقوبات أو لمد نفوذها خارج حدودها، وتواطؤ إيران مع أردوغان يمنح أنقرة إمكانية المناكفة وممارسة الابتزاز على المسرحين الإقليمي والدولي، وقد تكون الساحة السورية أنصع الأمثلة على ذلك.
مع ذلك، إلى أي مدى يمتلك هذا التحالف "المقدس" بين أردوغان وطهران مقومات الاستمرار؟ وما شروط استمراره لدى الجانبين؟ بل ما القاسم المشترك الأهم بالنسبة لهما كي يكتسب تحالفهما صفة البقاء والاستمرار؟
للوهلة الأولى تتمحور الإجابة في محيط أمرين: الأول هو أن المنطقة العربية هي المستهدفة من هذا التواطؤ، فكل طرف منهما "تركيا – إيران" يرفع راية عدائه لعدد من الدول العربية سواء على الصعيد السياسي أو على صعيد استخدام جيوشه بشكل مباشر أو بالإنابة عنها في عدوانه، والأمر الثاني هو أن النزعة التوسعية لدى كل منهما هي التي تضفي على تحالفهما صبغة البقاء ولو إلى حين؛ لكن هذا الحين قد لا يطول في ظل ما تشهده المنطقة من إرهاصات شعبية مناهضة لهيمنة كل منهما في غير مكان، وتحولات جيوسياسية لا تصب في أغلبها في مصلحتهما.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة