نتفاءل خيرا بانعقاد قمة مجلس التعاون الخليجي في الرياض، لعلها تحمل بشائر انفراج في العلاقات الثنائية وبداية لتعميم أي اتفاق عربي.
بعد سنوات من تعليق الآمال على القمم العربية وبينها القمم الخليجية والتباري في التحليلات والتوقعات والإشادة بالقرارات قبل الاهتمام بها، وخفتت هذه الآمال أو تحولت إلى خيبات وحالات إحباط.
تشابهت كل القمم والقرارات والتوصيات، وتحولت إلى أسطوانة مملة تتكرر عبارات المرحلة الحرجة والقرارات المصيرية والمواقف الحاسمة وشعارات الشجب والاستنكار والتنديد والتضامن العربي ووحدة الموقف والهدف وحل الخلافات المؤسفة.
انطلاقاً من هذه الوقائع الثابتة تنعقد القمة وسط مؤشرات على انفراجات ملموسة على صعيد العلاقات بين دول المجلس والقضايا المتعلقة بأمن الخليج ومكافحة الإرهاب ومواجهة إيران بموقف موحد في حالتي الحوار والتصعيد.
ما أن ينفرط عقد أي قمة وقبل أن يجف حبر قراراتها تطفو الخلافات على السطح من جديد وتستأنف جولات تبادل الاتهامات حول المسؤول عن الفشل.
إلا أن قمم مجلس التعاون الخليجي كان ينظر إليها من نصف الكأس الفارغ.. لكن علينا أن نكون منصفين وننظر إلى الإيجابيات وإلى نصف الكأس الممتلئ؛ فمجرد اجتماع قائدين عربيين أو أكثر وتوصلهم إلى اتفاق على مواضيع معينة يعتبر إنجازا يجب البناء عليه للمستقبل والدعوة لتوسيع الدائرة وتعميم الفائدة والإيجابيات على أبناء الأمة.
وقد يصح القول على القمم العربية بسبب مسلسل سلبياتها ونتائج اجتماعاتها وتراجع فاعلية جامعة الدول العربية، بعد إقحامها في أتون الخلافات والصراعات وسياسة المحاور. إلا أن من المنطقي الإنصاف في النظر إلى القمم الخليجية من حرصها على تحقيق ولو الحد الأدنى من التوافق والعمل المشترك.
فمجلس التعاون الخليجي هو المؤسسة العربية الوحيدة التي صمدت خلال أكثر من ٤٠ عاماً رغم العواصف التي أحاطت بمنطقة الخليج والحروب والنزاعات والصراعات والتدخلات والمطامع الأجنبية. ويكفي أن أشير إلى حدثين خطيرين هزا المنطقة وهما الحرب العراقية - الإيرانية والغزو العراقي للكويت، يضاف إليهما أحداث مزلزلة مثل الغزو الأمريكي للعراق وحرب اليمن وتغلغل الإرهاب في المنطقة وصولاً إلى قيام وسقوط داعش في شمال العراق وسوريا وتنامي التدخلات الإيرانية.
ورغم كل هذه الزلازل ونشوب خلافات بين أعضائه، فقد صمد مجلس التعاون الخليجي بكل مؤسساته وأمانته العامة وسار العمل بصورة طبيعية ولم يتوقف انعقاد قممه يوماً، بل استمرت وواصلت جهودها لرأب الصدع ومواجهة العواصف والزلازل.
وللتذكير فقط لا بد من الإشارة إلى أن المجلس فرض نفسه كبوتقة توحيد بين العرب ولو بين بعض دولهم فجميع التجارب الوحدوية فشلت أو لفها النسيان أو أجهضت، قبل أن تبصر النور مثل الوحدة المصرية السورية ووحدة وادي النيل والاتحاد العربي ومجلس التعاون العربي بين العراق ومصر واليمن ومجلس الاتحاد المغاربي بين المغرب والجزائر وتونس وليبيا وغيرها من أشكال الوحدة والتعاون.
ومن هذا المنطلق نتفاءل خيراً بانعقاد قمة مجلس التعاون الخليجي في الرياض، لعلها تحمل بشائر انفراج في العلاقات الثنائية وبداية لتعميم أي اتفاق على الدول العربية، للخروج من النفق المظلم ومواجهة التطورات والأوضاع الخطيرة التي تمر بها المنطقة والتهديدات على المصير والقضايا العربية، ووضع حد للتدخلات والصراع والمطامع الإقليمية.
وانطلاقاً من هذه الوقائع الثابتة تنعقد القمة وسط مؤشرات على انفراجات ملموسة على صعيد العلاقات بين دول المجلس والقضايا المتعلقة بأمن الخليج ومكافحة الإرهاب ومواجهة إيران بموقف موحد في حالتي الحوار والتصعيد، إضافة إلى البت بتفعيل مؤسسات المجلس والتنسيق العسكري والأمني، ودور قوة ردع الجزيرة.
والملفت أن القمة الخليجية سبقها لقاء قمة سعودي إماراتي بين الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد السعودي، والشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد إمارة أبوظبي، وأسفرت عن اتفاق حول مجمل القضايا الثنائية والخليجية والعربية. أما المؤشرات الأخرى فبشر أولها بإنهاء الخلافات والزيارات القطرية الرسمية للسعودية وتصريحات تبشر بالخير.
والمؤشر الأخير الموازي لانعقاد القمة يبشر بإزالة كابوس الحرب اليمنية بعد نجاح قوات التحالف العربي حصر خطر المليشيات الحوثية والسيطرة على مناطق واسعة، لا سيما في الجنوب وبعض المدن الشمالية المهمة، إضافة إلى مواجهة التدخلات الإيرانية وضبط كميات من الأسلحة والصواريخ المرسلة للحوثيين.
وبانتظار جلاء هذه الأمور وتحديد المواقف الواضحة منها تتزايد الآمال المعلقة على القمة الخليجية، بوصفها بقعة الضوء الوحيدة في العمل العربي المشترك، لعلها تتسع وتمتد لتشمل الدول العربية الأخرى وقضاياها المركزية مثل فلسطين والسلام في الشرق الأوسط، وضرورات التنمية والإعمار والمصالحات العربية، وتفعيل دور الجامعة العربية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة