شهدت الأيام الماضية اضطرابا متسارعا في سعر صرف الدولار مقابل الليرة السورية حتى بلغ أعلى مستوى له منذ اندلاع الصراع عام 2011.
ليس للحرب شكل أو سلاح محدد، كما أنها لا تنحصر بساحة أو ميدان دون غيره، وهذا ما يفسر تحول المعركة على الساحة السورية من الميدان العسكري إلى الميدان الاقتصادي بسلاح القطع الأجنبي من العملات وعلى رأسها الدولار الأمريكي, حرب ضروس لا تقل شراسة عن الحرب العسكرية التي حصدت مئات الآلاف من الأرواح لتحصد معركة الدولار ما بقي من رمق في نفوس وأرواح البقية الباقية من المواطن السوري بحربه مع لقمة العيش؛ إذ شهدت الأيام الماضية اضطراباً متسارعاً في سعر صرف الدولار مقابل الليرة السورية حتى بلغ أعلى مستوى له منذ اندلاع الصراع عام 2011 ليصل حد "1000" ليرة سورية مقابل الدولار الأمريكي الذي كان قبل عام 2011 يتراوح بين "48" و"50" ليرة سورية مقابل الدولار الأمريكي الواحد ليتجاوز عشرين ضعفاً في ظل الحرب وقلة الموارد وانعدام الأمان وفرص العمل ما يفرض حث الخطى والعمل بجدية لإيجاد حل سياسي لتسوية القضية السورية، وذلك لأن الحرب الاقتصادية مرتبطة بالملف السياسي للقضية لا بالملف العسكري لارتباطها العضوي بالظروف التالية:
كل هذا يشير إلى أننا أمام حل وحيد لا ثاني له وهو إيجاد مخرج للأزمة السورية والسعي الجدي في الحل السياسي والتسوية السياسية بدءاً من اللجنة الدستورية وانتهاءً بفتح ملفات إعادة الإعمار حتى يتسنى للبلد أن ينهض من جديد وتخليص المواطن السوري من عذاباته
أولاً: الظروف الداخلية: تعاني البلاد من بطء شديد في العجلة الاقتصادية لعدم الاستقرار على المستوى السياسي وفقدان المشاريع التنموية والخطط الاقتصادية المستقرة على جميع الصعد والقطاعات الزراعية والصناعية والتجارية يضاف إليها الحصار الاقتصادي المفروض من الجانب الدولي ومعظم الدول المتقدمة، ما جعل الاقتصاد السوري متأرجحاً والليرة السورية غير مستقرة تأرجحاً انعكس وما زال ينعكس بشراسة على المواطن السوري الذي لم يعد قادراً –في ظل كساد سوق العمل– على مواكبة الغلاء الفاحش الذي يرتبط وبشكل مباشر بمسألة صرف الليرة أمام الدولار حتى صار المواطن السوري تحت رحمة هذه الحرب الاقتصادية المستعرة من جهة وتحت بطش جشع التجار من جهة أخرى فأغلق كثير من صغار التجار محالهم التجارية وفقدت كثير من المشاريع الصغيرة القدرة على تمويل نفسها وتحولت إلى خسارة فادحة، كما أن سعي الشباب بات أكثر إلحاحاً في طلب الهجرة والخروج من واقعٍ اقتصادي مزرٍ لا يمكن معه حتى تأمين قوت اليوم.
ثانياً: الظروف الإقليمية: ازدادت الحرب الاقتصادية ضراوةً وانعكاساً مباشراً على المواطن السوري وحالته الاقتصادية بعد اشتعال الوضع في لبنان ودخوله مرحلة الركود الاقتصادي بعد الاحتجاجات الأخيرة في الشارع اللبناني، ولا يخفى على المدقق في الوضع اللبناني ما خسره الاقتصاد السوري بسبب ركود الاقتصاد في لبنان على المستوى الحكومي، ولكن فداحة الأمر على المستوى الشعبي لا تقل سوءاً منها على المستوى الحكومي؛ إذ إن آلاف العائلات السورية كانت تعتمد في معيشها وتحمل تكاليف الحرب الباهظة طيلة السنوات السابقة على عمالة أبنائها في لبنان وما يتم تحويله لتلك العائلات من مبالغ مالية تسد حاجتها وتحمل عنها قدراً كبيراً من العناء وشظف العيش، إلا أنها اليوم فقدت تلك الورقة وبات العمال السوريون في لبنان عرضة للجوع والتشرد بعد أن توقفت أعمالهم بتوقف الاقتصاد اللبناني، وأصبحوا بحاجة لمن يعيلهم بعد أن كانوا هم المعيلين، بل أنهم تحولوا إلى مدينين وبالدولار لا بالليرة السورية, كما يضاف إلى ذلك أوضاع العراق الذي كان في مرحلة سابقة نافذة –وإن كانت على نطاق ضيق– لبعض التبادلات التجارية المحدودة على الرغم من أنها كانت تتم عبر معابر غير نظامية تسيطر عليها قسد في شمال شرقي سوريا، إلا أنها كانت تسهم ولو بقدر ضئيل في خلق فرص تجارية ومبادلات اقتصادية يقتات عليها الآلاف من أبناء تلك المناطق، إلا أنها فقدت اليوم باضطراب الأوضاع في العراق ما أسهم بفقدان باب من أبواب الحلول الاقتصادية الإسعافية أو المؤقتة التي كان يلوذ بها المواطن السوري.
ثالثاً: الظروف الدولية: كانت وما زالت القضية السورية بكل ملفاتها على طاولة المباحثات الدولية والسياسية بل وحتى العسكرية أما على المستوى الاقتصادي فإن سوريا تخضع لعقوبات اقتصادية أمريكية وغربية بل وشبه حصار اقتصادي يحرمها من حرية الاستيراد والتصدير أو إبرام الاتفاقات الاقتصادية، ما جعلها تضطر لاستيراد المواد الأولية أو البضائع التجارية بطرق التفافية على الحصار المضروب عليها وبتكاليف مضاعفة، يضاف إلى ذلك فرض العقوبات الاقتصادية التي طالت حلفاء وجوار الحكومة السورية كالعقوبات على إيران التي باتت في وضع بداية انهيار الاقتصاد ولم تعد قادرة على مد حلفائها السوريين كما كانت تفعل من قبل بالمشتقات النفطية أو حتى المساعدات الاقتصادية المباشرة من القطع الأجنبي، وكذلك فرض العقوبات الأمريكية على روسيا التي وإن كانت خفيفة الوطأة على الدولة الروسية، إلا أنها تحجّم قدرَ المساعدات الاقتصادية للحكومة السورية ما جعل الوضع الاقتصادي في سوريا مهدداً بالانهيار بأي لحظة يدفع ضريبتها المواطن السوري الذي بات على عتبات إتمام عقده الأول من فواتير الدم، وقد بدأ بدفع فواتير لقمة العيش.
كل هذا يشير إلى أننا أمام حل وحيد لا ثاني له وهو إيجاد مخرج للأزمة السورية والسعي الجدي في الحل السياسي والتسوية السياسية بدءاً من اللجنة الدستورية وانتهاءً بفتح ملفات إعادة الإعمار؛ حتى يتسنى للبلد أن ينهض من جديد وتخليص المواطن السوري من عذاباته، وهو الذي بات اليوم في ظل انهيار الليرة أمام الدولار وفقدانها لقيمتها بغض الطرف عن كثير من ضروريات حياته، بدءاً بحليب الأطفال وانتهاءً بتعليمهم والعمل على إعدادهم للهجرة؛ لتصبح الحرب الاقتصادية بل حرب الدولار مقصلة لا تقل شراسة عن مقصلة الحرب والإرهاب.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة