اللافت في حوارات الغرب مع إيران خلال العقود الأربع الماضية عموماً حول مستقبل استقرار المنطقة هو تهميش أو تجاهل الدول الخليجية
كان معالي الدكتور أنور قرقاش وزير الدولة للشؤون الخارجية صريحاً وشفافاً عندما طالب النظام الإيراني، في كلمته التي ألقاها يوم الأحد الماضي في "ملتقى أبوظبي الاستراتيجي السادس"، بالجلوس إلى طاولة المفاوضات والتفاهم لأن دولة الإمارات مقتنعة بأنه يمكن للدبلوماسية أن تنجح في نزع فتيل الحرب ولغة التشدد والتصعيد وألا يقتصر هذا الجلوس الإيراني على الدول الكبرى فحسب وإنما من المهم أن تشمل تلك الحوارات دول مجلس التعاون لدول الخليج العربي.
اللافت في حوارات الغرب مع إيران خلال العقود الأربع الماضية عموماً حول مستقبل استقرار المنطقة هو تهميش أو تجاهل الدول الخليجية، وآخر تلك الاتفاقيات كان الاتفاق النووي عام 2015 الذي تفاجأت به هذه الدول، واليوم هي سبب رئيسي في الأزمة الدولية التي تعيشها المنطقة. ولعل السبب يرجع إلى الغطرسة الإيرانية التي تطرح فكرة الحوار والتفاوض مع الدول الخليجية عندما تعيش أزمة مع الدول الكبرى، في غياب الضلع الثالث من "مثلث استقرار المنطقة" وهي: الدول الخليجية وإيران والغرب.
ومن حيث منطق العلاقات الدولية فإن تجاهل أياً من أطراف معادلة التفاوض - للدول الخليجية - لا يخدم العملية لأن هناك طرفاً رئيسياً يتم تهميشه بتعمد، فإذا كانت علاقة الغرب الاستراتيجية التي تربطها بدول "التعاون" تفترض منها إشراكهم والأخذ برأيهم في اتفاق يمكن التوصل فيه مع إيران المسبب لكل هذه الأزمات، فإن على الجار الإيراني الذي دائماً ما يطرح مبادرات التعاون مع الدول الخليجية يفترض منه أن يبدي مرونة وفهماً سياسياً لحاجات المنطقة والتفاهم مع هذه الدول بدلاً من استخدام تلك المبادرات باعتبارها "طوق" نجاة في حالة الأزمات الداخلية والعقوبات الدولية التي تطبق عليهم، كما يحدث الآن.
كل الأزمات والمآزق السياسية التي يضع فيها النظام الإيراني نفسه سواء مع جواره أو المجتمع الدولي مثل السعي للحصول على السلاح النووي أو التمدد في الدول العربية قضايا يمكن حلها بالتفاوض والدبلوماسية بشرط توفير الأرضية المناسبة والمتمثلة في الابتعاد عن الغطرسة والفوقية في التعامل مع جيرانه.
وإذا كان الغرب حالياً يركز في ضغوطه على النظام الإيراني من أجل البرنامج النووي والصواريخ الباليستية بعد فشل الاتفاق النووي، فإن ما يستفز الخليجيون أن الطرفين - الغرب وإيران - يلقون بتبعات الفشل ونتائجها السلبية على الدول الخليجية، حيث إن النظام الإيراني حاول استغلال الصفقة لتمدد نفوذه في الدول العربية وإثارة الفوضى فيها مثل العراق واليمن في الوقت الذي فيه الغرب هو أكبر المتضررين من تلك السياسات لأنها تضر بمصالحه في المنطقة وحلفائه التقليديين وبالتالي تتطلب الأمر من الخليجيين التعاون مع الغرب لتطبيق عقوبات ضد إيران وتحول الخلاف الغربي - الإيراني ليكون في الساحة الخليجية مع أنه لم يكن طرفاً فيها ولكنه للأسف بحكم المصالح الدولية والجوار الجغرافي تتأثر دول الخليج.
يفهم من تصريحات معالي الدكتور قرقاش أن أهمية التشاور مع دول الخليج هو: لمصلحة الجار الإيراني أولاً ذي الطموحات السياسية غير القابلة للتطبيق في وقتنا الحاضر إلا من باب تصدير الأزمات الداخلية للخارج لكن مع تطورات الوضع السياسي في الإقليم لم يعد الفهم كما كان. ويفهم من تلك التصريحات أيضاً أنها لمصلحة الصديق الغربي الذي لديه مصالحه الاقتصادية والاستراتيجية مع دول المنطقة التي يقلقها كثيراً السياسات الإيرانية. ومع أنها باتت لديها قناعتها الخاصة بالدفاع عن مصالحها وعدم الاتكال على الغرب كما حدث في اليمن عندما منعت التمدد الإيراني هناك إلا أنها تحتاج هذه الدول الخليجية إلى علاقات مع الدول الكبرى؛ لأن التحديات تحتاج إلى تعاون الجميع خاصة في ظل حالة عدم الوضوح التي تجتاح المنطقة.
البعض يرجع سبب تجاهل الغرب مواقف الدول الخليجية أو بالأصح سبب الفوضى إلى أعضائه وأن استغلال إيران حالة الفراغ السياسي أدى لأن يكون ممثلاً عنها في المنطقة لكن هذا الاتهام مردود عليه من باب أن تغيرات الاستراتيجية الأمريكية التي بدأت من إدارة بوش الابن من خلال الانسحابات من المنطقة لا يمكن أن تفسر بريئاً من باب معرفتهم لطبيعة التنافس في المنطقة خاصة أن إدارة أوباما وضحت الكثير من التغيرات في المواقف الأمريكية التي كانت مفاجأة لأهل المنطقة ودون التمهيد السياسي لدول المنطقة كأنها تفعل ذلك بناء على اتفاقات أو الصفقات التي تتم بعيداً عن الخليجيين. اليوم هناك طرح من أن يتجه الرئيس ترامب إلى التفاوض مع النظام الإيراني.
ما نريد التأكيد عليه هنا نقطتين، الأولى: أن كل الأزمات والمآزق السياسية التي يضع فيها النظام الإيراني نفسه سواء مع جواره أو المجتمع الدولي مثل السعي للحصول على السلاح النووي أو التمدد في الدول العربية قضايا يمكن حلها بالتفاوض والدبلوماسية بشرط توفير الأرضية المناسبة والمتمثلة في الابتعاد عن الغطرسة والفوقية في التعامل مع جيرانه.
النقطة الثانية: ينبغي أن يكون للدول الخليجية صوت مسموع في كل الترتيبات السياسية التي تتم بشأن المنطقة وأعتقد أن الطرفين، الغرب وإيران، على قناعة اليوم بأهمية سماع رأي هذه الدول التي أوجدت لنفسها مكانة في السياسة الدولية وإلا فإن اتفاقاتهم البينية لن يكتب لها النجاح ولن يكون مصيرها أفضل من الاتفاقيات السابقة لأنها غيبت طرفاً مهم في معادلة استقرار المنطقة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة