انتخابات إقليم تجراي.. مأزق دستوري وأزمة حكومية
على خلفية أزمة دستورية تعد سابقة، إذ لم تواجه إثيوبيا من قبل ظروفا تحتم عليها تأجيل الانتخابات
تشهد الساحة السياسة الإثيوبية حالة من السجال والشد والجذب، على خلفية إحالة البرلمان أزمة إجراء الانتخابات العامة إلى مجلس التحقيق الدستوري للفض في النزاع بشأن عقدها أم تأجيلها.
وترجع حالة الشد والجذب، لتي أطلت على المشهد السياسي، إلى الدستور الذي أغفل نقطة مهمة تتعلق بتحديد الخطوات اللازمة في حال انتهاء الولاية الشرعية للحكومة المنتخبة حيث لم يحدد الدستور ما يتخذ من إجراءات في حال عدم تمكن الحكومة القائمة من إجراء الانتخابات في موعدها لأي طارئ، قد يواجه البلاد.
وقرر مجلس الانتخابات الإثيوبي "هيئة دستورية مستقلة"، في الـ31 من مارس/آذار الماضي تأجيل إجراء الانتخابات العامة جراء فيروس كورونا.
وكانت الانتخابات مقررة في 29 أغسطس/آب المقبل، ليقود هذا التأجيل الساحة السياسية إلى حالة من الشد والجذب والاحتقان ما بين معارض ومؤيد للخطوة.
وتعد هذه الأزمة، التي أطلت برأسها على المشهد الإثيوبي، سابقة سياسية ودستورية، حيث لم تواجه إثيوبيا من قبل ظروفًا تحتم عليها تأجيل الانتخابات.
وفي الخامس من مايو/أيار الحالي، صادق البرلمان الإثيوبي على إحالة طلب تفسيرات دستورية بشأن إجراء الانتخابات في ظل التأجيل بسبب جائحة كورونا إلى مجلس التحقيق الدستوري للبت فيه.
ومجلس التحقيق الدستوري مكون من 11 عضوا ترأسه رئيسة المحكمة الفيدرالية العليا ونائبها و6 خبراء قانونيين عينهم الرئيس الإثيوبي وثلاثة أعضاء من المجلس الفدرالي وهو هيئة دستورية قانونية تتبع المجلس الفيدرالي حيث يختص دون سواه في مراقبة الدستور والفض في المنازاعات الدستورية.
سجال سياسي
وعلى إثر هذه الخطوات المتسارعة من حزب الإزدهار الحاكم بزعامة ،آبي أحمد، في تسريع عملية الخروج من الأزمة الحالية بإحالة ملف الانتخابات إلى البرلمان ومن ثم مصادقة البرلمان على طلب التفسيرات الدستورية من بين أربع خيارات أخرى إلى مجلس التحقيق الدستوري تصاعد الخلاف بين الأحزاب السياسية والحزب الحاكم مابين معارض للخطوة ومطالب بتشاور سياسي لتشكيل حكومة وحدة وطنية وآخر قرر إجراء انتخابات في إقليمه بمعزل عن الانتخابات العامة.
وتصدر هذا الاتجاه جبهة تحرير تجراي، التي قادت المشهد السياسي في إثيوبيا منذ العام 1991 وانتهت قيادتها فعلياً بوصول آبي أحمد، إلى سدة السلطة إبريل/نيسان 2018، وتأسيسه تحالفاً جديداً بقيادة حزب الازدهار أعلنه في ديسمبر/كانون الأول الماضي.
مشروعة أم محاولة لإرباك المشهد
إقليم تجراي هو أحد الأقاليم الإثيوبية التسعة ويتمتع بحكم شبه ذاتي ضمن النظام الفيدرالي المتبع في البلاد.
ويحكم هذا الإقليم جبهة تحرير تجراي، قائدة الإئتلاف السابق والتي قررت إجراء انتخابات في إقليمها بمعزل عن الانتخابات العامة المؤجلة بسبب جائحة كورونا.
حاكم إقليم تجراي ورئيس حزب الجبهة،دبرصيون جبراميكائيل،أعلن عن تمسكهم بإجراء انتخابات في الإقليم.
واعتبر تأجيل الانتخابات بسبب كورونا غير دستوري، وقال إنهم سيجرون الانتخابات في موعدها أي قبيل انتهاء الفترة الدستورية للحكومة الحالية في الـ11 من أكتوبر/تشرين الأول المقبل.
وتفاخر الجبهة بأن الدستور الحالي يعتبر أحد إنجازاتها خلال قيادتها للحكم في إثيوبيا 1991-2018.
وأوضح جبراميكائيل، أن تمسكهم بإجراء الانتخابات بمعزل عن الانتخابات العامة المؤجلة يمنحه الدستور.
وقال سيتم إجراء الانتخابات ودعوة مجلس الانتخابات لعقدها ومراقبتها وستشارك بها الأحزاب السياسية المعارضة في إقليم تجراي مع الحفاظ على التوجيهات والإرشادات المتعقلة بفيروس كورونا.
وحول مشروعية إجراء انتخابات إقليمية في إثيوبيا وفقا للدستور، يرى المحامي والخبير القانوني الإثيوبي، مولالينج ملسي، خطوة جبهة تحرير تجراي تصعيدية وغير دستورية.
ويضيف، في حديث لـ"العين الإخبارية"، أن الدستور الإثيوبي يمنح حكومات الأقاليم حق طلب إجراء انتخابات محلية تشترط موافقة وإشراف مجلس الانتخابات وهو ما لم يتوفر فيما تتجه إليه جبهة تحرير تجراي التي قررت إجراء الإنتخابات دون الحصول على موافقة مجلس الانتخابات،
واعتبر ملسي، خطوة الجبهة تندرج في إطار ممارسة الضغوطات على الحكومة الفيدرالية وإرباكها دستوريا بغرض إجبارها على التفاوض معها وإعادة هيبتها في المشهد السياسي الذي افتقدته بوصول آبي أحمد للسلطة .
ويوضح خبير القانوني الإثيوبي أن مجلس الانتخابات الفيدرالي هو السلطة الوحيدة المخولة بإجراء الانتخابات الوطنية بطريقة محايدة وفق الدستور، ولا تتمتع الحكومات الإقليمية بسلطة إنشاء مجالس انتخابية مستقلة.
وقال إنه في حال أرادت جبهة تحرير تجراي الإقدام على هذه الخطوة لتنفيذ قرارها بإجراء الانتخابات فإنها ستتنافى مع الدستور وتترتب عليها تبعات دستورية.
ويضيف أن هذا يعني أن جميع الولايات الإقليمية لا تملك السلطة لإجراء الانتخابات خارج مجلس الانتخابات الفيدرالي.
بدوره قال أرون ديغول، خبير القانونون الإثيوبي، إنه ينصح الأقاليم بعدم الإقدام على خطوات تقوض الدستور.
وأضاف ديغول، في حديث لـ"العين الإخبارية:، أنه يرى قرار جبهة تحرير تجراي بإجراء انتخابات في ظل تفشي وباء كورونا وإعلان الحكومة الفيدرالية حالة الطوارئ أمر يخالف الدستور.
وأشار إلى أن الدستور الإثيوبي لايسمح للأقاليم إجراء الانتخابات لأنها من سلطة الحكومة الفيدرالية بالتالي على الأقاليم عدم الإقدام على مثل هذه الخطوات التي تقوض الدستور.
وتابع أن التوتر السائد بين الجبهة وحزب الازدهار الحاكم يرجع لأسباب سياسية لذلك يجب عدم الدخول في نفق أزمات غير دستورية في المرحلة الراهنة وتجنيب البلاد تعباتها.
وتعيش إثيوبيا حالة من الشد والجذب السياسي بين مختلف الأحزاب السياسية بشأن الأزمة الدستورية المتعلقة بإجراء الإنتخابات في موعدها من عدمه.
وأصبح الاستقطاب السياسي والاجتماعي في أعلى درجاته بين مختلف الأحزاب منها من يطالب بتشكيل حكومة انتقالية لحين انتهاء الأزمة، وهو ما قوبل بالرفض من رئيس الوزراء الإثيوبي.
فيما ترى بعض الأحزاب الصغيرة أن الأزمة الدستورية الراهنة تمثل فرصة لها للظهور قبل الانتخابات واستعراض قدراتها خلال هذه المرحلة.
وفى خضم هذا السجال السياسى الذي تشهده إثيوبيا يرى مراقبون أنه لا حل للوضع سوى الجلوس للحوار للخروج بتوافق سياسي يجنب عواقب هذا التوتر السائد بين الحكومة والأحزاب.
ويقول محمد عيسى، المحلل السياسي، إن الخروج من المأزق الذي دخلت فيه الساحة السياسية يتطلب الجلوس إلى طاولة الحوار، وخاصة مع جبهة تحرير تجراي التي حددت مصيرها بإجراء انتخابات في إقليمها.
واستبعد عيسى، في حديث لـ"العين الإخبارية"، دخول آبي أحمد، الحائز على جائزة نوبل للسلام، في مواجهة حرب مع جبهة تحرير تجراي.
ودعا العقلاء من قادة جبهة تحرير تجراي إلى خفض التصعيد مع الحكومة الفيدرالية من أجل تجنيب البلاد عواقب هذا التوتر الذي يؤدي إلى نسف استقرار البلاد.
وناشد،عيسى، الشخصيات القومية المستقلة للقيام بمبادرة توافقية تجمع ما بين حكومة آبي أحمد وقوى المعارضة على طاولة لحل الأزمة في مهدها قبل أن تتفاقم بفعل المواقف المتصلبة وإصرار كل طرف على مواقفه.
ومنتصف فبراير/شباط الماضي، أعلن مجلس الانتخابات الإثيوبي إجراء الانتخابات العامة في 29 أغسطس/آب المقبل، وذلك بعد مشاورات أجراها المجلس مع مختلف الأحزاب السياسية في البلاد.
لكنه عاد وأعلن تأجيل إجراء الانتخابات العامة بسبب تفشي فيروس كورونا في الـ31 من مارس/آذار الماضي إلى موعد غير محدد، وصادق البرلمان الإثيوبي على قرار المجلس بالتأجيل.
ويبلغ عدد الأحزاب السياسية في البلاد أكثر من 107 أحزاب غير أن المسجل منها لدى مجلس الانتخابات الإثيوبي لا يتجاوز الـ67 حزبا.
وتتبع إثيوبيا نظام الجمهورية البرلمانية الفيدرالية، ويمثل رئيس الوزراء رئيس الحكومة والسلطة التنفيذية.