"الشفتة".. روبن هود إثيوبي ضل الطريق وهدد العلاقة مع السودان
عصابات الشفتة ظلت لسنوات تحمل عبء الدفاع عن المظلوم قبل أن تتحول للنهب والسلب وتمثل خطرا على علاقات إثيوبيا بالسودان.
بعد سنوات من ارتداء عباءة روبن هود، باتت الشفتة الإثيوبية منذ خمسينيات القرن الماضي شوكة في خاصرة العلاقات بين الخرطوم وأديس أبابا، وقد عادت مؤخرا لواجهة المشهد من جديد مع تصاعد خلاف حدودي بين البلدين.
والشفتة بكسر "الشين" مصطلح إثيوبي يعني عصابات متمردة خارجة عن القانون، وقد كانت تلك العصابات محور أزمة قبل نحو أسبوعين بين الخرطوم وأديس أبابا، حينما أعلن الناطق الرسمي للقوات المسلحة السودانية العميد الركن دكتور عامر محمد الحسن أن مليشيات إثيوبية مسنودة بالجيش واصلت تعديها على أراضي وموارد بلاده.
ومثل التوتر الأخير انتكاسة في مسار العلاقات بين الخرطوم وأديس أبابا قبل أن ترد الأخيرة بدعوة السودان إلى إجراء تحقيق مشترك لاحتواء أزمة التوتر الحدودي التي شهدها البلدان لتجنب التصعيد.
عصابات الشفتة:
وكلمة الشفتة هي مصطلح إثيوبي يطلق على المتمرد أو الخارج عن القانون الذي رفض الانصياع لأمر ما أو قانون ما، وهؤلاء يعيشون في مجموعات في مناطق يصعب وصول القوات النظامية إليها، كالغابات والأحراش التي تكون بعيدة عن المدن الرئيسية خاصة المناطق الحدودية التي تكون نقطة خلاف بين المدن والأقاليم الأثيوبية المختلفة.
ويعود ظهور الشفتة إلى عهد الأباطرة والأنظمة الإقطاعية في إثيوبيا، لكنها اشتهرت بالتواجد على الشريط الحدودي بين السودان وأثيوبيا في إقليمي أمهرا وتجراي على الجانب الإثيوبي وولاية القضارف السودانية التي تحاذي الإقليمين الإثيوبيين.
وغالبية أفراد تلك العصابات ممن تعرضوا لظلم مسؤولين كبار وبعضهم ملاحق بأحكام قضائية ما يدفعهم للفرار إلى مناطق نائية.
وللشفتة قائد أول وفرسان وهم يتحركون في مجموعات كل حسب المنطقة التي يتواجد بها .
ميثاق شرف:
وللشفتة الإثيوبية في السابق ميثاق شرف يتعاهدون عليه فيما بينهم، أبرز نقاطه عدم التعدي على المدنيين ودعمهم في مواجهة بطش المسؤولين.
ومن بين أعضاء الشيفتة شخصيات لعبت أدورا تاريخية في إثيوبيا أمثال القائد رأس الولا أبا نقا، والإمبراطور تيدروس الثاني، وغيرهم من كبار الشخصيات الأثيوبية التي تمردت علي حكومات الأباطرة الإثيوبين، وحققوا نصرا عليهم فضلا عن قادة عسكرين وأباطرة حكموا إثيوبيا لسنوات وسجلت أسمائهم في تاريخ البلاد.
وبنزعة تذكر بربن هود يرى الشفتة أن ما يقومون به من أنشطة ضد الأباطرة والحكام عمل بطولي ونوع من الفروسية، لذا تجد العديد من الشعراء والمغنين تناولوا بطولات الشفتة في أعمالهم ومجدوا مواقفهم .
لكن هذه القيم اندثرت بفعل مرور الزمن وأفرغت قيم الشفتة من جوهرها كما ساهم التحاق مجموعات متطرفة من مختلف القوميات في التغييرات الجوهرية التي طالت ثقافة الشفتة ومبادئها.
وبعد نصرة المظلوم باتت الشفتة كغيرها من العصابات تعتمد على النهب والسطو على المدن والريف والطرق الرئيسية في مختلف أنحاء البلاد لكنها ظلت خطرا يهدد الحكومات المتعاقبة في إثيوبيا .
الشفتة وحركات التحرر في إثيوبيا:
وعلى مر التاريخ السياسي الإثيوبي انضمت العديد من مجموعات الشفتة لحركات التحرر الوطني الذين تمردوا على حكومات إثيوبيا المتعاقبة منها "النظام الإمبراطوري 1913-1974 والنظام العسكري السابق 1974- 1991.
وساهم أفراد الشفتة في دعم هذه الحركات من خلال من خبراتهم القتالية ومعرفتهم بكل المخابئ والمناطق الوعرة والغابات والأحراش، ومنهم من حارب ضد الغزو الإيطالي في معركة عدو الشهيرة عام 1896، وكذلك في الفترة الثانية التي حاولت إيطاليا فيها غزو إثيوبيا بين عامي 1935 و1941.
من دور البطولة لمستنقع الجرائم
ومع التغييرات التي طالت ثقافة الشفتة باتت تلك العصابات مصدر إزعاج للسلطات في إثيوبيا وسببا في خلافات مع السودان بعد أن عمدت تلك العصابات لإثارة إشكاليات بتعدياتها على الأراضي السودانية.
وتشهد فترات الإعداد للموسم الزراعي والحصاد بين أثيوبيا السودان في المناطق الحدودية اختراقات وتعديات من عصابات الشفتة على الأراضي السودانية على مدار العقود الثلاثة الماضية بهدف الاستيلاء على المال والموارد.