إثيوبيا تودع حرب العامين.. ترتيبات أمنية ونزع السلاح على طريق التفعيل
بعد مفاوضات "شاقة" نجح حوار احتضنته جنوب أفريقيا بين الحكومة الفيدرالية وجبهة تحرير تيغراي، في الاتفاق على أسس لإنهاء حرب العامين.
تلك المفاوضات التي استمرت 10 أيام توجت يوم الأربعاء الماضي بتوقيع اتفاق سلام، كان أبرز بنوده وقف العدائيات ونزع سلاح جبهة تحرير تيغراي وتسريح وإعادة دمج قواتها.
ومن جنوب أفريقيا إلى كينيا المجاورة، بدأ الطرفان، اليوم الإثنين، اجتماعات لبدء مناقشات حول عملية نزع جبهة تيغراي السلاح في هذه الأخيرة.
وقال مصدر حكومي إن كبار القادة العسكريين من الجانبين اتفقوا على الاجتماع يوم الإثنين في نيروبي بكينيا لمناقشة نزع سلاح قوات جبهة التحرير الشعبية لتحرير تيغراي، وفقا لاتفاق السلام الموقع في جنوب أفريقيا يوم الأربعاء الماضي.
اجتماع نيروبي
يأتي الاتفاق على اجتماع نيروبي، بعد محادثات هاتفية بين القائد العام لقوات دفاع تيغراي الجنرال تاديسي ويريدي ورئيس الأركان العسكرية الإثيوبي الجنرال بيرهانو جولا.
ويعد هذا أول اجتماع بين رئيس أركان قوات الجيش الإثيوبي برهانو جولا، والقائد العسكري لمقاتلي جبهة تحرير تيغراي وريدي في نيروبي، بحضور الممثل الأعلى للاتحاد للقرن الأفريقي، رئيس نيجيريا السابق أولوسيغين أوباسانغو، والرئيس الكيني السابق أوهوركينياتا.
وسيناقش المجتمعون ما توصلت إليه الحكومة الإثيوبية وجبهة تحرير تيغراي في اتفاق السلام، على نزع سلاح مقاتلي الجبهة الخفيف والثقيل خلال 30 يوماً من التوقيع، على أن تفرض الحكومة الإثيوبية سيطرتها الأمنية والعسكرية والمدنية على كامل الإقليم وعلى الحدود مع الدول المجاورة.
ومن المقرر أن يناقش الاجتماع وضع آليات لنزع سلاح الجبهة لإسكات صوت السلاح بطريقة متفقة بين الجانبين وتحت قيادة الاتحاد الأفريقي، فيما يظل من غير الواضح ما إذا كانت الولايات المتحدة ستحضر اللقاء "بصفة مراقب".
ولكن؟
لم تتطرق اتفاقية السلام إلى وضع ما يعرف بـ"منطقة والقايت"، والتي كانت أبرز الشروط المسبقة التي فرضتها جبهة تيغراي، قبل بدء أي محادثات سلام مع حكومة أديس أبابا، لتظل هذه المنطقة الاستراتيجية نقطة تحقيق أي عملية سلام دائمة بشمال إثيوبيا خاصة إقليمي تيغراي وأمهرة.
فمنطقة "والقايت" المتنازع عليها تعد من أخصب الأراضي الزراعية التي ترتبط بحدود شاسعة مع دولتي إريتريا والسودان غربا، وتشكل معضلة كبيرة بإيجاد حل جذري لها.
وتمثل المنطقة مصدر انتقاد كبير لجبهة تحرير تيغراي من قبل أنصارها، وهو ما بدا واضحا في تظاهر مهاجري إقليم تيغراي في الولايات المتحدة، يوم الأحد، في منطقة سياتل الأمريكية ضد اتفاق السلام.
ويرى العديد ممن تظاهروا ضد اتفاق السلام أنه "خيانة كبرى" من قادة جبهة تحرير تيغراي بتسليم السلاح لقوات الجيش الإثيوبي والسماح للحكومة الفيدرالية بالسيطرة على كامل الإقليم.
في المقابل أعرب قطاع واسع من سكان إقليم تيغراي عن فرحتهم باتفاق السلام الذي جاء في وقت يعاني فيه مواطنو تيغراي من انعدام الخدمات الأساسية التي خلفتها الحرب.
عثرات على طريق الاتفاق
ويتخوف المراقبون من حدوث انشقاقات وسط قادة جبهة تحرير تيغراي بالميدان فضلا عن المقاتلين، الذين يعارضون هذا الاتفاق، ويرونه "استسلاما بالكامل"، وتنازلا عن شروط كانت الجبهة فرضتها، بينها: الحفاظ على قواتها وسلاحها وإدارة إقليم تيغراي، فضلا عن استعادة منطقة والقايت المتنازع عليها من الحكومة الإثيوبية والقوات الخاصة لحكومة إقليم أمهرة وهو ما لم يحدث.
وإلى ذلك، قال المهتم بالشأن الإثيوبي عبدالباسط علي إن اتفاق السلام بين الحكومة الإثيوبية وجبهة تيغراي خطوة كبيرة، وحدث تاريخي المستفيد الأول منه شعب تيغراي الذي يعاني لأكثر من عامين من انقطاع تام لخدمات الكهرباء والبنوك والاتصالات مع حالة إنسانية بالغة تسببت بها الحرب بين طرفي الصراع.
وأكد علي، في حديث لـ"العين الإخبارية"، ضرورة العمل على تنفيذ الاتفاق، وعدم الالتفات لمن يحاولون التقليل منه أو من يدعي أنه المنتصر، مشيرًا إلى أن المنتصر في هذا الاتفاق هو شعب تيغراي والشعب الإثيوبي.
أسباب قرار تيغراي
وحول أسباب موافقة جبهة تحرير تيغراي على نزع سلاحها، قال المهتم بالشأن الإثيوبي إن الأمر كان متوقعا، لكن على قادة الجبهة إقناع قادتها ومقاتليها بأهمية إنهاء الصراع والالتفات لشعب تيغراي الذي يجب إنهاء معاناته.
وأشار إلى أن ما جرى التوافق بشأنه كان يمكن أن يجري عند بدايات انفجار الصراع الذي كان جوهره الأساسي رفض الجبهة الاعتراف بالانتخابات التي أجرتها الحكومة الإثيوبية التي يقودها حزب الازدهار الحاكم واعتبرتها غير شرعية.
فيما يرى المهتم بالشأن الإثيوبي وندموألمو موافقة جبهة تحرير تيغراي على نزع سلاحها الذي كان مصدر أكبر قوتها في مواجهة حكومة أديس أبابا، إلى التسليم بالأمر الواقع للمواجهات العسكرية.
وأوضح ألمو، في حديث لـ"العين الإخبارية"، أن الجيش الإثيوبي وصل إلى عمق تيغراي، وفرض سيطرته على أغلب مناطق ومدن الإقليم على عكس جولات الحرب الأولى والثانية في عملية عسكرية يبدو أنها كانت مُعدة بطريقة مختلفة، استمرت لنحو شهرين دفعت فيها الجبهة بكامل قواتها، غير أنها لم تفلح في الوقوف أمام زحف الجيش الإثيوبي نحو عمق الإقليم.
كارثة إنسانية
وأشار إلى أن جبهة تيغراي غلبت المصلحة العامة وأوقفت الحرب وقررت نزع سلاحها لتجنيب كارثة إنسانية كبرى قد تحدث حال دخول وسيطرة الجيش الإثيوبي على عاصمة الإقليم مقلي، التي وصلها بالفعل ويحاصرها من كل الاتجاهات.
ألمو يرى أن قوات الجبهة كان أمامها خياران، إما القتال الشرس وسط المدنيين في مقلي وإن حدث ذلك ستكون كارثة كبرى، فيما كان خيارها الثاني التسليم بالمفاوضات وتجنيب شعب تيغراي المكلوم ويلات القتل والدمار.
المهتم بالشأن الإثيوبي اعتبر الخيار الذي اتخذته جبهة تحرير تيغراي بأنه "الصائب" يجب دعمه من مختلف مكونات الشعب الإثيوبي، مضيفا: يجب العمل على إعادة الأوضاع في إقليم تيغراي لمسارها الطبيعي باستعادة الكهرباء والبنوك والاتصالات والمساعدات الإنسانية.