دبلوماسيون أمريكيون يستبعدون وساطة جديدة في أزمة سد النهضة.. وواشنطن تعقّب

استبعد دبلوماسيون أمريكيون أن تنخرط إدارة الرئيس دونالد ترامب في أي مسار دبلوماسي جديد لحل أزمة سد النهضة بين مصر وإثيوبيا، رغم تصريحاته الأخيرة حول الملف.
وأوضح هؤلاء في تصريحات خاصة لـ"العين الإخبارية" من العاصمة الأمريكية واشنطن أن تصريحات ترامب لا تعكس نية حقيقية لتفعيل دور أمريكي، بقدر ما تعبر عن محاولة لمجاراة الموقف المصري ضمن حسابات جيوسياسية أوسع.
وقبل عدة أيام أعلن رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، افتتاح سد النهضة رسميا، فيما ردت مصر بخطاب إلى مجلس الأمن الدولي، يؤكد أن القاهرة "لن تغض الطرف عن مصالحها الوجودية في نهر النيل".
وقالت السفيرة الأمريكية السابقة لدى إثيوبيا، باتريشيا هاسلاش، إن "مفاوضات سد النهضة تبدو وكأنها وصلت إلى طريق مسدود، ومن الأفضل أن تبقى الولايات المتحدة خارج هذه المفاوضات".
وأضافت أن "تجربتنا السابقة في عهد إدارة ترامب لم تكن مفيدة، فقد افتقرنا إلى الحياد. أما قبل ذلك، فقد لعبنا دورا داعما دون انحياز لأي طرف".
وأوضحت هاسلاش، في تصريحات لـ"العيـن الإخباريـة" أن الولايات المتحدة "لا تمتلك تمويلاً مباشراً لمشروع السد، كما أنها لا تملك نفوذاً حقيقياً على الأطراف المعنية، سواء عبر صندوق النقد الدولي أو البنك الدولي أو غيرهما".
وعن تصريحات ترامب، التي اتهم فيها إدارة سلفه جو بايدن بأنها موّلت بناء سد النهضة، واصفاً ذلك التمويل بأنه "تمويل غبي"، قالت الدبلوماسية الأمريكية: "لا أعرف ما الذي قصده الرئيس ترامب، لكن ما أعلمه أن تمويل المشروع كان إثيوبياً بشكل كامل تقريباً".
وكان ترامب قد قال خلال لقائه الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو)، مارك روته، في البيت الأبيض، خلال وقت سابق، إن سد النهضة "يمنع تدفق المياه إلى مصر"، مشيراً إلى رغبته في "حل الأزمة بسرعة"، منوها إلى أن "الولايات المتحدة موّلت السد، وكان ذلك تمويلاً غبياً"، في تصريح لم تؤكده أية جهة رسمية أمريكية أو إثيوبية.
ورأت هاسلاش أن إدارة ترامب "قد تميل إلى دعم مصر في هذا الملف، كجزء من تفاهمات أوسع تشمل قضايا أخرى مثل الدعم المصري للجهود الأمريكية في غزة"".
لكنها شددت في الوقت نفسه على أن "تسوية هذا الملف تبدو بعيدة، خصوصاً في ظل تعقيدات إقليمية متزايدة، تشمل الأزمة في السودان، والصراع في الصومال، ومشكلة إقليم أرض الصومال"، وهي عوامل تُفاقم حالة الانقسام في المنطقة.
أما السفير تيبور ناجي، مساعد وزير الخارجية الأمريكي السابق للشؤون الأفريقية، فقال لـ"العيـن الإخباريـة" إن "الرئيس ترامب لا يبدو مطّلعاً على تفاصيل أزمة السد، بل يعبّر فقط عن انزعاج مصر من الأمر".
وأضاف أن "هذا أحد الأسباب التي تجعل الولايات المتحدة غير قادرة على لعب دور وسيط نزيه، لأن كفّتها قد تميل بطبيعة الحال نحو القاهرة".
وأكد ناجي أن "دول حوض النيل هي الأقدر على حل هذه المسألة، دون الحاجة إلى تدخل مباشر من واشنطن، خاصة وأن السد بات شبه مكتمل".
وفي أول تعليق رسمي من وزارة الخارجية الأمريكية، قال مسؤول كبير في الوزارة لـ"العيــن الإخباريـة" إن "الولايات المتحدة تدعم حلاً دبلوماسياً بشأن نهر النيل يلبي احتياجات جميع الأطراف".
ويضع ملف المياه مصر في قلب تحديات إقليمية متصاعدة، حيث يرى الرئيس عبد الفتاح السيسي أن هذه القضية تستخدم كـ"أداة للضغط" على القاهرة ضمن محاولات تحقيق أهداف سياسية أخرى. وفي السياق نفسه، شدد رئيس الوزراء مصطفى مدبولي على أن مصر مستهدفة ضمن تحركات أوسع لإعادة رسم خريطة المنطقة.
وبدأت أديس أبابا بناء سد النهضة في 2011 على النيل الأزرق، الرافد الرئيسي لنهر النيل، بهدف توليد الطاقة الكهربائية، ومنذ ذلك الحين، دخلت المفاوضات بين إثيوبيا ومصر والسودان في جولات متعددة، فشلت جميعها في التوصل إلى اتفاق ملزم بشأن ملء وتشغيل السد.
وفي عام 2020، دخلت الولايات المتحدة كوسيط في المفاوضات بطلب من القاهرة، لكن تلك الجهود توقفت بعد رفض إثيوبيا التوقيع على مسودة اتفاق أعدّته واشنطن والبنك الدولي، معتبرة أنها منحازة للموقف المصري.
وتتمسك القاهرة بضرورة إبرام اتفاق قانوني ملزم، ينظم عملية ملء وتشغيل السد الإثيوبي، بما لا يضر بمصالحها المائية، وجرت عدة جولات بين دولتي المصب (مصر والسودان)، والجانب الإثيوبي للتوصل إلى تفاهم بشأن تشغيل السد وتخزين المياه، لكنها لم تنجح في التوصل إلى اتفاق.
والسد الذي تصل سعته التخزينية إلى أكثر من 70 مليار متر مكعب، وتبلغ قدرته الإنتاجية الكهربائية حوالي 6,000 ميغاواط، أصبح مصدر توتر إقليمي دائم، ويخشى العديد من المراقبين أن تتفاقم الازمة بشكل يمكن أن يؤدي لمزيد من التوتر في القرن الأفريقي.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMTAg جزيرة ام اند امز