الإثيوبي نور خليفة يتحدى فقد البصر ويعمل فني إلكترونيات
الإثيوبي محمد نور خليفة يتطلع إلى تحقيق حلمه الذي عاش من أجله، وهو فتح مركز للهندسة الإلكترونية
"لا أستخدم جملة لا أستطيع، ولدي قناعة بمقولة من جد وجد"، هكذا يتحدث محمد نور خليفة الإثيوبي الذي تحدى فقدان بصره ليصبح فني إلكترونيات.
"خليفة" يبلغ من العمر 49 عاما، وهو إنسان متوسط القامة، بشوش الوجه، خفيف الظل؛ يتحدث إلى الجميع بكل بساطة ورضا، ويجبرك تمسكه بإيمانه وعزيمته في تحدي إعاقته على احترامه بشدة.
"العين الإخبارية" التقت "خليفة" في منزله بمنطقة كاسانجس وسط العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، ليسرد قصة تكاد تكون خيالية، غير أن ما شاهدناه كان واقعا.
"خليفة" أب لـ4 أبناء هم: محمد وعبدالرحمن وقمرية وثريا، وزوجته تدعى حوا علي إدريس، وقال إن قصته بدأت عندما تجاوز الـ12 عاما من عمره، حين فقد بصره.
لم يذكر "خليفة" سبب إصابته، لكنه اكتفى بقول: "أصبت بالعمى صدفة"، مشيرا إلى أنه تلقى تعليمه النظامي في مدرسة "سبتا" للمكفوفين بإقليم أوروميا، التي تبعد 25 كيلومترا عن العاصمة، ثم في منليك بأديس أبابا، وكانت ميوله منذ البداية أن يكون فني إلكترونيات، ومتخصص في ماركات "سوني" الياباينة.
لدي كراهية نحو مقولة "لا أستطيع"
يقول "خليفة" إنه يكره التحدث عن أنه كفيف البصر أو أنه "لا يستطيع"، ويؤكد قناعته بمقولة "من جد وجد"، وهذا سر نجاحه.
وأضاف: "منذ أن قُدّر لي الإصابة وفقدان البصر، قررت الاعتماد على نفسي في كل شيء، كنت أذهب إلى المدرسة وحدي، وعشت حياتي كلها بنفس الطريقة، إلى أن تزوجت ورزقت بأبناء، وهم يعاونونني الآن في الذهاب لقضاء بعض احتياجاتي، إنهم المصباح الذي يضيء طريقي".
راديو سوني كان البداية
بدأت رحلة "خليفة" مع صيانة الإلكترونيات، عندما تعطَّل راديو "سوني" اشترته له جدته ليتابع البرامج المُحبَّبة إليه في هذا الوقت، واضطر للذهاب لصيانته، لكن الفني طلب منه مبلغ 3 بر، وكان مبلغا كبيرا وقتها ولا يملكه، لأنه كان طالبا بالمدرسة، فعاد بالراديو إلى منزله دون أن يصلحه، فسأل نفسه: "لماذا لا أحاول أن أتفحصه بنفسي؟".
وقال "خليفة": "بدأت فتح الراديو وتفقده، فاكتشفت بالصدفة أن سلك رفيع قد انفصل عن مكانه المخصص، وتحسست ذلك وبدأت في إعادته لمكانه، لأفاجأ بأنني أصلحت الراديو".
وتحدث "خليفة" عن أول محاولاته لممارسة صيانة الأجهزة الإلكترونية، وقال إنها كانت قاسية، حيث اصطدم بـ"كلام جارح" من أحد الأشخاص طلب منه إصلاح جهاز تلفزيون قديم، كان بحالة غير جيدة، وأثناء صيانته سقطت بعض الملحقات الصغيرة على الأرض، فأخبر صاحب التلفزيون الذي استخف به وأسمعه كلاما أحزنه كثيرا.
ذكريات حزينة
وتابع "خليفة": "ذات يوم اتصلت بي امرأة من حي بولي، أحد الأحياء الراقية في العاصمة أديس أبابا، وطلبت إصلاح تلفزيون كان معطلا، فاستجبت لطلبها ، وبدأت فتحه، وأثناء إصلاحه سقط من يدي مفتاح على الأرض، فإذا بزوجها يدخل فجأة، ويجدني أبحث عن المفتاح بيدي"، فاندهش وقال له: "هل أنت أعمى؟"، فقال خليفة: "نعم".
هنا صاح الزوج وقال له: "كيف تقوم بصيانة جهاز وأنت لا ترى"، ودخل في شجار مع زوجته، كونها أتت بشخص أعمى، يقول خليفة.
وواصل: "تماسكت وقاومت غضبي، وأثناء مشاجرة الزوج مع زوجته، نجحت في تشغيل التلفزيون، ليصاب الجميع بالذهول، واعتذر لي الزوج، وهي من المواقف التي لن أنساها".
التكنولوجيا الحديثة
ظهور الأجهزة الإلكترونية الحديثة، وتنوع الماركات العالمية، واختفاء قطع غيار "سوني"، دفعت "خليفة" لترك مهنته، ليمارس الطب الشعبي، وهي مهنة قديمة، ورثها عن أهله، لا سيما وأنه كان قد حفظ القرآن الكريم".
وقال "خليفة" إنه رغم حبه الشديد لمهنة صيانة الأجهزة الإلكترونية، لكنه تركها بسبب الظروف التي فرضتها عليه العولمة، مشيرا إلى أنه يمارس الطب الشعبي، (التداوي بالأعشاب) في منزله المتواضع، لضمان العيش له ولأبنائه، موضحا أن هذا العمل يوفر له دخلا لا بأس به، ليعينه في حياته اليومية.
ويتطلع "خليفة" إلى تحقيق حلمه الذي عاش من أجله، وهو فتح مركز للهندسة الإلكترونية، ثم توسيع مهنته الحالية (الطب الشعبي)، معربا عن أمله في أن تتحقق هذه الأمنيات، من أجل تقديم خدماته "مجانا" للفقراء والمساكين.
وأعرب كذلك عن أمله في تقديم دورات تدريبية في المدرسة التي تلقّى تعليمه الأول بها، لمساعدة المكفوفين وإعانتهم في الاعتماد على أنفسهم.