مسرح "هجر فقر" الإثيوبي.. عقود من حب الوطن والتصدي للاستعمار
المسرح ظل منصة تنطلق منها الأعمال الفنية بمختلف قوالبها، كعروض ثقافية اجتماعية فنية عبر آلاتها الموسيقية التقليدية الإثيوبية
يعد مسرح "هجر فقر" مؤسسة إثيوبية ثقافية مستقلة تتغنى في حب الوطن منذ أكثر من 8 عقود، وُلدت في ظل محاولات الاستعمار الإيطالي لغزو البلاد، وظلت تعمل حتى الآن على ترسيخ قيم الوحدة بين الشعوب الإثيوبية.
تأسس المسرح عام 1935 في منطقة بياسا وسط العاصمة أديس أبابا، وإن كانت الحركة المسرحية في إثيوبيا بدأت في وقت مبكر منذ عام 1920 بصورة رسمية، بحسب مسؤول رفيع بالمؤسسة.
وقال يوهانس أفورق، مدير المسرح لـ"العين الإخبارية": "بدأ العمل بالمسرح في شكل جمعية لمجموعة من محبي إثيوبيا بأطيافهم المختلفة فنانين وشعراء وموسيقيين وكتاب ورجال دين إسلامي ومسيحي بهدف توعية المجتمع الإثيوبي من الغزو الايطالي".
وأضاف: "تميزت المجموعة المؤسسة ببعدها عن التمييز العرقي والديني، فقط جمعهم هم الوطن والتصدي للغزو الإيطالي وقتها"، مشيراً إلى أن الجمعية تكونت بعد الحرب الإيطالية الإثيوبية الأولى بعدة سنوات.
وجرت معركة عدوة الشهيرة في مارس/آذار عام 1896، والتي يحتفل بها سنوياً بالبلاد، فيما كان الغزو الإيطالي الثاني في الفترة ما بين 1935- 1941.
ومسرح "هجر فقر" وتعني بالعربية حب الوطن، بدأ عمله بنشر فكرته وسط المجتمع خلال محاولات إيطاليا لغزو إثيوبيا للمرة الثانية عبر الجارة الشمالية إريتريا، وهو ما زاد من أهمية دوره لنشر الوعي والحس الوطني من خلال الأغاني والدراما والشعر.
لكن مناشط المسرح لم تستمر طويلاً بالرغم من تأثيرها وحيويتها وتناسقها مع وضع البلاد وقتها، فبعد مرور 10 أشهر من انطلاقتها سرعان ما توقفت عقب وصول الجيش الايطالي إلى أديس أبابا ضمن غزوه لبعض مناطق البلاد، مما تسبب في توقف أنشطة الجمعية والتي كانت موجهة ضد الاستعمار وعدم السماح له بدخول البلاد.
واستشعر الإيطاليون خطورة أعضاء الجمعية، فبدأوا باستهدافهم مما دفعهم للالتحاق والانضمام للجماعات المناضلة ضد إيطاليا، بحسب ما أوضحه أفورق.
وقال بالرغم من أن عملهم تصدى للغزو الإيطالي فإن مدينة أديس أبابا سقطت في يد المستعمر الإيطالي واغتال بعض المشاركين في هذه الجمعية وسجن البعض منهم، وانضم البعض الآخر إلى المقاتلين ضد الاستعمار الإيطالي.
ولم تطل إقامة الإيطاليين بأديس أبابا سوى 5 سنوات، لتعاود الجمعية الثقافية للمسرح والموسيقى نشاطها عام 1941 بعيد خروج الجيش الإيطالي من العاصمة أديس أبابا، وتم إعادة فتح المسرح برئاسة منغشا كفلا، وفي غضون عام فقط قام المسرح بفتح فروع له في 5 مدن إثيوبية أخرى.
وقال أفورق إنه بعد قضاء الإيطاليين 5 سنوات في أديس أبابا حتى عام 1941، بدأت الجمعية مباشرة استئناف دورها المتمثل في العمل الفني بكل جوانبه في ترسيخ المفاهيم والقيم الوطنية وتعزيز دور المواطن في المشاركة الفاعلة بالبلاد.
وتحدث مفاخراً عن نشأة المسرح في تلك الفترة وامتلاكه لمقر، قائلاً إن الجمعية كانت تمتلك مقراً وسط العاصمة لعرض الفن المسرحي والأغاني الوطنية في وقت كان أغلب الكيانات الفنية في الدول الأفريقية لا تمتلك مقراً، مشيراً إلى أن "هجر فقر" يعتبر أول مسرح في المنطقة.
وبرزت من خلال أعمال المسرح أسماء وشخصيات فنية وثقافية شقت طريقها إلى العالمية وقدمت للوطن الكثير في مجال المسرح والشعر والفنون والآداب.
وظل المسرح منصة تنطلق منها الأعمال الفنية بمختلف قوالبها، كعروض ثقافية اجتماعية فنية عبر آلاتها الموسيقية التقليدية الإثيوبية.
وقال أفورق إن مسرح "هجر فقر" كان يلقب بالقصر الجمهوري الثاني في البلاد، لكثرة تردد المسؤولين الحكوميين من أسرة الملك والمواطنين والمثقفين والمهتمين.
ولم يقتصر دور الجمعية (المسرح) على الفن فحسب، وإنما أيضاً قدمت خدمات اجتماعية، حيث كانت تقدم خدماتها لحجاج بيت الله الحرام، من توفير التذاكر وتسجيل الحجاج.
وظل المسرح شامخاً يقدم رسالته الوطنية معتمداً على ما يقدمه أعضاء الجمعية من العروض أسبوعياً، وشهد تحديات كبيرة عبر الحكومات التي تعاقبت على البلاد.
والسبت الماضي، احتفل المسرح بالذكرى الـ85 لتأسيسه، مقدماً عروضاً ثقافية واجتماعية، بحضور عدد من الفنانين القدامى والجدد، الذي شاركوا بأغنيات وطنية ومسرحيات تراثية وفقرات شعرية وموسيقية ومعرض للتشكيليين.
وتطرق مدير المسرح إلى خططهم المستقبلية، قائلاً إن الإدارة تعتزم إجراء توسعات في المبنى بجانب القاعات القديمة التي من بينها قاعة تسع لأكثر من 845 مشاهداً، مؤكداً حرصهم على مواصلة العمل الفني وألا يفقد المسرح بريقه ودوره الذي تأسس من أجله.