بعد اتفاق ترامب.. هل تبتعد بوصلة الطاقة الأوروبية عن روسيا؟

مثّل الاتفاق التجاري بين الاتحاد الأوروبي وأمريكا ما يعيد تشكيل خريطة الطاقة العالمية.
بعد إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن اتفاق تجاري جديد مع الاتحاد الأوروبي يتضمن التزامًا أوروبيًا بشراء طاقة أمريكية بقيمة 750 مليار دولار خلال ثلاث سنوات، اهتم محللون ببيان ما يعنيه ذلك بالنسبة لصادرات الطاقة الروسية.
ولدى إعلانها تفاصيل الاتفاق، كشفت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين خلال مؤتمر صحفي في اسكتلندا إن هذه الخطوة ستساعد التكتل الأوروبي في تقليل اعتماده على الغاز الروسي، مضيفة: "ما زال هناك الكثير من الغاز الطبيعي المسال الروسي يتدفق إلى الاتحاد الأوروبي عبر الأبواب الخلفية، ونريد التخلص تمامًا من الوقود الأحفوري الروسي".
ورغم أن واردات أوروبا من الغاز الروسي عبر الأنابيب انخفضت بشكل كبير بعد اندلاع حرب أوكرانيا، لا تزال واردات الغاز المسال (LNG) والمنتجات النفطية من موسكو تمثل حصة ملموسة من إمدادات الطاقة في أوروبا.
ووفقا لتقرير نشره موقع "أكسيوس" الأمريكي، فإنه منذ بدء الحرب في أوكرانيا، تسارعت وتيرة مشتريات الدول الأوروبية من الغاز والنفط الأمريكي، كما وقعت شركات الطاقة الأوروبية بالفعل صفقات لشراء كميات مستقبلية من الغاز المسال من مشاريع أمريكية قيد الإنشاء أو التخطيط.
غموض وفجوة
ورغم أهمية الصفقة، تبقى تفاصيل تنفيذ هذا التعهد الضخم غير واضحة. وأشارت شركة "ClearView Energy Partners" المتخصصة في تحليل الطاقة، إلى أن المبلغ كبير جدًا (750 مليار دولار خلال 3 سنوات = 250 مليار سنويًا)، ويثير تساؤلات حول مدى واقعية تحقيقه.
وبالمقارنة بالوضع الحالي، فإن الصادرات الأمريكية الحالية من الطاقة إلى الاتحاد الأوروبي تبلغ نحو 78 مليار دولار سنويًا. واذا تم احتساب هذه الصادرات ضمن مبلغ 250 مليار سنويًا (المطلوب للوفاء بالاتفاق)، يبقى هناك فجوة كبيرة تُقدّر بحوالي 175 مليار دولار سنويًا يجب تغطيتها بزيادة حقيقية في الصادرات.
والرقم الذي قدرته "ClearView" بـ175 مليار دولار سنويًا لا يشمل أنواعًا معينة من صادرات الطاقة مثل الوقود الحيوي (Biofuels) والبتروكيماويات (Petrochemicals) واليورانيوم.
وبمعنى آخر، إذا تم احتساب هذه الأنواع لاحقًا ضمن الصفقة، فقد يكون من الأسهل سد الفجوة. أما إذا لم تُحتسب، فتنفيذ الالتزام سيكون أصعب.
من ناحية أخرى، فإن هذا الالتزام (750 مليار دولار) يتجاوز بكثير صفقة "المرحلة الأولى" التي أبرمها ترامب مع الصين، والتي شملت التزامات بشراء منتجات أمريكية (بما في ذلك الطاقة).
وهذا يوضح أن حجم الصفقة مع أوروبا هو أكبر بكثير من أي صفقة طاقة أمريكية سابقة.
وبحسب التقرير، فإن الصفقة تمثل تحولًا استراتيجيًا في خارطة الطاقة العالمية، وتؤكد على التحالف الأمريكي الأوروبي في مواجهة النفوذ الروسي في قطاع الطاقة. لكن يبقى التحدي الأكبر في كيفية تنفيذ هذا الالتزام الضخم ضمن شبكة البنية التحتية والتعاقدات القائمة.
كيف ستتأثر روسيا؟
من ناحية أخرى، فإن الاتفاق لا يؤثر فقط على التجارة، بل يُعيد ترتيب خريطة الطاقة العالمية. وروسيا، التي اعتمدت لعقود على أوروبا كمشتري رئيسي، تواجه الآن خسارة طويلة الأجل لسوقها الحيوي، ما سيؤدي إلى ضغوط اقتصادية وجيوسياسية متزايدة. فخسارة السوق الأوروبية تقلل من ورقة الضغط الجيوسياسي التي استخدمتها موسكو طويلًا عبر التحكم في الطاقة.
ولطالما كانت أوروبا الزبون الأكبر للطاقة الروسية، حيث اعتمدت بشكل واسع على الغاز الطبيعي القادم عبر الأنابيب، إلى جانب النفط. لكن الحرب في أوكرانيا غيّرت المعادلة. فمنذ 2022، بدأت الدول الأوروبية في تقليص اعتمادها على واردات الطاقة من موسكو، عبر سياسات تنويع المصادر وزيادة الاستثمارات في البدائل. ورغم تراجع صادرات روسيا عبر الأنابيب، ما زالت تبيع كميات كبيرة من الغاز الطبيعي المسال إلى أوروبا. ويُقدّر أن صادرات روسيا من الطاقة إلى أوروبا أصبحت أقل من 70 مليار دولار سنويًا، معظمها من الغاز الطبيعي المسال (LNG) وبعض المنتجات البترولية التي لا تزال تصل "عبر الأبواب الخلفية". لكن الاتفاق الأمريكي الأوروبي سيتضمن على الأرجح زيادة في واردات أوروبا من الغاز الأمريكي المسال، مما يعني منافسة مباشرة وإزاحة تدريجية للغاز الروسي المسال.
ومن المتوقع أن تتقلص فرص روسيا في استعادة حصتها السوقية السابقة داخل القارة، حتى في حال استقرار الأوضاع السياسية. ويُمثل الاتفاق الأخير خطوة استراتيجية لفك ارتباط أوروبا بالطاقة الروسية.