6 استخبارات ومنصة إعلامية.. هل سقطت «شبكة موسكو» بأوروبا؟
عملية "تأثير" كبرى في أروقة الاتحاد الأوروبي؛ طرفاها روسيا وشبكة مؤسسات وأحزاب أوروبية في 6 دول، ووقودها مئات الآلاف من اليوروهات.
إذ كشفت الحكومة التشيكية عن عملية "توسيع نفوذ" روسية كبيرة ضد ست دول في الاتحاد الأوروبي. تطول موقعا إخباريا شهيرا، وصديقا مقربا للرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
- هجوم موسكو.. فرصة ذهبية لـ«طالبان» و3 سيناريوهات روسية للرد
- «دومينو» هجوم موسكو.. ألمانيا تتحسب لحمم «طيور الظلام»
للوهلة الأولى، يبدو موقع "صوت أوروبا" وكأنه موقع إخباري عادي على شبكة الإنترنت. الشعار مزين بنجوم الاتحاد الأوروبي، والتصميم باللون الأزرق الداكن لألوان التكتل.
بالإضافة إلى التقارير المتعلقة بالسياسة والأعمال، والتي ينقل بعضها من وسائل الإعلام الأوروبية الكبرى، تحتوي المنصة أيضًا على موضوعات "موجهة"، وفق مجلة دير شبيغل الألمانية.
والتدقيق في الموقع يظهر مفارقات غريبة، إذ يتلاعب بالألفاظ لخدمة أجندة أحزاب يمينية متطرفة مرتبطة بروسيا، على سبيل المثال يصف وزيرة الداخلية الألمانية، نانسي فيزر، بأنها وزيرة داخلية "أنتيفا" (منظمة يسارية متطرفة).
الأكثر من ذلك، توجد خدمة البحث على الموقع باللغة الروسية، رغم أنها ليست من لغاته الرئيسية.
ولكن ما يلفت النظر بشكل خاص هو الصفحة الأولى من موقع "صوت أوروبا". فالموضوعات الاستقطابية تشغل مساحة كبيرة، وخاصة تلك التي تخدم الأحزاب اليمينية: احتجاجات المزارعين ضد حكومتي ألمانيا وبولندا أو الهجرة إلى أوروبا.
في العديد من المقابلات، يمنح موقع "صوت أوروبا" السياسيين اليمينيين الشعبويين والسياسيين اليمينيين المتطرفين صوتًا. ويتواجد في صفحة المتحدثين للموقع، عضو بحزب التجمع الوطني الفرنسي المتطرف، وممثل عن البلجيكي اليميني المتطرف فلامس بيلانغ، وكذلك ممثلون عن حزب البديل من أجل ألمانيا.
وفي يوم الأربعاء، أضافت الحكومة التشيكية منصة "صوت أوروبا" وداعميها المزعومين إلى قائمة عقوباتها.
وقال رئيس الوزراء بيتر فيالا في مؤتمر صحفي بمقره الرسمي في براغ بعد ظهر اليوم: "لقد تمكنا من الكشف عن أنشطة شبكة نفوذ تمولها روسيا في جمهورية التشيك".
ووفق فيالا، تهدف الشبكة إلى التأثير على السياسة في الدول الأوروبية، بما يخدم مصالح الكرملين.
ومع ذلك، فإن السلطات التشيكية توجه اتهامات أكثر قسوة ضد "صوت أوروبا"، ويقال أيضًا إن الموقع كان بمثابة "وسيلة للتمويل السري لمرشحي الانتخابات الأوروبية (مقررة يونيو/حزيران المقبل) المدعومين من موسكو".
ووفقا لمعلومات دير شبيغل، تم تسليم الأموال نقدا في اجتماعات شخصية في براغ أو تحويلها باستخدام العملة المشفرة، بما يبلغ إجمالا مئات الآلاف من اليوروهات.
ووفقا لصحيفة دينيك اليومية التشيكية، يتردد في أروقة التحقيقات، أن سياسيين من 6 دول أوروبية حصلوا على أموال من الشبكة الروسية.
وكتبت الصحيفة نقلا عن معلومات من دوائر المخابرات: "هؤلاء هم على وجه التحديد سياسيون من ألمانيا وفرنسا وبولندا وبلجيكا وهولندا والمجر".
وذكرت المصادر حزب البديل من أجل ألمانيا "يمين متطرف" بشكل صريح، ولكن لم يتم ذكر السياسيين الذين حصلوا على هذه الأموال بالأسماء.
هذه الاتهامات بعد بلورتها في صورة قضية جنائية، ستكون بمثابة "فضيحة ذات أبعاد كبيرة"، وفق دير شبيغل، إذ تدفع روسيا المال للساسة الأوروبيين مقابل المشاركة في الدعاية المؤيدة للكرملين، خلال الحملة الانتخابية للبرلمان الأوروبي.
6 أجهزة استخبارات
ووفقا لمعلومات شبيغل، فقد شاركت 6 من أجهزة الاستخبارات الأوروبية في الكشف عن عملية النفوذ الروسي. ووفقاً لتقييم هذه الأجهزة، فإن الشخص الذي يقف وراء "صوت أوروبا" هو "فيكتور ميدفيد تشوك، أحد القلة الموالية لروسيا من أصل أوكراني ويعتبر صديقاً مقرباً لبوتين".
بل كان أرتيم مارشيفسكي، وهو منتج سابق لإذاعة موالية لروسيا في أوكرانيا، يدير بالفعل أعمال "صوت أوروبا"، في فترة سابقة، وفق ما نقلته "دير شبيغل".
وتحتوي صفحات "صوت أوروبا" أيضًا على مقابلات عديدة مع سياسيين من حزب البديل من أجل ألمانيا.
على سبيل المثال، يشرح ماكسيميليان كراه، عضو البرلمان الأوروبي من حزب البديل من أجل ألمانيا والمرشح الرئيسي لحزبه للانتخابات الأوروبية المقبلة، قصة مؤامرة حول الهجوم على خطوط أنابيب نورد ستريم في مقابلة بالفيديو مدتها 45 دقيقة وُصفت بأنها "حصرية"، ويتحدث "دون دليل" عن تورط الولايات المتحدة.
عضو البرلمان الألماني (البوندستاغ)، بيتر بيسترون، أجرى مقابلة مع "صوت أوروبا" في فبراير/شباط الماضي أمام جسر تشارلز في براغ، مهاجما الحكومة الألمانية "لأنها ليست ذات فائدة للمزارعين الألمان وتتفرغ لإرسال الأسلحة لكييف".
وعندما سافرت زعيمة المجموعة البرلمانية لحزب البديل من أجل ألمانيا، أليس فايدل، إلى موسكو مع وفد صغير في مارس/آذار 2021، كان النائب بيسترون هناك.
وفي رحلة عمل لاحقة إلى ليتوانيا، بعد وقت طويل من الهجوم الروسي على أوكرانيا، اتجه بيسترون إلى بيلاروسيا، الدولة التي تُعَد أقرب حلفاء بوتين.
وقبل إعادة إطلاقها في عام 2023، كانت بوابة "صوت أوروبا" متاحة بالفعل على الإنترنت بين عامي 2017 و2019، بمحتوى يشبه ما تقدمه في الوقت الحالي.
وفي السنوات السابقة، كانت أول مقابلة ينشرها الموقع، الشعبوي الهولندي خيرت فيلدرز أعقبتها مقابلات مع المتطرف اليميني البريطاني تومي روبنسون وكاتبة العمود الأمريكية اليمينية المحافظة آن كولتر.
وفي 31 ديسمبر/كانون الأول 2019، انقطع بث "صوت أوروبا" فجأة. وقال الموقع في رسالة آنذاك "نأمل أن نتمكن في الوقت المناسب من تقديم أخبار قوية وغير خاضعة للرقابة مرة أخرى"، قبل أن يعود فجأة في 2023.
الإدارة الحالية
وفي الوقت الحالي، يجري تشغيل الموقع من قبل شركة "صوت أوروبا" انطلاقا من براغ. ويقود العنوان الموجود في الإشعار القانوني إلى مبنى سكني كئيب على مشارف العاصمة التشيكية، والذي يبدو أنه بمثابة عنوان بريدي للعديد من الشركات.
ووفق دير شبيغل، من الصعب أن نتخيل أن فريق التحرير بأكمله لموقع إخباري ضخم يعمل من هذا المكان.
لكن منذ أغسطس/آب 2023، أصبح هناك عنوان جديد في السجل التجاري التشيكي يؤدي إلى منزل ليس بعيدًا عن البلدة القديمة، لكن لا يضع الموقع إشارة لوجوده على مدخل البناية.
وفي شهر مارس/آذار الماضي استحوذ المواطن البولندي جاسيك جاكوبشيك على جميع أسهم الشركة التي تبث "صوت أوروبا"، رغم أن عمله الرئيسي يتعلق بشركات الأمن ومجال الحماية الشخصية وحماية المباني.
لكن من المحتمل أن أشخاصا آخرين مسؤولين عن إدارة "صوت أوروبا". ووفقا للحكومة التشيكية، فإن الموقع "يتم تمويله سرا" من قبل صديق بوتين ميدفيدشوك، وتدار الشركة بشكل فعال من قبل المقرب من الشبكة الموالية لروسيا أرتيم مارشيفسكي.
ووفق المصدر ذاته، عمل موقع "صوت أوروبا" وحسابات وسائل التواصل الاجتماعي على فيسبوك وإكس ويوتيوب على "نشر المعلومات المضللة والدعاية بشكل نشط".