أزمة أوكرانيا تلجئ أوروبا لـ"رياح" المحيطين الهادئ والهندي
تسببت الحرب بأوكرانيا في فرض تحديات وفرص لعدد من الدول الأوروبية، مما يتطلب تعاونا أكبر لمواجهة التحديثات واستثمار الفرص.
ورأى الباحثان "أليس بيلون جالاند" و"هانز كوندناني" في تحليل نشره المعهد الملكي للشؤون الدولية (تشاتام هاوس)، وأعادت وكالة الأنباء الألمانية توزيعه، أن الحرب في أوكرانيا أعادت تركيز الانتباه بشكل كبير على الأمن الأوروبي الأطلسي.
ومع فرض الدول الأوروبية، إلى جانب الولايات المتحدة، عقوبات غير مسبوقة على روسيا وزيادة الدعم العسكري لأوكرانيا، فإن من شأن هذه الحرب أن تزيد من تعقيد القدرة المحدودة بالفعل للأوروبيين على لعب دور أمني مهم في أماكن أخرى.
ويضيف الباحثان أنه قد يجدر أن نستنتج أن التهديد المتجدد من روسيا يعني نهاية انخراط أوروبا غير المكتمل في منطقة المحيطين الهندي والهادئ. على سبيل المثال، حددت المراجعة المتكاملة للمملكة المتحدة في عام 2021 الأمن الأوروبي الأطلسي وروسيا نفسها كأولوية بالنسبة للندن. ويبدو أن اندلاع الحرب في أوروبا يؤكد ذلك بشكل أكبر.
وبالنظر إلى الموارد المحدودة، يرى بعض المحللين أن الحرب الحالية هي تأكيد على أن فكرة "الميل" إلى المحيطين الهندي والهادئ كانت دائما خيالا لم يعد من الممكن الإبقاء عليه الآن.
وبينما تعتبر المملكة المتحدة أكثر ارتياحا في المتابعة والتكامل مع الهيكل الأمني الذي تقوده الولايات المتحدة في المنطقة كما يتضح من الاتفاقية الأمنية الثلاثية بين أستراليا والمملكة المتحدة والولايات المتحد (أوكوس)، ترى فرنسا دورها ودور الاتحاد الأوروبي، كقيمة مضافة من خلال تزويد الشركاء الإقليميين بمجموعة مختلفة من الخيارات وأقلها تصادما.
وجهتان متعارضان
ويقول محللون آخرون إن المسرحين الأورو-الأطلسي والهندي والهادئ يندمجان في مسرح واحد، خاصة إذا أصبحت الصين وروسيا أقرب وحيث تعتمد كلتا المنطقتين تقريبا على الضمانات الأمنية الأمريكية. ولأن التهديد المتزايد من موسكو لا ينبغي أن يؤدي إلى الرضا عن النفس فيما يتعلق بالتحديات الأخرى، فإن شكلا من أشكال المشاركة الأوروبية في منطقة المحيطين الهندي والهادئ يعد أمرا أكثر أهمية.
ومع ذلك، فإن تحليلا أكثر دقة للدور الأمني لمختلف الدول الأوروبية في كل مسرح، وكيف يتم تغييره بسبب الحرب في أوكرانيا، يظهر كيف يمكن التوفيق بين هاتين الوجهتين المتعارضتين.
ويرى الباحثان أنه قبل الحرب، كانت بعض الدول وخاصة فرنسا وألمانيا وهولندا والمملكة المتحدة، فضلا عن الاتحاد الأوروبي قد نشرت استراتيجيات أو "مبادئ توجيهية" خاصة بمنطقة المحيطين الهندي والهادئ ونشرت موارد بحرية في المنطقة.
تصدع في جدار أوروبا
وحتى في ذلك الوقت، كانت القدرة الأوروبية على المشاركة في أمن المحيطين الهندي والهادئ محدودة، وكان التحدي الرئيسي للأوروبيين هو أن ينظر إليهم على أنهم شركاء موثوق بهم وأن يحققوا وجودا مستمرا في المنطقة. وكان خط الصدع الحقيقي من حيث الموارد والطموحات بين فرنسا والمملكة المتحدة من جهة، وبقية أوروبا من جهة أخرى.
ومع إعادة تركيز الحرب الأوكرانية لدور حلف شمال الأطلسي على مهمته الأساسية المتمثلة في الردع والدفاع الجماعي، فمن المؤكد أنها سوف تزيد من تقييد قدرة أغلب الدول الأوروبية الصغيرة- التي لديها بالفعل أصولا ومصالح محدودة - على المساهمة في الأمن الآسيوي. وحتى فرنسا والمملكة المتحدة قد تضطران إلى إعادة تحديد أولوياتهما ووسائلهما، خاصة إذا تصاعدت الحرب أو أدت إلى وضع دفاعي وردع منقح على الجناح الشرقي.
ولدى باريس ولندن قراءات متشابهة تقريبا لما هو على المحك في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، فضلا عن المصالح الاستراتيجية المماثلة التي تميزهما عن الأوروبيين الآخرين. ومع وجود أكثر من 5ر1 مليون مواطن وخمس قواعد عسكرية دائمة، فإن فرنسا لديها أيضا مصلحة مباشرة في المنطقة لن يغيرها الصراع في أوكرانيا.
لكن التعاون بين البلدين ظل محدودا بسبب التوترات السياسية المستمرة بشأن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وكذلك المواقف الوطنية والمنافسة الصناعية الدفاعية. وأدت اتفاقية "أوكوس" بين أستراليا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة إلى انهيار شبه كامل في العلاقات الثنائية بين فرنسا والمملكة المتحدة.
ألمانيا تعود أدراجها
ومع ذلك، أدت صدمة العملية الروسية في أوكرانيا أيضا إلى زيادة كبيرة في الإنفاق الدفاعي الألماني. ومع شعور البعض بالإحباط المتزايد من تحرك ألمانيا ببطء شديد، فقد تعود إلى شيء مشابه لدور ألمانيا الغربية القديم في الحرب الباردة باعتبارها "العمود الفقري" للدفاع الجماعي التقليدي لحلف شمال الأطلسي في أوروبا.
وقد تسمح المساهمة الألمانية الأكبر في الأمن الأوروبي لفرنسا والمملكة المتحدة بتحرير الموارد لقيادة مساهمة أوروبية في أمن المحيطين الهندي والهادئ، مما يجعل من المهم أكثر بالنسبة للبلدين حل بعض خلافاتهما.
ولكن على الرغم من هذا الإنفاق الدفاعي المتزايد والاستعداد لمواجهة روسيا، لم تغير ألمانيا حتى الآن نهجها تجاه الصين التي يعتمد عليها قطاع الصناعات، وخاصة صناعة السيارات، كسوق للتصدير.
"الصين ليست روسيا"
ومن المرجح أن يتفق الكثيرون في برلين مع التعليق الأخير لمستشار السياسة الخارجية السابق لأنجيلا ميركل لارس هنريك رولر بأن "الصين ليست روسيا". ومع تحملها المزيد من المسؤولية عن الأمن الأوروبي، يمكن لبرلين أن تثبت أنها أكثر نفورا من المخاطرة في بقية العالم مما كانت عليه قبل الحرب.
لذلك، يقول الباحثان إنه ينبغي أن يكون لدى فرنسا والمملكة المتحدة توقعات محدودة بشأن ما إذا كان الأوروبيون الآخرون على استعداد وقدرة الآن على المساهمة به في أمن المحيطين الهندي والهادئ. ومع ذلك، فإن التقسيم المتغير للعمل بين الدول الأوروبية في أوروبا يمكن أن يخلق فرصة لباريس ولندن لمواصلة ربط المنطقتين.
ويضيفا الباحثان أن المساهمة الألمانية الأكبر في الأمن الأوروبي قد تسمح لفرنسا والمملكة المتحدة بتوفير الموارد اللازمة لقيادة مساهمة أوروبية في أمن المحيطين الهندي والهادئ، مما يجعل من المهم أكثر بالنسبة للبلدين حل بعض خلافاتهما.
وأخيرا يخلص الباحثان إلى أنه على الرغم من الأولويات المتنافسة والعلاقات الثنائية المتوترة، ينبغي أن يكون هذا على جدول أعمال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون خلال الأشهر المقبلة. ومن خلال حل التوترات والاضطلاع بدور قيادي مشترك، يمكن لفرنسا والمملكة المتحدة تمكين المزيد من التنسيق بين الأوروبيين، وبالتالي توفير بعض الرؤية التي تشتد الحاجة إليها لشركائهما في كل من أوروبا وآسيا.
aXA6IDMuMTQ0LjguNzkg جزيرة ام اند امز