أوروبا بلا مظلة واشنطن..هل حان وقت التحليق وحيدة؟

تواجه أوروبا وحلف "الناتو" أزمة وجودية مع توجيه إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب كرة هدم للعلاقات عبر الأطلسي.
تحولٌ في العلاقات يجبر الحلفاء التاريخيين على طرح أسئلة صعبة حول قدراتهم الدفاعية.
ففي الأيام الأخيرة، أرسلت واشنطن إشارات واضحة إلى أوروبا بأنها لم تعد قادرة على الاعتماد على الولايات المتحدة لحمايتها دائما، خاصة مع سعي إدارة ترامب إلى تحسين العلاقات مع موسكو.
وفي تحليل لها طالعته "العين الإخبارية"، أشارت مجلة "فورين بوليسي" إلى أن ترامب قد يتحرك لسحب القوات الأمريكية من دول في جميع أنحاء القارة - وهو احتمال لفت إليه وزير دفاعه بيت هيغسيث في وارسو يوم الجمعة الماضي.
"لا يمكنك أن تفترض أن الوجود الأمريكي سوف يستمر إلى الأبد"، كما قال هيغسيث.
كل هذا يأتي في ظل شكوك جدية في أن إدارة ترامب ستحترم المادة الخامسة من ميثاق التحالف وتدافع عن أعضاء الناتو في حالة وقوع هجوم.
فيوم الخميس، قال مستشار الأمن القومي الأمريكي مايك والتز للصحفيين في البيت الأبيض، "نحن ندعم تماما التزام المادة الخامسة، لكن حان الوقت لحلفائنا الأوروبيين للتدخل".
خلال ولايته الأولى، طرح ترامب فكرة انسحاب الولايات المتحدة من الناتو، وهو الاقتراح الذي لا يزال مصدر قلق في أوروبا اليوم، على الرغم من التساؤلات حول ما إذا كان بإمكانه القيام بذلك قانونيًا دون إشراك الكونغرس.
ويوم السبت، قالت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك "هذه لحظة وجودية وهي لحظة يجب على أوروبا أن تقف فيها". ولكن هل أوروبا قادرة على القيام بهذه المهمة؟
هل تستطيع أوروبا أن تصمد؟
وفقا لإحصاءات البنتاغون، يتمركز حوالي 100 ألف جندي أمريكي في جميع أنحاء أوروبا، مع وجود الجزء الأكبر (حوالي 35 ألف جندي) في ألمانيا.
ويقول الخبراء إنه إذا سحبت الولايات المتحدة هذه القوات فجأة، فإن أوروبا ستكافح للدفاع عن نفسها في حالة وقوع هجوم.
"لقد دخل الأوروبيون بالفعل في سيناريو حيث لن تكون هناك حتى قوات أمريكية في أوروبا. سيكونون هم فقط. ليس لديهم الكتلة، وليس لديهم العمق، والمقاعد الكافية للقيام بكل الأشياء التي تقوم بها القوات الأمريكية هناك حاليًا"، هكذا يرى جيم تاونسند، الذي شغل منصب نائب مساعد وزير الدفاع الأمريكي للسياسة الأوروبية وحلف شمال الأطلسي من عام 2009 إلى عام 2018،
وأضاف تاونسند، أن أوروبا "تنظر الآن إلى الهاوية"، وحذر من أن "الحلفاء الأوروبيين ليسوا في وضع جيد للغاية بحيث يمكنهم ببساطة الضغط على مفتاح" وتولي المهام الأمريكية في أوروبا.
تاونسند، الذي يعمل الآن زميلا مساعدا في برنامج الأمن عبر الأطلسي التابع لمركز الأمن الأمريكي الجديد، رأى أنه "إذا تم إخطار أوروبا قبل 10 سنوات وقامت بما تحتاجه للحصول على أعداد القوات والحصول على المعدات، فإنها ستكون قادرة على مواجهة الروس".
ولفت إلى أن الروس "أصبحوا أكثر خبرة في المعارك وأكثر حداثة" في السنوات الأخيرة.
ومع ذلك، أشار البعض، بما في ذلك الأوروبيون أنفسهم، إلى أن الضغط من جانب الولايات المتحدة على الحلفاء لإنفاق المزيد على الدفاع ليس جديدا، وهم يتساءلون عن سبب بطء القادة الأوروبيين في فهم الرسالة والتصرف.
وعندما سُئل الأمين العام لحلف شمال الأطلسي مارك روته عما إذا كان يهتم بوضع جدول زمني لدعوته لأعضاء الحلف لتحقيق هدف إنفاق جديد بنسبة 3٪ من الناتج المحلي الإجمالي، قال إنه يأمل أن يتم فرز مثل هذه التفاصيل بحلول قمة الناتو، في يونيو/حزيران القادم.
ثم تابع: "لا يمكننا أن نسمح بتكرار عام 2014 (آخر مرة حدد فيها حلف شمال الأطلسي هدفا للإنفاق]، حيث حددنا 2٪ ثم لم يحدث شيء حتى أصبح ترامب رئيسا، ثم فجأة رأينا الأوروبيين والكنديين ينفقون أكثر".
أو كما قال أحد وزراء خارجية أوروبا الشرقية السابقين لصحيفة بوليتيكو، "كان لدينا سنوات وسنوات لتعزيز عزيمتنا العسكرية والاستعداد لعصر جديد مع الولايات المتحدة، وقد بددناها".
ماذا يجب على أوروبا أن تفعل؟
يبلغ إجمالي ميزانية الناتو حوالي 4.8 مليار دولار، يتم تمويلها بمساهمات من جميع الأعضاء، حيث تتصدر الولايات المتحدة وألمانيا القائمة بمساهمة حوالي 16% لكل منهما. وفق ما ذكرته "فورين بوليسي".
ومع ذلك، يُعتبر الإنفاق العسكري الفردي لكل دولة أكثر أهمية في تعزيز قوة الحلف.
في ظل هذه التحديات، يبقى السؤال الأهم: هل ستتمكن أوروبا من الوقوف على قدميها في عالم أقل اعتمادًا على الولايات المتحدة؟
يضغط ترامب على الحلفاء لزيادة إنفاقهم الدفاعي إلى 5% من الناتج المحلي الإجمالي، وهو مستوى أعلى بكثير من الهدف السابق لحلف الناتو البالغ 2% لكل عضو بحلول عام 2024.
تنفق الولايات المتحدة حوالي 3.4% من ناتجها المحلي الإجمالي على الدفاع، لكنها تمثل أكثر من 50% من إجمالي الناتج المحلي لدول الحلف.
وحتى العام الماضي، تمكنت 23 دولة من أصل 32 عضوا في الناتو من تحقيق هدف الـ 2%. كما وضع الناتو هدفا آخر يقضي بإنفاق 20% من المخصصات الدفاعية على معدات عسكرية رئيسية جديدة، وهو معيار لم تلتزم به سوى دولتين فقط: كندا وبلجيكا.
ولفتت المجلة إلى أن العديد من الدول الأوروبية تدرك أهمية تحمل المزيد من المسؤولية عن أمن القارة. وهو ما تطرق له وزير الخارجية الإستوني مارغوس تساخنا، خلال مؤتمر ميونخ الأمني، بقوله "لم يعد لدينا رفاهية الجلوس في المقعد الخلفي والاعتقاد بأن هناك من يقود السيارة. لا، نحن بحاجة إلى أن نقودها بأنفسنا."
وأضاف أن تحقيق دول الناتو لهدف ترامب المتمثل في 5% يعتمد على مدى إدراكها الواقعي للتهديد القادم من روسيا، لكنه يعتقد أن إستونيا ودول البلطيق الأخرى من المرجح أن تصل إلى هذا المستوى من الإنفاق في السنوات المقبلة.
من جانبه، صرح رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر يوم الإثنين بأن أوروبا تواجه "تحديا أمنيا يمتد عبر الأجيال"، داعيا القارة بأكملها إلى زيادة إنفاقها الدفاعي.
لكن بعض المحللين يحذرون من أن مجرد زيادة الإنفاق قد لا يكون كافيا لحل المشكلة. إذ يحتاج الحلفاء الأوروبيون أيضا إلى أن يكونوا استراتيجيين في كيفية وأين يتم إنفاق هذه الأموال.
وفي هذا الصدد، اعتبر جيم تاونسن، أن إدراك أوروبا لأهمية زيادة الإنفاق الدفاعي أمر إيجابي، لكنه في بعض النواحي "جاء متأخرا جدا"، مشيرا إلى أن الحلفاء الأوروبيين اعتمدوا لوقت طويل على "تفكير رغائبي" بدلا من اتخاذ إجراءات حاسمة.
وأضاف أن الناتو وضع خطط دفاع إقليمية قوية، لكن على أوروبا الآن أن تجري بسرعة تقييما للفجوات المحتملة في خط الدفاع ضد روسيا إذا انسحبت الولايات المتحدة، ثم تحدد أي الدول يمكنها سد هذه الفجوات.
aXA6IDMuMTYuNjYuMTk5IA== جزيرة ام اند امز