قمة باريس المصغرة.. صيغة جديدة في أوروبا تتجاوز تعقيدات «التكتل»

تخلت قمة إيمانويل ماكرون المصغرة عن هوس بروكسل المعتاد بالتوافق، وكشفت عن نواة جديدة تحمل مستقبل المنطقة بين يديها.
وفي الوقت الذي تصارع فيه أوروبا أعمق أزمة أمنية منذ عام 1945، اتخذت مجموعة صغيرة من القوى الرائدة في القارة خطوة جذرية: فقد تخلوا عن الرغبة التقليدية في التوصل إلى إجماع بين 27 دولة في قمم بروكسل.
وجمعت القمة المصغرة التي عقدها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في باريس أمس الإثنين قادة ألمانيا وإيطاليا وإسبانيا وبولندا والدنمارك وحتى المملكة المتحدة التي غادرت الاتحاد الأوروبي قبل 5 سنوات.
ولكن لم تكن هناك دعوة لرئيس المجر فيكتور أوربان أو رئيس سلوفاكيا روبرت فيكو أو غيرهم ممن يعتبرون متعاطفين مع موسكو لدرجة لا يمكن معها أن يكونوا مفيدين في حالات الطوارئ.
كما تم استبعاد دول أصغر في الاتحاد الأوروبي مثل لاتفيا وإستونيا، على الرغم من أنها من بين أكثر أعضاء الاتحاد الأوروبي تشددًا في التعامل مع روسيا.
ووفق مجلة "بوليتيكو" الأمريكية، ليست هذه هي الطريقة التي من المفترض أن تدار بها سياسات الاتحاد الأوروبي، ولكن صيغة باريس تكشف عن شدة الصدمة الجيوسياسية التي تعصف بالقارة حاليًا.
وقالت الصحيفة إن القمة المبسطة هي علامة على أن الصبر بدأ ينفد مع اجتماعات المجلس الأوروبي المثيرة للسخط، حيث غالبًا ما تفشل الدول في الاتفاق على المقترحات، أو تخفف من أهميتها إلى درجة عدم أهميتها.
مهمة صعبة
وكانت مهمة المجتمعين في قصر الإليزيه هي وضع خطة للتكيف مع الحقائق الجديدة القاسية بدون الحماية الأمريكية، وكيف يمكن لأوروبا مساعدة أوكرانيا على الفوز بأفضل اتفاق سلام ممكن؟ وكيف يمكن للدول الأوروبية أن تستمر في الدفاع عن نفسها ضد روسيا الآن بعد أن ابتعد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب؟
هذه هي الأسئلة التي ظل المسؤولون والسياسيون من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي يتدارسونها طوال معظم العامين الماضيين.
ومع ذلك، فقد ذُهلوا بطريقة ما عندما أعلن ترامب الأسبوع الماضي، أنه تحدث إلى نظيره الروسي، فلاديمير بوتين وأنه سيفتح مفاوضات بشأن إنهاء الحرب ”على الفور“.
كان الاجتماع المختزل في باريس بمثابة إدانة بليغة لمحدودية عمليات الاتحاد الأوروبي المرهقة التي يحركها الإجماع عندما يتعلق الأمر بالسياسة الخارجية الأساسية.
وخلال بحث الاتحاد عن اتفاق بالإجماع بشأن العقوبات الروسية، كان أوربان رئيس وزراء المجر عقبة متكررة أمام اتخاذ تدابير جديدة منذ هجوم موسكو على أوكرانيا قبل ثلاث سنوات.
وعن القمة المصغرة، قال رئيس الوزراء البولندي دونالد توسك، الذي يتولى حاليًا الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي، ”منذ عدة أيام، كما يمكنكم أن تتخيلوا، كانت المشاورات جارية بشأن عقد هذه القمة المصغرة التي تجمع أكبر الدول الأوروبية وأكثرها انخراطًا في المسائل الدولية والجيوسياسية“.
وأوضح مسؤول من مكتب ماكرون لـ"بوليتيكو"، أن هذه القمة كانت مجرد بداية للمحادثات.
وتابع المسؤول قائلاً: ”لأسباب تتعلق، على سبيل المثال، بالقدرة العملية، ستبدأ المناقشات مع عدد محدود من الشركاء ثم من المحتمل أن تستمر في عواصم أخرى، مع آخرين“.
وتمت دعوة اثنين من كبار الشخصيات في الاتحاد الأوروبي - أورسولا فون دير لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، وأنطونيو كوستا، رئيس المجلس الأوروبي، ولكن كضيفين وليس لقيادة المحادثات.
ليست المرة الأولى
لكن ليست هذه هي المرة الأولى التي تتخلى فيها الدول الأقوى في الاتحاد الأوروبي عن العمليات الرسمية للتكتل لإنجاز الأمور عندما يكون الأمر مهمًا، وكان ذلك دائما مثيرا للانقسام.
وعندما انضمت ألمانيا، وفرنسا، والمملكة المتحدة، إلى الدول الموقعة على الاتفاق النووي الإيراني، استشاط الإسبان والإيطاليون غضبًا، كما يقول البروفيسور أناند مينون، مدير مركز أبحاث ”المملكة المتحدة في أوروبا المتغيرة“.
وقال مينون إن ”المشكلة دائمًا هي: من تدعون، ومن لا تدعون؟.. كنت أعتقد أنه كان من المنطقي أكثر أن يجتمع الجميع ويتفقوا ثم يقرروا من يقوم بالأعباء الثقيلة فيما يتعلق بأوكرانيا، لكن ما حدث مثير للانقسام إلى حد ما في هذا الشأن.“
وأضاف أن النظام القانوني للاتحاد الأوروبي ”مرهق“، وأن مؤسسات بروكسل تتعامل مع القضايا الاقتصادية في المقام الأول، وليست مهيأة لاتخاذ قرار بشأن الخطط العسكرية.
وعادةً ما يقع العمل العسكري على عاتق ما يعرف بـ”تحالفات الراغبين“، كما حدث في عام 2011، عندما قادت الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا تدخلًا عسكريًا في ليبيا - أو على عاتق حلف شمال الأطلسي، وفق مينون.
لكن ماكرون أطلق مفهوما جديدا يوم الإثنين: تحالف المدعوين، حينما دعا دولا بعينها لقمة مصغرة، وفق بوليتيكو.
ولكن بعد ثلاث ساعات ونصف الساعة من المحادثات، لم يتوصل ضيوفه بطريقة سحرية إلى حل لكابوس أوروبا الأمني، أو التوصل إلى خطة لإبقاء أوكرانيا بعيدة عن قبضة الروس.
aXA6IDE4LjIxNi4xODcuNzQg جزيرة ام اند امز