سلام أوكرانيا.. «انقسام أوروبي» وماكرون يسابق الزمن لتنسيق المواقف

بهدف تنسيق الموقف الأوروبي مع الولايات المتحدة بشأن إنهاء الحرب الروسية على أوكرانيا، أجرى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الثلاثاء، محادثات منفصلة مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي.
تحركات جاءت بعد أن استضاف ماكرون، الإثنين، قمة مصغرة في باريس جمعت عددًا من القادة الأوروبيين لمناقشة تطورات الأزمة الأوكرانية وسبل تعزيز الإنفاق الدفاعي الأوروبي.
- قمة باريس.. أوروبا تستبق «سلام ترامب» ببحث «تحصين» أوكرانيا
- تعويضات وسيطرة على الموارد.. تفاصيل خطة ترامب لخنق أوكرانيا
صدمة أوروبية
تأتي هذه التطورات وسط صدمة لدى قادة الاتحاد الأوروبي من السرعة التي يدفع بها ترامب نحو بدء محادثات مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، خاصة مع استعداد مسؤولين أمريكيين وروس للاجتماع في السعودية، الثلاثاء.
وكتب ماكرون على منصة «إكس»: «نسعى إلى تحقيق سلام قوي ودائم في أوكرانيا. ولتحقيق ذلك، يجب على روسيا إنهاء عدوانها، ويجب أن ترافق هذه الخطوة ضمانات أمنية قوية وموثوقة للأوكرانيين».
وأضاف أن النقاشات ستستمر، مشددًا على أن العمل سيتواصل «سواء في دعم أوكرانيا أو في تطوير وتعزيز دفاعاتنا».
من جانبه، قال زيلينسكي إنه ناقش مع ماكرون الأوضاع الأمنية في أوروبا والضمانات الأمنية لأوكرانيا، موضحًا: «نتشارك رؤية مشتركة: يجب أن تكون الضمانات الأمنية قوية وموثوقة. وأي اتفاق لا يتضمن هذه الضمانات—مثل وقف إطلاق نار هش—لن يكون سوى خدعة روسية جديدة تمهيدًا لحرب أخرى ضد أوكرانيا أو دول أوروبية أخرى».
مخاوف التهميش
تحاول أوكرانيا والقادة الأوروبيون إيجاد دور لهم في العملية الرامية إلى إنهاء الحرب الروسية التي اندلعت قبل نحو ثلاث سنوات. ومع إصرار واشنطن على المضي قدمًا بوتيرة سريعة، يواجه الأوروبيون خطر التهميش في المفاوضات التي قد تحدد التوازن الأمني في القارة الأوروبية لسنوات قادمة، ما لم يطرحوا خطة ملموسة وسريعة.
وأكدت كييف والمسؤولون الأوروبيون على ضرورة التوصل إلى اتفاق واضح حول الضمانات الأمنية قبل أي محادثات مع موسكو، مشددين على أن أوكرانيا لن تقبل بأي اتفاق لم تشارك في التفاوض عليه.
في هذا السياق، طالبت واشنطن الدول الأوروبية بتحديد الضمانات التي يمكنها تقديمها لأوكرانيا لضمان تسوية سلمية دائمة، إلى جانب وضع استراتيجية واضحة للرد في حال تعرض أي من القوات المنتشرة لهجوم روسي.
ووفقًا لوثائق اطلعت عليها «بلومبرغ»، تسعى إدارة ترامب إلى معرفة تفاصيل حول كيفية مساهمة الحلفاء الأوروبيين في تقديم الضمانات لكييف وردع موسكو في المستقبل.
«ضمانات أمنية» لأوكرانيا
أكد الأمين العام لحلف شمال الأطلسي، مارك روته، يوم الإثنين، عقب اجتماع طارئ في باريس حول أوكرانيا، أنّ أوروبا «مستعدة لأخذ زمام المبادرة» لتوفير «ضمانات أمنية» لأوكرانيا.
وقال روته: «أوروبا مستعدة وراغبة في تعزيز قوتها، واتخاذ زمام المبادرة لتوفير ضمانات أمنية لأوكرانيا».
وأضاف: «هذا ما استخلصته من الاجتماع الذي عُقد بدعوة من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون».
ولفت رئيس الوزراء الهولندي الأسبق إلى أنّ «أوروبا مستعدة لاستثمار المزيد في أمنها»، معترفًا في الوقت نفسه بأنّ «التفاصيل لا تزال بحاجة إلى الاتفاق عليها»، لكنه شدّد على أنّ «الالتزام واضح».
انقسام أوروبي
يخشى القادة الأوروبيون من أن يكون الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يسعى إلى اتفاق مع موسكو لا يأخذ في الحسبان مصالح كييف ولا مخاوف القارة الأوروبية.
وعلى الرغم من انزعاجهم من خطوة ترامب، إلا أن القادة الأوروبيين بدوا خلال اجتماعهم في باريس منقسمين بشأن الضمانات الأمنية التي ينبغي تقديمها لأوكرانيا، ولا سيّما فيما يتعلق بإمكانية إرسال قوات إلى هناك.
وأبدت بعض الدول، مثل فرنسا وبريطانيا، تأييدها لهذه الفكرة بشروط محددة، لكن دولًا أخرى، وعلى رأسها ألمانيا وبولندا، اعتبرت هذا الطرح سابقًا لأوانه.
ورفضت ألمانيا مساء الإثنين دعوة زعيم حزب العمال البريطاني، كير ستارمر، لأوروبا لتعزيز دورها ونشر قوات في أوكرانيا كجزء من أي اتفاق سلام.
وكان رئيس الوزراء البريطاني قد كتب مقالًا في صحيفة «التليغراف» أكد فيه أن بريطانيا ستلعب دورًا قياديًا في ضمانات الأمن لما بعد الحرب في أوكرانيا، بما في ذلك إرسال جنود بريطانيين إلى مناطق الخطر.
لكن بعد اجتماع طارئ لقادة أوروبيين في باريس، الإثنين، وصف المستشار الألماني أولاف شولتز هذا الاقتراح بأنه «سابق لأوانه تمامًا»، و«غير مناسب على الإطلاق»، معربًا عن «انزعاجه» من الأمر.
وغادر شولتز، الذي يواجه انتخابات وطنية يوم الأحد المقبل، الاجتماع في باريس مبكرًا، مع تصاعد الخلافات حول تشكيل قوة حفظ سلام أوروبية للإشراف على وقف إطلاق النار المحتمل.
وأعربت ألمانيا وبولندا وإسبانيا عن ترددها في نشر قوات بأوكرانيا ضمن أي اتفاق،
بينما دعمت بريطانيا وفرنسا والسويد الفكرة في محاولة للضغط على حلفائها الأوروبيين لتعزيز دعمهم لكييف.
وقال شولتز للصحفيين بعد مغادرته الاجتماع: «هذا النقاش سابق لأوانه تمامًا، وأنا حتى منزعج قليلًا من هذه المناقشات».
وأضاف: «هذه المناقشات تجري دون إشراك الأوكرانيين، وبشأن نتيجة لمفاوضات سلام لم تبدأ بعد».
وشدد على أن «إثارة هذا الموضوع الآن أمر غير مناسب على الإطلاق، بصراحة ووضوح – نحن لا نعرف حتى ما ستكون عليه نتيجة المحادثات».
ستارمر: أمريكا يجب أن تضمن أمن أوكرانيا
بعد القمة، أعلن ستارمر أنه سيسافر إلى واشنطن لإبلاغ ترامب بأن «الضمان الأمريكي» هو السبيل الوحيد لضمان السلام في أوكرانيا.
وقال رئيس الوزراء البريطاني للصحفيين: «يجب على أوروبا أن تتحمل مسؤوليتها، وأنا مستعد للنظر في إرسال قوات بريطانية إلى الأرض إلى جانب آخرين إذا تم التوصل إلى اتفاق سلام دائم».
وأضاف: «لكن يجب أن يكون هناك ضمان أمني أمريكي، لأن الولايات المتحدة وحدها قادرة على ردع روسيا عن شن هجوم جديد على أوكرانيا».
وبموجب هذا الضمان، ستكون قوات حفظ السلام الأوروبية مدعومة من قبل الولايات المتحدة في حال استأنف بوتين الحرب.
وأضاف ستارمر: «مسألة تقاسم الأعباء ليست جديدة، لكنها أصبحت أكثر إلحاحًا الآن، ويجب على الأوروبيين أن يتحملوا مسؤوليتهم، سواء من حيث الإنفاق أو القدرات العسكرية التي يوفرونها».
وأكد: «علينا أن ندرك أننا في عصر جديد، ولا يمكننا التشبث بأوهام الماضي. حان الوقت لتحمل مسؤولية أمننا وقارتنا. لقد كنت واضحًا اليوم بأن بريطانيا ستتحمل مسؤولية قيادية، كما فعلت دائمًا».
الاختلاف «ليس مفاجئا»
قال مصدر لـ«التليغراف» إن اختلاف المواقف بشأن نشر القوات لم يكن مفاجئًا.
وفي حين أشار رئيس الوزراء البولندي دونالد توسك إلى أنه غير مستعد لإرسال قوات لحماية كييف، إلا أنه أوضح: «لكننا سندعم، من حيث اللوجستيات والدعم السياسي، الدول التي قد ترغب في تقديم مثل هذه الضمانات في المستقبل».
أما وزير الخارجية الإسباني خوسيه مانويل ألباريس، فقال قبل الاجتماع: «لا أحد يفكر حاليًا في إرسال قوات إلى أوكرانيا. السلام لا يزال بعيدًا جدًا، والسبب الوحيد لذلك هو فلاديمير بوتين». وأوضح أن أي قرار بهذا الصدد يجب أن يحدد «ما هي المهمة، ومن سيشارك فيها، وتحت أي راية، وبأي تفويض».
ويبدو أن ألمانيا وإيطاليا تتحججان بتصريحات وزير الدفاع الأمريكي بيت هيغسيث الأسبوع الماضي، التي أوضحت أن الولايات المتحدة لن تساهم بقوات في أي مهمة حفظ سلام.
وقال مصدر حكومي في برلين لوكالة «فرانس برس» إن ألمانيا لن ترسل قوات إلى أوكرانيا «دون مشاركة أمريكية كاملة»، مضيفًا: «لن نشارك في سيناريوهات تتباعد فيها السياسات الأمنية الأوروبية والأمريكية».
لكن مبعوث ترامب للسلام في أوكرانيا نفى هذه المخاوف، مؤكدًا للصحفيين في بروكسل أن الرئيس الأمريكي لم يستبعد إرسال قوات حفظ سلام إلى أوكرانيا.
وقال الجنرال كيث كيلوغ، عقب لقائه مسؤولين كبار في «الناتو»: «السياسة الأمريكية كانت دائمًا عدم استبعاد أي خيارات».
وأضاف: «لا ينبغي الدخول في مفاوضات حيث يتم استبعاد الخيارات مسبقًا».
تصريحاته ستطمئن القادة الأوروبيين القلقين من أن يتحملوا وحدهم عبء مستقبل أوكرانيا بعد الحرب، دون دعم من واشنطن.
وأكد كيلوغ أن أي اتفاق سلام لن يتم دون مشاركة أوكرانيا، قائلًا: «الرئيس (فولوديمير زيلينسكي) وشعب أوكرانيا هم من سيتخذون القرار».
ومن بروكسل، سيتوجه كيلوغ إلى وارسو لإجراء محادثات مع دونالد توسك والرئيس البولندي أندريه دودا، قبل السفر إلى أوكرانيا للقاء زيلينسكي، الذي دعاه لزيارة الخطوط الأمامية في الحرب مع روسيا.
الإنفاق الدفاعي
وأثار ترامب أيضًا نقاشًا أوسع حول الإنفاق الدفاعي الأوروبي، حيث دعا إلى زيادته إلى 5٪ من الناتج المحلي الإجمالي – أي أكثر من ضعف الهدف الحالي لحلف «الناتو».
وفي تقرير استخباراتي صدر يوم الإثنين، حذرت «وكالة حماية الدستور» الليتوانية من أن روسيا قد تستغل خطة السلام لإعادة بناء قواتها ومهاجمة دول «الناتو» خلال خمس سنوات.
وجاء في التقرير: «إذا تم تجميد الحرب، ولم تعد روسيا تتكبد خسائر كبيرة خلال الأعمال القتالية النشطة في أوكرانيا، فسيكون بإمكان موسكو تعزيز وجودها العسكري بالقرب من الجناح الشمالي الشرقي لحلف الناتو، بما في ذلك دول البلطيق، خلال السنوات الخمس المقبلة».
ولم تستبعد الحكومة البريطانية إجراء تصويت برلماني على أي نشر لقوات حفظ سلام بريطانية في أوكرانيا.
وعندما سئل المتحدث الرسمي باسم رئيس الوزراء عما إذا كان سيتم استشارة البرلمان، قال: «نحن نتحدث عن أمر سابق لأوانه. لقد كنا واضحين بالفعل بأن بريطانيا ستلعب دورًا في ضمانات الأمن، لكن بالطبع سيتم التشاور مع البرلمان عند الضرورة».