حرب أوكرانيا.. إليك الدليل الأمريكي لـ«تبريد» جبهات القتال

من الحفاظ على «سيادة» كييف إلى مطالبة موسكو بـ«ضمانات أمنية»، معضلة تشكل الجزء الأصعب في أي اتفاق أو مفاوضات حول إنهاء حرب أوكرانيا.
إلا أنه في محاولة لحل تلك المعضلة، يريد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب «إبرام صفقة» لوقف «هذه الحرب السخيفة» في أوكرانيا، في تصريحات تزامنت مع مكالمته مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، والاجتماع المتوقع غدا الثلاثاء بين المسؤولين الأمريكيين والروس في السعودية، مما أذكى التكهنات بأن المفاوضات قد تنهي ثلاث سنوات من القتال.
لكن كيف تبدو الصفقة؟
بحسب صحيفة نيويورك تايمز، فإنه في الوقت الحالي، لا تملك أوكرانيا سوى خيارات قليلة لعكس المكاسب التي حققتها روسيا مؤخرا على أرض المعركة، ما يعني أن أي اتفاق من المرجح أن ينطوي على تنازلات مؤلمة من جانب أوكرانيا، وهو ما قد يُنظَر إليه باعتباره مكافأة من جانب ترامب لبوتين.
لكن ربما يكون لدى بوتين حوافزه الخاصة لإبرام الصفقة، ذلك أن الاقتصاد الروسي يواجه خطر التضخم الجامح في ظل الإنفاق الهائل على الحرب، في حين يعاني الجيش من سقوط قتلى. ومن الممكن أن يمهد التوصل إلى تسوية بشأن أوكرانيا الطريق لخفض العقوبات الغربية.
ومن المؤكد أن المحادثات ستكون معقدة للغاية. ويشكك كثيرون في قدرة بوتن على التفاوض بحسن نية، في حين تخشى أوروبا وأوكرانيا أن ينساق ترامب إلى إغراء عقد صفقة مع الكرملين على حسابهما.
ومع ذلك، فقد أحرزت روسيا وأوكرانيا تقدما نحو التوصل إلى اتفاق عندما تفاوضتا بشكل مباشر آخر، في ربيع عام 2022، ويعتقد بعض الخبراء أن التوصل إلى اتفاق من شأنه أن يرضي بوتين مع الحفاظ على شكل من أشكال السيادة والأمن لأوكرانيا أمر ممكن.
من على الطاولة؟
وبينما سعت إدارة جو بايدن إلى عزل روسيا دبلوماسيا، قائلة إن أي مفاوضات حول مصير أوكرانيا يجب أن تشمل الأوكرانيين، انحرف ترامب عن هذا النهج في 12 فبراير/شباط الجاري، عندما ناقش أزمة أوكرانيا في مكالمة مطولة مع بوتن ثم قال إنه «سيبلغ» الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، بالمحادثة.
والآن تبدو أوكرانيا معزولة، فقد قال زيلينسكي إنه لم تتم دعوته إلى المناقشات التي ستجرى هذا الأسبوع بين كبار مساعدي ترامب ونظرائهم الروس في المملكة العربية السعودية.
وقد يتم استبعاد الدول الأوروبية أيضا ــ على الرغم من أن إجمالي المساعدات الأوروبية لأوكرانيا منذ بداية الحرب، والتي بلغت نحو 140 مليار دولار، أكبر مما قدمته الولايات المتحدة.
وقال ترامب إنه «من المحتمل» أن يلتقي بوتين في السعودية قريبًا. وقد قامت قطر والإمارات وتركيا بالفعل بالتوسط بين أوكرانيا وروسيا في مسائل مثل تبادل الأسرى والملاحة في البحر الأسود.
الحل الوسط
وتقول «نيويورك تايمز»، إن الحل الوسط يتمثل في احتفاظ روسيا بالسيطرة على الأراضي التي سيطرت عليها بالفعل، شريطة توقف القتال. ولا تعترف أوكرانيا والغرب رسميًا بضم روسيا، حتى مع احتفاظ روسيا بمطالباتها الإقليمية الأوسع.
وقد ينص الاتفاق على أن النزاعات الإقليمية سيتم حلها سلميًا في مرحلة ما في المستقبل - على سبيل المثال، 10 أو 15 عامًا، كما اقترح المفاوضون الأوكرانيون بشأن وضع شبه جزيرة القرم في محادثات السلام لعام 2022.
كورسك؟
لا تزال أوكرانيا تسيطر على نحو 200 ميل مربع من الأراضي في منطقة كورسك الروسية. ورفضت روسيا فكرة أن تستخدم أوكرانيا تلك الأراضي كورقة مساومة في أي محادثات مستقبلية.
لكن إذا بدأت المحادثات قبل أن تتمكن روسيا من طرد القوات الأوكرانية من هناك، فقد تظل أوكرانيا قادرة على إيجاد طريقة لمقايضة الانسحاب من كورسك بتنازلات من جانب روسيا.
الناتو وأوروبا
في حين تريد أوكرانيا استعادة الأراضي التي استولت عليها روسيا، فقد أوضحت أيضاً أن أمنها في المستقبل لا يقل أهمية عن ذلك، ما يعني حمايتها من أي محاولة روسية للهجوم عليها مستقبلا.
وتصف أوكرانيا عضويتها في حلف شمال الأطلسي بأنها المفتاح لهذه الحماية، فيما ترى روسيا إمكانية انضمام أوكرانيا إلى الحلف، تهديدا وجوديا لأمنها.
حل تلك المعضلة -بحسب «نيويورك تايمز»، يتمثل في ترك الطريق مفتوحاً أمام أوكرانيا للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، لكن ليس إلى حلف شمال الأطلسي. وقبل فشل محادثات السلام في عام 2022، وافق المفاوضون الروس على صياغة في مسودة المعاهدة تقول إن الصفقة ستكون «متوافقة مع عضوية أوكرانيا المحتملة في الاتحاد الأوروبي».
ضمانات الأمن
وفي غياب عضوية حلف شمال الأطلسي، طرح زيلينسكي فكرة نشر 200 ألف جندي أجنبي في أوكرانيا لحماية أي وقف لإطلاق النار. ويقول المحللون إن الغرب لا يستطيع إنتاج مثل هذه القوة الضخمة.
إلا أن كير ستارمر، رئيس الوزراء البريطاني، قال يوم الأحد إن بلاده ستكون مستعدة لإرسال عدد غير محدد من قوات حفظ السلام.
لكن روسيا تريد «ضمانات أمنية» خاصة بها لضمان عدم محاولة أوكرانيا إعادة بناء قدراتها العسكرية واستعادة الأراضي التي سيطرت عليها موسكو. وهي تريد تحديد حجم الجيش الأوكراني ومنع القوات الأجنبية من دخول البلاد.
وبحسب «نيويورك تايمز»، فإن التوفيق بين هذه العناصر يشكل على نطاق واسع الجانب الأكثر صعوبة في أي مفاوضات. وقد قام فريق من الخبراء بقيادة مارك ويلر، أستاذ القانون الدولي في جامعة كامبريدج والمتخصص في مفاوضات السلام، بصياغة اتفاق محتمل يتصور حلاً وسطاً: نشر قوة دولية صغيرة تتألف من 7500 جندي من دول مقبولة لدى كل من روسيا وأوكرانيا للحفاظ على السلام على خط المواجهة.
وتتضمن اقتراحات ويلر فرض عقوبات فورية على أي من الجانبين إذا استأنفا الأعمال العدائية. كما تسمح هذه الاقتراحات لأوكرانيا بإجراء تدريبات مشتركة محدودة مع دول أخرى والتعاون معها في إنتاج الأسلحة والتدريب العسكري.
وبحسب المقترحات، فإنه لن يكون هناك نشر دائم لقوات أجنبية، إلا أن أوكرانيا ستكون قادرة على استضافة عدد صغير من الموظفين الفنيين. كما ستوافق أوكرانيا على حظر الصواريخ التي يزيد مداها عن 155 ميلاً.
وأشار توماس جريمينجر، الدبلوماسي السويسري السابق الذي شارك في مراقبة وقف إطلاق النار في شرق أوكرانيا بعد عام 2015، إلى ثلاث قضايا رئيسية؛ أولها: الاتفاق على «خط التماس» الذي يفصل الأراضي الروسية عن الأراضي الخاضعة لسيطرة أوكرانيا، ثم هناك حاجة إلى «منطقة فض الاشتباك» أو منطقة عازلة بين القوات المتعارضة لمنع إطلاق النار العشوائي أو سوء الفهم من التحول إلى قتال.
أما ثالث تلك القضايا، فإن هناك حاجة إلى إيجاد وسيلة ما لمحاسبة الجانبين على انتهاكات وقف إطلاق النار.
وقال غريمينجر، الذي يشغل الآن منصب مدير مركز جنيف للسياسة الأمنية، إن اللغة المستخدمة في الاتفاقات «قد تكون فنية للغاية» فيما يتصل بقضايا مثل منطقة فض الاشتباك وتطبيق وقف إطلاق النار. لكنه أضاف أن هذه اللغة قد تكون «حاسمة للغاية فيما يتصل بما إذا كان وقف إطلاق النار سيصمد».
بنية أمنية جديدة
ويزعم بوتين أن حربه لا تتعلق بأوكرانيا فحسب، بل تتعلق بإجبار الغرب على قبول بنية أمنية جديدة في أوروبا، فقبل أسابيع من عمليته العسكرية بأوكرانيا، قدم إنذارًا نهائيًا يطالب فيه الناتو بالتوقف عن التوسع شرقًا والانسحاب من معظم أوروبا.
وفي مكالمته الهاتفية مع ترامب في 12 فبراير/شباط الجاري، حذر بوتين من «الحاجة إلى القضاء على الأسباب الجذرية للصراع»، حسبما قال الكرملين، ما يعني أن روسيا من المرجح أن تتقدم بمطالب تتجاوز إلى حد كبير مصير أوكرانيا نفسها.
ومن المرجح أن يزعم حلفاء أمريكا أن تراجع حلف شمال الأطلسي في أوروبا من شأنه أن يزيد من خطر عملية عسكرية روسية مماثلة في دول مثل بولندا ودول البلطيق. لكن ترامب قد يكون مستعدا لقبول مثل هذه الصفقة، نظرا لتشككه في الانتشار الأمريكي بالخارج.
«إن كل هذا من شأنه أن يؤدي إلى مفاوضات معقدة بشكل لا يصدق»، يقول غريمينجر، الذي كان يعمل مع خبراء مقربين من الحكومات التي لها مصلحة في الحرب لتحديد كيفية سير المحادثات، مشيرًا إلى أن هناك ثلاثة مسارات تفاوضية على الأقل: المسار الأمريكي الروسي، والمسار الروسي الأوكراني، والمسار الروسي الأوروبي.
ترامب وبوتين
كما أن لدى بوتن مطالب تتجاوز مسألة الأراضي والأمن؛ ففي محادثات السلام التي جرت في عام 2022، سعى المفاوضون الروس إلى تجريد أوكرانيا من هويتها، مطالبين بأن تجعل البلاد الروسية لغة رسمية وتحظر تسمية الأماكن بأسماء المقاتلين الأوكرانيين من أجل الاستقلال. ومن المرجح أن تثار هذه القضايا مرة أخرى.
وقد يحاول بوتين أيضًا الاستفادة من تسوية أوكرانيا للحصول على فوائد أخرى من ترامب، مثل تخفيف العقوبات. لكن بعض المحللين يعتقدون أن رغبته الواضحة في إبرام صفقة كبرى مع واشنطن قد تمثل الحافز الأكبر له لإبرام صفقة.
وتقول روز جوتمولر، وكيلة وزارة الخارجية الأمريكية السابقة التي تتمتع بخبرة في التفاوض مع الروس: «يرغب بوتين في إقامة علاقة مثمرة طويلة الأمد مع هذه الإدارة. ويتعين عليه أن يكون على استعداد لتقديم التنازلات».
aXA6IDE4LjIxNi40MC40MCA=
جزيرة ام اند امز