أوروبا على مفترق طرق.. قرار مصيري يعيد رسم مستقبل السيارات والانبعاثات
يبدو أن الاتحاد الأوروبي سيلغي حظراً تاريخياً كان مقرراً في عام 2035 على السيارات الجديدة التي تعمل بالبنزين والديزل، وذلك كجزء من حزمة إصلاحات تهدف إلى دعم الصناعة الأوروبية المتعثرة.
تدخل أوروبا مرحلة مفصلية في سياستها البيئية والصناعية، مع اقتراب المفوضية الأوروبية من اتخاذ قرار حاسم بشأن مستقبل صناعة السيارات، أحد أعمدة الاقتصاد الأوروبي، فالجدل المحتدم حول تخفيف معايير انبعاثات ثاني أكسيد الكربون يعكس صراعًا معقدًا بين الطموحات المناخية، والواقع الصناعي، والضغوط الاقتصادية التي تواجهها الدول الأعضاء والشركات المصنعة على حد سواء.
وقالت صحيفة "ليزيكو" الاقتصادية الفرنسية إنه من المنتظر أن تحسم المفوضية الأوروبية، الثلاثاء، موقفها بشأن حظر بيع السيارات العاملة بمحركات الاحتراق الداخلي بحلول عام 2035.
وبينما تبدي ألمانيا ثقة بإمكانية خفض هدف تقليص الانبعاثات إلى 90%، تدافع فرنسا، بحسب معلوماتنا، عن قاعدة مختلفة تقوم على مبدأ "75% مزدوجة".
وتساءلت الصحيفة الفرنسية :"إلى أي اتجاه سترجح الكفة؟ " موضحة أنه "من المرتقب أن تكشف المفوضية الأوروبية، اليوم الثلاثاء، عن حجم التخفيف الذي تنوي اعتماده في أهدافها المتعلقة بانبعاثات ثاني أكسيد الكربون الخاصة بصناعة السيارات.
وأوضحت الصحيفة الفرنسية أنه "منذ أشهر، يشهد هذا الملف مفاوضات مكثفة، يُتوقع أن تزداد حدتها وأن تمتد حتى اللحظات الأخيرة التي تسبق الإعلان الرسمي".
وفي وقت أظهرت فيه دول الاتحاد الأوروبي تباينات واضحة في مواقفها، على غرار شركات تصنيع السيارات والموردين الصناعيين، تبقى اليقينيات محدودة، بينما تظل الرهانات الاقتصادية والسياسية والبيئية في غاية الأهمية.
قرار مصيري قبل 2035
ويشكل عام 2035 حجر الزاوية في الاستراتيجية الأوروبية الهادفة إلى القضاء التدريجي على السيارات العاملة بالبنزين والديزل.
غير أن التباطؤ الاقتصادي، وارتفاع تكاليف الانتقال إلى السيارات الكهربائية، إضافة إلى المنافسة المتزايدة من الشركات الصينية والأميركية، دفعت عدة دول أوروبية إلى المطالبة بمراجعة هذه الأهداف أو تخفيفها.
وفي هذا السياق، تجد المفوضية الأوروبية نفسها أمام معادلة صعبة: الحفاظ على مصداقية التزامات الاتحاد المناخية، دون إلحاق ضرر بالغ بصناعة السيارات الأوروبية التي توفر ملايين الوظائف.
انقسام أوروبي واضح
وتظهر المفاوضات الجارية انقسامًا واضحًا داخل الاتحاد الأوروبي، فبينما تميل ألمانيا، صاحبة أكبر صناعة سيارات في أوروبا، إلى دعم خفض هدف تقليص الانبعاثات إلى 90% بدلًا من الالتزام الصارم بالحظر الكامل، تسعى إلى منح الشركات هامشًا زمنيًا وتقنيًا أوسع للتكيّف.
في المقابل، تدافع فرنسا عن مقاربة مختلفة تقوم على ما يعرف بقاعدة "75% المزدوجة"، وهي صيغة تهدف إلى توزيع الجهود بين تحسين كفاءة محركات الاحتراق التقليدية وتسريع التحول نحو السيارات الكهربائية، دون فرض قطيعة مفاجئة مع التكنولوجيا الحالية.
ضغط المصنعين والمجهزين
لا يقتصر الخلاف على الحكومات فقط، بل يمتد إلى مصنعي السيارات والمجهزين الصناعيين، الذين يحذرون من أن القواعد الصارمة قد تؤدي إلى إغلاق مصانع، وتسريح عمال، وتراجع القدرة التنافسية للصناعة الأوروبية عالميًا.
ويؤكد هؤلاء أن الانتقال البيئي يحتاج إلى مرونة وتشجيع الابتكار بدل فرض مهل زمنية يعتبرونها غير واقعية.
رهانات بيئية واقتصادية
رغم هذه الضغوط، تصر منظمات بيئية وعدد من الدول الأعضاء على ضرورة عدم التراجع عن الأهداف المناخية، معتبرة أن أي تخفيف قد يبعث برسالة سلبية للأسواق ويقوض الجهود الرامية إلى الحد من الاحتباس الحراري.
فبالنسبة لهم، تمثل صناعة السيارات أحد أكبر مصادر الانبعاثات، وأي تنازل في هذا الملف قد ينعكس سلبًا على مصداقية الاتحاد الأوروبي عالميًا.
ساعات حاسمة قبل الإعلان
مع اقتراب موعد الإعلان الرسمي، تتواصل المشاورات خلف الكواليس في بروكسل بوتيرة متسارعة.
وتبدو جميع السيناريوهات مفتوحة، بين تثبيت الأهداف الحالية، أو إدخال تعديلات جزئية، أو اعتماد صيغة وسط ترضي مختلف الأطراف.
ولا يقتصر قرار المفوضية الأوروبية على كونه إجراءً تقنيًا، بل يشكّل خيارًا استراتيجيًا سيحدد ملامح صناعة السيارات الأوروبية لعقود مقبلة.
وبين الطموح البيئي والواقعية الاقتصادية، تترقب العواصم الأوروبية والأسواق العالمية ما ستسفر عنه الساعات المقبلة، في قرار قد يعيد رسم توازنات الصناعة والبيئة داخل الاتحاد الأوروبي.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMTAzIA== جزيرة ام اند امز