ما الذي تحتاجه "فيدريكا موغيريني" لتحسم أمرها من إيران وأعمالها الإرهابية والتخريبية في الخليج العربي وحول العالم؟
ما الذي تحتاجه مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي فيدريكا موغيريني لتحسم أمرها من إيران وأعمالها الإرهابية والتخريبية في الخليج العربي وحول العالم؟
مثيرة جدا تصريحاتها الأخيرة التي أكدت فيها أن أوروبا تدعم الاتفاق النووي الإيراني، وتدعو إلى تجنب التصعيد، فقد صرحت الإثنين وقبل اجتماع لوزراء خارجية بريطانيا وفرنسا وألمانيا الموقعة على الاتفاق النووي: "سنواصل دعمه قدر ما نستطيع بكل الوسائل وبإرادتنا السياسية".
النقطة الجوهرية التي يحق لنا من خلالها أن نجادل السيدة موغيريني: حسنا إنكِ لا تودين أن ترين تصاعداً في الأحداث يؤدي إلى حرب طاحنة مع الولايات المتحدة الأمريكية، لكن ألا تنظرين إلى الأسباب الرئيسية التي تدفع في اتجاه الحرب هذه؟هناك عدة أسئلة تطرح ذاتها بذاتها على مائدة النقاش، وفي المقدمة منها: "هل الإرادة السياسية الأوروبية موحدة بالفعل وراء موغيريني أم أن تصريحات بعينها تبين لنا أن الدعم الذي تتحدث عنه لإيران في طريقه إلى الاضمحلال؟
من الواضح أن أخبار الانسحاب الجزئي من الاتفاق النووي سيئ السمعة الخاص بإيران لم يصل إلى أسماع السيدة موغيريني، تلك الخطوة التي تعني طلاقة اليد الإيرانية في الماء الثقيل واليورانيوم المخصب وتصديرهما إلى الخارج، ما يؤكد ويعزز الشكوك التي يوقن بها القاصي والداني تجاه مشروع إيران النووي وهدفه الرئيسي الحصول على سلاح نووي وليس كمصدر للطاقة الكهربائية.
كيف لا يستقيم للسيدة موغيريني أن تنظر بعين فاحصة إلى المحاولات الإيرانية الحثيثة لدق أسافين من الخلافات بين بروكسيل وواشنطن، لا سيما أن الخطوة الإيرانية الأخيرة الخاصة بالانسحاب الجزئي تضع الدول الأوروبية في موقف صعب؛ إذ يرغمها على الاختيار بين حليفها الأساسي الولايات المتحدة الأمريكية وبين الاتفاق النووي مع إيران.
هل تراهن السيدة موغيريني على إيران في مواجهة الولايات المتحدة؟ من الواضح أن السيدة موغيريني تخطئ كثيرا إن لم تكن قادرة على النظر إلى نقطة أبعد من اللحظة الآنية وفي أكثر من اتجاه.
ربما الاتجاه الأول والأهم هو أن أوروبا لن تملك حياة أمنية وعسكرية خارج حلف الناتو مجتمعة، وها هي ترى الطموحات العسكرية الروسية والصينية على الامتداد الجغرافي منها، وإرهاصات مواجهات ومخاوف لوجستية تحوم من فوقها صباح مساء كل يوم، فهل باليسير التنصل من تحالفها التاريخي مع العم سام من أجل طهران؟
ثم خذ إليك بعين براجماتية نوعا ما.. حسابات الربح والخسارة والتفضيلات العقلانية، لا سيما أن إجمالي التعاملات التجارية الأوروبية الإيرانية لا تتجاوز الخمسة مليارات دولار سنويا، في حين أن نظيرتها مع الولايات المتحدة الأمريكية تفوق 800 مليار دولار، من غير المحتمل أبدا أن تكون أوروبا قادرة على إقناع مصارفها وشركاتها بالمخاطرة بخسارة مليارات دولارات مع الشريك والحليف الأمريكي التاريخي كغرامات حال تحديها القيود الأمريكية التي فرضها الرئيس ترامب من جديد على الإيرانيين.
أمر آخر لا بد من توضيحه للسيدة موغيريني توضيحا فاضحا وواضحا وكاشفا مرة واحدة، ولنترك لها من بعد أن تحدد موقفها من إيران واتفاقها الذي صار بالفعل في حكم المنقضي.
الأمر يتصل بأمن وأمان وسلامة القارة الأوروبية ودولها وشعوبها، فقد أثبتت التجربة والأحداث أن إيران أكبر مهدد في هذا الإطار، وما القضايا التي أعلن عنها وغيرها التي لم تتسرب أخبارها لوسائل الإعلام عن عمد أوروبي، والمرتبطة بجرائم إرهابية على الأراضي الأوروبية إلا خير دليل على خطط إيران السوداء، وعلى أولئك الذين يجادلون بغير ذلك البحث في الجرائم التي حاول رجال الحرس الثوري الإيراني ارتكابها، مثل تفجير مؤتمر للمعارضة الإيرانية في شهر يونيو/حزيران من عام 2018 في باريس، ولولا أن الله سلّم لكانت مذبحة بشرية ارتكبت على الأراضي الفرنسية.
هل هذه هي إيران التي تدافع موغيريني عنها باستماتة غير مسبوقة؟ يحق لنا وللقارئ الحصيف أيضا أن يقف مندهشا أمام أوروبا التي تتعامى عن حقيقة الطباع الإيرانية، والتكوين الأيديولوجي لذلك البلد الذي يحمل كراهية تاريخية للشعوب الأوروبية ويتعاطى معها بغطرسة غير مسبوقة.
يتذكر الجميع أنه في شهر مارس من عام 2018 توجه السيد "جان ايف لودريان" وزير الخارجية الفرنسي إلى طهران، في محاولة منه لإقناع نظام الملالي بوقف التجارب الصاروخية، خاصة الباليستية منها، ومن المعروف أن ذلك البرنامج يعد مهددا رئيسيا لدول الجوار من جهة، وكذلك لعدد من دول جنوب أوروبا التي تطالها الصواريخ الإيرانية بعيدة المدى اليوم، وفي الغد تضحى أوروبا كلها مكشوفة لصواريخ إيران المتطورة.
هنا يقول قائل: ماذا لو حازت إيران سلاحا نوويا وركبته على صواريخها تلك؟ هل سيضحى الأمر كارثة غير مسبوقة للأوروبيين؟
الشاهد أن كثيرا من المؤرخين الأوروبيين يقررون اليوم أنه كان من الخطأ الجسيم الصمت أمام هتلر في سنوات تكوينه، لا سيما أن هذا الصمت قد كلف أوروبا ست سنوات من الحرب الطاحنة وملايين القتلى، وإضعافهم من الجرحى، ناهيك عن الخراب الاقتصادي الذي ما قدرت أوروبا أن تنتعش من جرائه إلا بعد خطة مارشال الأمريكية.
لقد وضح للمتابعين لهذه الزيارة عودة السيد لودريان بخفي حنين، ووضح أيضا الرد الذي أرسله الملالي معه، فقد قالوا له: "نحن نوافق على وقف البرنامج الصاروخي الإيراني لكن بشرط واحد وهو أن تتخلى أوروبا وأمريكا مجتمعتين عن أسلحتهما الصاروخية"، الأمر التعجيزي الذي يعكس شهوات قلب الإيرانيين في بلورة قوة صاروخية قادرة في أضعف الإيمان على المشاغبة والمشاغلة، وإحداث أكبر الإضرار بالقاصي والداني من القوى الأوروبية.
النقطة الجوهرية التي يحق لنا من خلالها أن نجادل السيدة موغيريني: حسنا إنكِ لا تودين أن ترين تصاعدا في الأحداث يؤدي إلى حرب طاحنة مع الولايات المتحدة الأمريكية، لكن ألا تنظرين إلى الأسباب الرئيسية التي تدفع في اتجاه الحرب هذه؟ ألم يصل أخباركِ ممارسات إيران من فوضى عارمة تؤدي إلى اشتعال المنطقة برمتها؟
الأمريكيون لا يسعون للحرب، لكنهم جاهزون لها هذه المرة، والسؤال.. متى تستفيق السيدة موغيريني وعموم الأوروبيين؟
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة