أوروبا وتسوية أزمة أوكرانيا.. ماذا لو انسحبت أمريكا؟

موقف أوروبا من أزمة أوكرانيا يعد امتدادا لرؤية استراتيجية تؤكد على ضرورة الحفاظ على مبدأ تاريخي تأسس عليه سلام القارة العجوز.
هذا المبدأ، المتمثل في "حرمة الحدود الدولية، ورفض تغييرها بالقوة" والذي لطالما دافع عنه الأوروبيون لعقود، أصبح اليوم على المحكّ مع تزايد الضغوط الأمريكية لقبول تسوية تُجبر أوكرانيا على التنازل عن أجزاء من أراضيها، بحسب صحيفة "نيويورك تايمز".
ويواجه المسؤولون الأوروبيون، الذين رأوا في تلك التسوية ميلاً مفرطًا لصالح روسيا والرئيس فلاديمير بوتين، مأزقًا حقيقيًا، ولذلك، أعربوا عن استعدادهم للاستمرار في دعم أوكرانيا حتى في حال انسحاب واشنطن من الملف.
والهدف الأوروبي هو تمكين كييف من التفاوض بنفسها على نهاية مقبولة للحرب، مع الحصول على مساعدات وضمانات أمنية كافية لردع روسيا في المستقبل — ويفضل أن يكون ذلك بمساعدة أمريكية، وإن لم تكن متاحة فبدونها.
خلافات
لكن الاحتياجات السنوية لأوكرانيا تُقدّر بـ50–60 مليار يورو (ما يعادل 57–68 مليار دولار) - وهو مبلغ ضئيل مقارنة بالناتج المحلي الإجمالي للاتحاد الأوروبي الذي تجاوز 16 تريليون يورو في 2023 - لا تزال مصدر خلاف.
ويعكس تعثّر الموافقة على حزم إضافية انقسامات عميقة، فدول "الخط الأمامي" مثل بولندا وألمانيا وفرنسا تُظهر التزاماً واضحاً، حيث خصصت ألمانيا وحدها 8 مليارات يورو لدعم كييف في 2024، بينما تدفع فرنسا نحو مبادرات لتصنيع الأسلحة داخل أوكرانيا.
فيما تبدي دول الجنوب الأوروبي مثل إيطاليا وإسبانيا تضامناً لفظياً، لكن مساهماتها المالية محدودة، بسبب ضغوط الديون الداخلية وعدم اعتبار الأزمة الأوكرانية تهديداً مباشراً لأمنها.
أما المجر وسلوفاكيا فتُعتبران "حصان طروادة" الروسي داخل الاتحاد؛ فبينما تهدد بودابست بحجب أي قرارات دعم جديدة، تتبنى براتيسلافا خطاباً متشككاً في جدوى الحرب، مع تركيز رئيسها روبرت فيكو على "ضرورة التفاوض الفوري".
من ناحية أخرى، تدرس دول مثل بريطانيا - خارج الاتحاد الأوروبي ولكن داخل الناتو - خيارات جريئة، إرسال مستشارين عسكريين إلى أوكرانيا، أو إنشاء صندوق أوروبي مشترك لضمان استمرار تدفق الأسلحة حتى مع انسحاب واشنطن.
البحث عن بدائل
لا يقتصر الدعم الأمريكي على التمويل، بل يشمل عناصر حيوية مثل البيانات الاستخباراتية، وأنظمة الدفاع الجوي المتطورة (كباتريوت)، والتغطية الفضائية التي تُحدد تحركات القوات الروسية، وهنا، يواجه الأوروبيون تحدياً ثلاثياً.
أول التحديات تعويض الفجوة التكنولوجية عبر تعزيز التعاون مع شركاء مثل بريطانيا - التي تمتلك أقماراً صناعية متطورة - أو حتى تركيا، التي قد توفر طائرات مسيّرة فعالة مقابل ضغوط سياسية.
وأيضا تسريع التكامل الدفاعي الأوروبي، كتفعيل آلية "الصندوق الأوروبي للسلام"، وزيادة ميزانيات البحث العسكري المشترك، وإقناع ترامب بالحفاظ على الحد الأدنى من الدعم: كالاستخبارات، التي يعتبرها الأوروبيون "أقل كلفة سياسية" لواشنطن، لكنها حيوية لبقاء أوكرانيا.
السيناريو الأسود
رغم رفض الأوروبيين العلني للضغوط الأمريكية لقبول تنازلات أوكرانية، يعترف بعض الخبراء بأن الواقع العسكري قد يفرض تسوية ما.
فكما يقول كميل غران، الخبير في الشؤون الأمنية: "لا أحد يريد حرباً لا نهاية لها، لكن التسوية يجب أن تأتي من كييف، لا أن تُفرض من موسكو أو واشنطن".
وأحد السيناريوهات المطروحة هو "تجمد الصراع" مع اعتراف ضمني بالوضع الراهن: حيث تحتفظ أوكرانيا بـ80 في المائة من أراضيها، بينما تبقى المناطق الخاضعة لسيطرة روسيا كأمر واقع، دون اعتراف دولي.
لكن هذا السيناريو يُعتبر كارثياً بالنسبة للأوروبيين، لأنه سيشكل سابقة لتفتيت دول أخرى بالقوة.
aXA6IDMuMTQ5LjI0LjExNSA= جزيرة ام اند امز