يستحق مؤتمر أحزاب اليمين المتطرف والشعبويين الأوروبيين الذي انعقد في مدينة كوبلنز الألمانية وقفة طويلة وتأملاً عميقاً
يستحق مؤتمر أحزاب اليمين المتطرف والشعبويين الأوروبيين الذي انعقد في مدينة كوبلنز الألمانية وقفة طويلة وتأملاً عميقاً في التغيير المحتمل أن يصيب القارة هذا العام عبر محطات انتخابية في عدد من الدول بينها فرنسا وألمانيا، وبما يكرس المنعرج الخطير الذي ينعطف إليه العالم أجمع بعد تولي الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب قيادة واشنطن مستنداً إلى خطاب شعبوي متطرف لم يسبق أن عرفته الولايات المتحدة.
وسط الصخب، الذي أحدثه انتخاب ترامب ووصوله إلى البيت الأبيض، يتحرك الشعبويون على مستويات عدة وفي بلدان أوروبية وغيرها دون خشية من أحد، وكأن في الأمر تحالفاً غير معلن بين كل هذه التشكيلات المتطرفة لإحداث قطيعة تامة بين ما مضى وما يمكن أن يحصل مستقبلا. ويجد الرئيس الألماني ووزير الخارجية الحالي فرانك فالتر شتاينماير دلالة هذا الوضع الصعب في تنصيب ترامب رئيساً للولايات المتحدة باعتباره حدثاً «أنهى عالم القرن العشرين القديم إلى الأبد». وبحكم منصبه الحالي والمقبل والمعطيات المتوفرة بين يديه يعرف شتاينماير، أكثر من غيره، الأبعاد المتوقعة والدواعي التي دفعته إلى إطلاق هذا الشعور المتشائم الذي يشاطره فيه آخرون، بينهم رأس الفاتيكان البابا فرنسيس الذي أحال تطورات هذا العام إلى سنة 1933 في ألمانيا حين تم انتخاب الزعيم النازي أدولف هتلر الذي انتهى بتدمير بلاده ومعظم أوروبا. ولأن إحالة رجل الدين تختلف في دلالاتها عن إحالات السياسي، يجتمع الطرفان على الإقرار بخطورة هذه اللحظة التاريخية وصعوبة التنبؤ بما بعدها. وأكثر ما يثير الفزع منها هو الخطاب المتعالي الذي يتوخاه الشعبويون، وأولهم ترامب الذي هاجم بعنف خلال حفل تنصيبه سياسات أسلافه الذين كان أربعة منهم على المنصة. ثم ما عبرت عنه زعيمة الجبهة الوطنية الفرنسية ماري لوبان من طموح لتقرير معالم مستقبل أوروبا وسيادتها وحريتها في ظل اليمين المتطرف الذي يجب أن يصعد، من وجهة نظرها، في المحطات الانتخابية وينتزع السلطة من «المسخ الحالي» في إشارة إلى قادة الاتحاد الأوروبي. ولا شك أن هذا الخطاب الفظ يطرح تحدياً كبيراً أمام الحداثة الغربية المبنية على جملة من المبادئ الأساسية مثل حقوق الإنسان والحرية في المعتقد والتنقل والتعايش المشترك، وإذا تم إعادة النظر في هذا الأمر كله، أو نسفه نهائيا، فالنتيجة الحتمية ستكون أسوأ مما مر بالبشرية في العهود الماضية، أو هكذا يتخوف العارفون بخبايا التيارات المتطرفة.
مع مؤتمر كوبلنز العلني لعتاة الشعبويين دقت ساعة الخطر، وبدأت معركة مفتوحة بين نخب سياسية أوروبية «قديمة»، وأخرى «مجنونة» مكونة من أحزاب قومية تعادي كل غريب ولا تؤمن بأي تحالفات حتى في ما بينها. ولا يذهب في الظن أن هذه الأحزاب لو قدر لها تولي السلطة في بلدانها واستمرت لفترة من الزمن أنها ستلجأ إلى إقامة تحالفات وطيدة أو تعمد إلى بناء مصالح مشتركة مثلما هو الحال في العلاقات الدولية ما بعد الحرب العالمية الثانية، بل الأقرب، إذا ثبتت هذه الفرضية، أن يشهد العالم، بما فيه أوروبا، صراعات وربما حروباً كتلك التي شهدها الماضي. وهذا الأمر هو الذي يزعج الأحزاب الليبرالية والاشتراكية، وهو الذي يدعوها إلى الاتحاد في وجه هذه الموجة العاتية، فإما تكسرها إلى الأبد أو تنكسر أوروبا المتنورة وتندفع مع باقي العالم إلى المجهول.
* نقلا عن الخليج
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة