تقرير دولي: قطار الاحترار الأوروبي يسبق القارات الأخرى مرتين
يبدو أن أوروبا في طريقها لفقد ميزة من أهم مزاياها في فصل الصيف، وهي الطقس المعتدل.
وكشف تقرير صادر مؤخرا عن المنظمة العالمية للأرصاد الجوية (WMO) وخدمة "كوبرنيكوس" لتغير المناخ التابعة للاتحاد الأوروبي، أن قطار الاحترار الأوروبي يسير بسرعة فائقة تسبق القارات الأخرى مرتين.
وأوضح التقرير الذي يرصد حالة المناخ في أوروبا العام الماضي أن عدة دول في القارة سجلت أحر عاما لها على الإطلاق، ما تسبب في وفيات بسبب الصدمة الحرارية، واضطراب اقتصادي، وهو وضع مرشح للزيادة، ما لم تتم السيطرة على تغيرات المناخ.
وكانت كانت درجة الحرارة في أوروبا العام الماضي أعلى بنحو 2.3 درجة مئوية من متوسط ما قبل العصر الصناعي، المستخدم كخط أساس لاتفاق باريس، وهو ما فاقم من ظروف الجفاف الشديدة والواسعة النطاق، وأدى إلى حرائق غابات عنيفة أسفرت عن ثاني أكبر منطقة محترقة على الإطلاق، وأدت إلى آلاف الوفيات الزائدة المرتبطة بالحرارة، كما يقول بيتيري تالاس، الأمين العام للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية في تقرير نشره موقعها الإلكتروني.
مؤشرات مقلقة
وقدم التقرير تفصيلا لما أسماه بـ"المؤشرات مقلقة"، خلال عام 2022، ومنها أن دول بلجيكا وفرنسا وألمانيا وإيرلندا وإيطاليا ولوكسمبورغ والبرتغال وإسبانيا وسويسرا والمملكة المتحدة، سجلت أحر عام العام الماضي، وكان الصيف في أوروبا هو الأكثر حرارة على الإطلاق.
وكان متوسط درجة الحرارة السنوية لعام 2022 لأوروبا بين ثان ورابع أعلى مستوى مسجلا، وذلك بالتزامن مع هطول أقل من المتوسط للأمطار في معظم أنحاء القارة، وكانت فرنسا أكثر جفافاً من يناير/كانون الثاني إلى سبتمبر/أيلول، وشهدت المملكة المتحدة جفافاً من يناير/كانون الثاني إلى أغسطس/ آب هو الأكبر منذ 1976، مع عواقب بعيدة المدى على الزراعة وإنتاج الطاقة.
وانخفضت احتياطيات المياه في إسبانيا إلى 41.9 في المائة من إجمالي السعة بحلول 26 يوليو/تموز، مع قدرة أقل في بعض الأحواض، وفقدت الأنهار الجليدية في أوروبا حوالي 880 كيلومترًا مكعبًا من الجليد في الفترة من 1997 إلى 2022.
وكانت جبال الألب هي الأشد تضررا، حيث بلغ متوسط سمك الجليد 34 مترا، وفي عام 2022 ، شهدت الأنهار الجليدية في جبال الألب خسارة قياسية جديدة للكتلة في عام واحد، بسبب انخفاض تساقط الثلوج في فصل الشتاء، وصيف دافئ للغاية ورواسب الغبار من الصحراء.
وساهم ذوبان الغطاء الجليدي في جرينلاند بحوالي 14.9 ملم في ارتفاع متوسط مستوى سطح البحر العالمي،ووفقا لتقرير المنظمة العالمية للأرصاد الجوية، فقد استمر في فقدان كتلته خلال عام 2022.
وكان متوسط درجات حرارة سطح البحر عبر شمال المحيط الأطلسي هو الأكثر دفئًا على الإطلاق، وتأثرت أجزاء كبيرة من بحار المنطقة بموجات الحرارة البحرية القوية، كانت معدلات الاحترار السطحي للمحيطات، لا سيما في شرق البحر الأبيض المتوسط، وبحر البلطيق، والبحر الأسود، وجنوب القطب الشمالي، أكثر من ثلاثة أضعاف المتوسط العالمي.
الإجهاد الحراري
وبالإضافة لهذه المؤشرات البيئية المقلقلة، رصد التقرير تداعيات الحرارة الشديدة، وأبرزها الوفيات الزائدة بسبب الإجهاد الحراري، حيث أسفرت الأخطار المتعلقة بالأرصاد الجوية والهيدرولوجيا والمناخ في أوروبا في عام 2022 عن 16 ألف و365 حالة وفاة تم الإبلاغ عنها وأثرت بشكل مباشر على 156 ألف شخص.
وحذر المؤلفون المشاركون في التقرير من المزيد من المحنة القادمة، لأن الأرقام المزعجة "لا يمكن اعتبارها حدثًا لمرة واحدة".
ويقول الدكتور كارلو بونتمبو، مدير مركز كوبرنيكوس لتغير المناخ: "يُعلمنا فهمنا الحالي للنظام المناخي وتطوره أن هذه الأنواع من الأحداث هي جزء من نمط سيجعل حالات الإجهاد الحراري الشديدة أكثر تواترا وشدة في جميع أنحاء المنطقة".
بادرة أمل
كما سلط التقرير الضوء على تداعيات أنماط الطقس المتطرفة في أوروبا على العرض والطلب والبنية التحتية لنظام الطاقة في أوروبا.
ولكن التقرير أشار إلى بادرة أمل في المستقبل، حيث ولدت الطاقة المتجددة كهرباء أكثر من الغاز الطبيعي في أوروبا العام الماضي، وولدت طاقة الرياح والطاقة الشمسية 22.3 في المائة من كهرباء الاتحاد الأوروبي، بينما شكل الغاز الطبيعي 20 في المائة.
هذه التحركات الإيجابية يعزيها خالد أيوب، أستاذ العلوم البيئية بجامعة جنوب الوادي (جنوب مصر)، إلى أن فقدان الغاز الروسي بسبب الأزمة الأوكرانية، دفع الغرب إلى الاستثمار في الطاقات المتجددة، حتى لا يضع الغرب نفسه مجددا تحت رحمة سلاح الطاقة الذي استخدمه الرئيس الروسي خلال الحرب.
ويقول أيوب لـ "العين الإخبارية": "التحدي الحقيقي هو أن تكون تلك التحركات دائمة ومستمرة، وليست وليدة التعامل مع الأزمة الحالية".
ويعتبر أيوب أن "قمة المناخ القادمة (COP28) في دولة الإمارات خلال نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، ستكون كاشفة عن الرغبة الحقيقية لدى الغرب في إعطاء مزيد من الزخم للطاقة المتجددة".