"ماديات مستعارة".. معرض بدبي يعكس الوجه الآخر للأشياء
المعرض يضم أعمالا فنية مختلفة الأحجام، تؤكد ما يمتاز به الفن التشكيلي والبصري من قدرة على تحويل الأشياء وإكسابها شكلا آخر
اجتمع نحو 18 فناناً محلياً وعربياً وأجنبياً تحت سقف واحد، ليرصدوا معاً عبر معرض "ماديات مستعارة" في دبي، الوجه الآخر للأشياء، حيث قدم كل واحد منهم وجهة نظره حيال أشياء ومواد تركت على هامش الحياة، لتتحول بفضل إبداعاتهم إلى أشياء أخرى، تضج بالحياة، وتنطق بالجمال، معلنين تحديهم للأشكال المألوفة لبعض الماديات، مقدمين إياها بأشكال غير تقليدية، عبر أسلوب التحوير والتحويل.
وعلى أرض مركز "فن جميل" الواقع بمنطقة الجداف ووتر فرونت، بدبي، تمددت الأعمال الفنية على اختلاف أحجامها، لتؤكد ما يمتاز به الفن التشكيلي والبصري من قدرة على تحويل الأشياء وإكسابها شكلاً آخر، حيث تأتي هذه الأعمال في إطار التعاطي مع مفهوم "المادة".
فجاءت بعض الأعمال مطابقة مع أشكالها العادية، فيما تمردت الأخرى على جمودها، لتعبر في مجملها على طبيعة السرد الاجتماعي والثقافي وحتى الاقتصادي.
وفي معرض "ماديات مستعارة" الذي يستمر حتى نوفمبر/تشرين الثاني، يطل الفنان الإماراتي محمد كاظم، ليجسد عبر عمله الفني "إكريليك على ورق مخدوش"، طبيعة العلاقة بين الزمن والإنتاج، وفيه يستثمر الحركة والصوت والموسيقى وحركة الزمن المستمرة.
وبدا كاظم في عمله مهتماً بالموسيقى، مترجماً ذلك من خلال طبيعة الحركة المنسابة بكل شفافية على الورق، فيبدو أن كل خدش على الورق له صوت وشكل مختلف، قد لا يلحظها البعض، ولكنه سيكون قادراً على تلمسها، لا سيما وأن معظم أشكاله تأخذ طابع الثلاثي الأبعاد، الأمر الذي يسهل عملية رؤيتها بأشكال مختلفة.
وفي عمله يبدو كاظم متأثراً بالمدرسة التكعيبية والوحشية، التي تتجه عادة إلى أسلوب التبسيط في التشكيل، فاتحاً المجال أمام أعماله لأن تتفاعل مباشرة مع الإضاءة الطبيعية، التي تصدر معها الأصوات.
أرجوحة
عمل كاظم لم يكن الوحيد الذي يسمح بالتفاعل معه، فهناك عمل "أرجوحة صلاة"، التي قدمتها مجموعة "سلافز وتتارز" الفنية، وهو عبارة عن سبحات صلاة عملاقة، حولتها المجموعة إلى "أشبه بأرجوحة"، يمكن للمتفرج أن يلمس فيها عملية التأرجح بين الأضداد المتعاكسة، باستخدام عملية التأويل وتحريك أحد الأطراف، ليمنح العمل من الناحية المادية، المتفرج إمكانية التفاعل معه، ليس "مادياً" فقط، وإنما فكرياً أيضاً، بأن يفتح الأفق أمامه لأن يطلق العنان لتفكيره في الفضاء.
ويتجلى الإرث الاستعماري لزيمبابوي على أرض المعرض عبر عمل "معلومات مستعارة" الذي قدمه الفنان موفات تاكوديوا، والذي يتألف من لوحة مفاتيح كمبيوتر، تمتاز بكونها "إنجليزية" اللغة.
وما يميز هذا العمل؛ أن صاحبه قد سار في "حياكته" على منوال الطريقة التقليدية المستخدمة في حياكة المنسوجات التقليدية في زيمبابوي، ليبدو العمل برمته حاملاً لإسقاطات "اجتماعية" تعكس مستوى الفوارق الطبيعية في زيمبابوي، وما خلقته اللغة الإنجليزية من تقسيمات هناك، حيث أثر ذلك على طبيعة الهوية الثقافية للبلد، بشكل عام، وطريقة تأسيسها وتشييدها على أسس متعددة الملامح.
علامات بارزة
مسألة الهوية والانتماء أطلت برأسها من خلال عمل "إسطنبول" للفنانة أزادة كوكش، التي اجتهدت فيه فوتوغرافياً لإبراز تشكلات العمارة وتأثيراتها، فجاء العمل مركباً بطريقة "الكولاج"، بعد أن قامت الفنانة كوكش بعملية تقطيع لمئات الصور، وإعادة جمعها مرة أخرى، في مشهد مختلف يبرز من خلاله أفق مدينة إسطنبول القديمة.
الدوران في أرجاء معرض "ماديات مستعارة" لا يمكن أن يتم دون المرور على عمل "كلان" للفنان عادل عبدالصمد، والذي يرصد فيه مجموعة متشعبة من الدلالات.
والعمل عبارة عن 8 أجسام مخروطية الشكل جلها تمثل مقدمات لـ"طائرات"، أخضعها عبدالصمد لعملية تعديل خاصة، بأن أصبحت مجسمات فارغة، تاركاً إياها للمتفرج لأن يملأها على طريقته الخاصة، في وقت احتوت هذه الأجسام على عديد الرموز التي تجيب على أسئلة كثيرة تتعلق بماهية المادة وطرق تغيرها، لتصبح ذات دلالات جديدة.
ألم الأرض
وفي معرض "ماديات مستعارة"، تكشف الفنانة زهرة الغامدي عن عمق صداقتها مع الأرض، وتشهر عبر عملها "مايسيليوم يتسارع" عقد دفاعها عن البيئة، ليبدو أن العمل "قوياً" ليس في طبيعة مادته الجلدية، وإنما في فكرته وقدرته على طرح جملة من الأسئلة الجوهرية، حول ما سببته الممارسات البشرية من تلوث وحروب من أضراء وأذى في جسم الأرض، التي طالما اعتبرتها زهرة أشبه بـ"كائن بشري" قادر على التنفس والعيش.
وتبين زهرة في عملها أن الأرض تنطق وتحاول أن تعبر عن ألمها الشديد، من خلال ظهور الفطريات على جسدها، والتي أخذت تنتشر في كل مكان، لتزيد من ألم الكوكب نفسه.
الجولة في المعرض قد تنتهي للوهلة الأولى مع انتهاء الأعمال ولكن أثرها لا يبدو أنه ينتهي بمجرد الخروج من بوابة مركز فن جميل، حيث تظل تأثيراتها حاضرة في الذهن، وقادرة على الإقناع بأن المادة ليست جامدة، وإنما يمكن لها أن تتغير وأن تتلون حسب الزمان والمكان، وطريقة التعاطي معها.
aXA6IDMuMjMuOTIuNjQg
جزيرة ام اند امز