قيس سعيد.. "ألغام" على طريق قرطاج
برودة رحلته في الوصول إلى قصر قرطاج لا تخفف من سخونة الملفات والتحديات التي تنتظره خلال فترته الرئاسية
إذا كانت رحلة وصوله إلى قصر قرطاج باردة دون امتطاء صهوة أي حزب، إلا أن ما ينتظر قيس سعيد الفائر في الانتخابات الرئاسية التونسية الأخيرة، يشي بأن الوافد الجديد مقبل على أجواء ساخنة.
فمن وضع اقتصادي صعب، إلى ملف أمني شائك، مرورا بالجهاز السري للإخوان، وصولا إلى حكومة غامضة الملامح، جميعها اختبارات سبقت جلوس الرئيس التونسي على كرسي الرئاسة، بمجرد أن يؤدي اليمين الدستوري أمام البرلمان، في موعد أقصاه الأسبوع المقبل.
وقبل يومين، أعلنت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات التونسية، النتائج الأولية التي أظهرت فوز المرشح قيس سعيد بانتخابات 2019، بنسبة 72.71% من أصوات الناخبين في الجولة الثانية على حساب منافسه نبيل القروي (27.29%).
ويرى مراقبون أن فوز الأكاديمي ورجل القانون قيس سعيد، ليصبح سادس رئيس للجمهورية التونسية منذ استقلالها سنة 1956، يضعه أمام مسؤوليات كبيرة لحلها.
وإلى أن يباشر قيس سعيد منصبه، يواصل محمد الناصر، الرئيس المكلف، مدة الـ90 يوماً من مهامه الرئاسية التي تنتهي في 24 أكتوبر/ تشرين الأول الحالي.
ولعل أبرز التحديات التي تنتظر الرئيس الجديد، ملف الإرهاب الذي استشرى في البلاد منذ سنة 2011، والاقتصاد الذي يعيش صعوبات هيكلية إثر ارتفاع نسب التداين إلى أكثر من 70% من الناتج الداخلي الخام.
الإرهاب والجهاز السري
يرى مراقبون أنه بات على قيس سعيد تحريك ملف الجهاز السري لإخوان تونس باعتباره رئيساً للجمهورية وقائداً أعلى للقوات المسلحة والرئيس الأول لمجلس الأمن القومي، وفقاً لما يراه الباحث في الجماعات الإسلامية أنس الشابي.
ولا يخفي "الشابي" أن أكثر رهان سيعزز شعبية الرئيس المنتخب هو التزامه بحل قضية الجهاز السري، التي تواجه فيه حركة النهضة الإخوانية اتهامات بالتورط في اغتيال اليساري شكري بلعيد في 6 فبراير/شباط 2013، والقيادي القومي محمد البراهمي في 25 يوليو/تموز من العام نفسه.
لكن الملاحظ أن قيس سعيد لم يقدم وعداً انتخابياً بهذا الخصوص، خلال حملته الانتخابية، واكتفى خلال كلمته بأنه سيستجيب لإرادة الشعب دون أن يحدد تفاصيل برنامجه لرئاسة الجمهورية، وفق متابعين للشأن التونسي.
المديونية.. ملف حارق
على الجانب الآخر، يقف ملف المديونية الخارجية لتونس وارتباط الموازنة العامة للدولة بصندوق النقد الدولي، منذ العام 2016، حجر عثرة في طريق أية حكومة جديدة للبلاد وقبل منها الرئيس قيس سعيد بطبيعة الحال.
الخبير الاقتصادي عادل الظاهري، رأى أن تونس مطالبة بإرجاع ديون خارجية وصلت إلى 100 مليار دينار (30 مليار دولار)، أي مديونية بلغت 3 مرات من قيمة ميزانية الدولة.
"الظاهري" أشار إلى أن الرئيس المنتخب مطالب بتقديم مقترحات لتنشيط الدبلوماسية الاقتصادية وتوضيح موقفه من السياسات الخارجية، وخاصة رؤيته للعلاقات مع الدول العربية والأوروبية، داعيا "سعيد" إلى الإدلاء بخطاب للتونسيين وكشف الخطوط الواضحة لـ5 سنوات من عهدته القادمة.
ووفقاً للخبير الاقتصادي "الظاهري" فإن الدولة التونسية تواجه صعوبات لسداد رواتب شهر ديسمبر/كانون الأول المقبل، وعلى الرئيس المنتخب الدخول في مشاورات سياسية مع أحزاب البرلمان لتحديد الخطوط العريضة للمرحلة المقبلة اقتصاديا واجتماعيا.
وأمام الصعوبات الكبيرة لتشكيل الحكومة في ظل رفض أكثر من حزب الدخول في تحالف مع حركة النهضة الإخوانية، سيجد قيس سعيد نفسه مطالبا بالدفع إلى التعبير عن موقفه من مختلف التجاذبات السياسية القائمة بتونس.
تشكيل الحكومة الجديدة
ملف تشكيل الحكومة الجديدة التي سيتعاون معها قيس سعيد، يبقى الأبرز على الساحة التونسية، خاصة مع وجود أحزاب ترفض الدخول في تحالف حكومي مع حركة النهضة الإخوانية.
والأحزاب الأربعة الرئيسية الرافضة للتحالف مع الإخوان، هي: التيار الديمقراطي (22 مقعداً)، والحزب الدستوري الحر (18 مقعدا)، وحركة الشعب (18 مقعدا)، وقبل منهم بطبيعة الحال حزب قلب تونس (39 مقعدا) الذي يتزعمه نبيل القروي.
هنا يؤكد المحلل السياسي بسام حمدي أنه على الرئيس الجديد، إيجاد المعادلة الضرورية لتشكيل الحكومة في ظل عسر إمكانية اللقاء بين الأحزاب الفائزة في الانتخابات.
واعتبر "حمدي" أن خطة رئاسة الجمهورية هي سلطة أدبية ومعنوية لتذليل الصعوبات الاقتصادية والعمل على تقارب الرؤى بين التيارات السياسية،.
مشيرا إلى أن الرئيس المنتخب مطالب في الأساس برفع درجة الغموض حوله والإعلان عن فريق عمله في المرحلة المقبلة.