أصبح التلاعب بالقيم ومحاولات نسف المنظومة القيمية العالمية هو سبب من أسباب إنتاج التطرف والإرهاب
أضحى الواقع السياسي في الساحة الدولية مسرحا للعديد من المظاهر والظواهر التي تدعونا سلبيتها اليوم للقلق والخوف في بعض الأحيان، سواء من قوة وحجم التطورات والوقائع التي تنبئ عن تغيرات وتحولات هائلة، أو من حيث سرعتها التي تبين أن المسألة تحتاج إلى ضبط واجتهاد حقيقي في صيانة الحد الأدنى مما هو متعارف عليه دوليا ضمن أعراف وتقاليد الرصانة السياسية، على اعتبار أن أي تحول عشوائي اليوم فهو مجانب للصواب ومهدد لمفهوم التغيير من أجل التنمية.
أصبح التلاعب بالقيم ومحاولات نسف المنظومة القيمية العالمية سببا من أسباب إنتاج التطرف والإرهاب، وهو ما أصبح ينتج التطاول الذي تمارسه المجموعات التي يتطابق نهجها مع منطق الإرهاب، على دول لها موقع ومكانة ورصيد حضاري، وهو الأمر الذي أصبح يستدعي التجند والوعي الإقليمي لبناء قوة ردع
وفي سياق التحول دائما، نتحدث عن صعود مفاهيم وتراجع أخرى، كتعبير عن التحول في مدركات الواقع ودرجة مصاحبة التغيير للتحول على مستوى الفكر والثقافة، وفي ذلك نسجل تصاعدا ملحوظا في الاهتمام بمفهوم الكوميديا السياسية وبروزه باعتبارها نمطا من أنماط الثقافة التعبيرية المتحضرة، وكونها أداة من أدوات امتصاص الغضب والسخط المجتمعي في كثير من الأحيان، لكن يبقى مفهوم الكوميديا السياسية في حاجة دائما إلى موضوعية يتم فيها الموازنة بين الكوميديا والترفيه ولا يتم الخلط بينهما.
لكن على ما يبدو فإن الإشكال اليوم ليس في الكوميديا السياسية كمفهوم، بل كممارسة في الواقع، فعلى الرغم من أن ستينيات القرن الماضي أنتجت لنا أعمالا كوميدية تسعى إلى مواكبة التحولات السياسية والتعبير عن بعض أشكال الصراع المجتمعي، فإن تنامي الاهتمام بمفهوم الحرية هو من أكثر الأسباب التي أفسحت المجال لبروز الصراع الأكثر إلحاحا وهو الصراع السياسي، الذي أصبح يرهن الحديث عن مستقبل الدول والمجتمعات، بالشكل الذي ينقل واقعها من دوامة الكوميديا السياسية إلى دوامة جديدة باسم كوميديا الصراع.
فهل أصبحت الكوميديا السياسية أداة من أدوات صناعة التحول في المشهد السياسي الدولي، خصوصا أن الحديث يتواصل ويتصاعد حول صعود شخصيات كارتونية وفواعل وتيارات أيديولوجية، ليس لها إرث ولا تفقه معنى تقاليد السياسة، وفي ظل ميلاد التقنية المصاحبة للتطور التكنولوجي والتي أصبحت كأداة مساعدة على الترويج والتمييع في كثير من الأحيان؟ فهل هو تحول يصنعه القبول المجتمعي الذي يسارع إلى الانسلاخ من بعض القيود باسم الحرية، أم أنه تحول يفرضه منطق المادة ومنطق المصلحة الذي لا يعتبر ولا يرضخ إلا أمام سلطة المقابل؟
إن التحول من الواقع القيمي الذي كان سائدا خلال فترة من مراحل التاريخ الدولي مع كل ما فرضه من اصطفاف ومواجهة، إلى الواقع المادي الذي أنتج لنا أدوات متنوعة للمواجهة والاختراق هو ما يجعلنا نتساءل عن واقع ومستقبل المجتمعات التي لا تهتم بالمسرح والسينما، وذلك في الوقت الذي أضحى فيه المسرح والسينما مختبرات حقيقية لإنتاج القبول الشعبي والتحول المجتمعي في الدول الغربية.
لهذا فقد أصبح التلاعب بالقيم ومحاولات نسف المنظومة القيمية العالمية سببا من أسباب إنتاج التطرف والإرهاب، وهو ما أصبح ينتج التطاول الذي تمارسه المجموعات التي يتطابق نهجها مع منطق الإرهاب، على دول لها موقع ومكانة ورصيد حضاري، وهو الأمر الذي أصبح يستدعي التجند والوعي الإقليمي لبناء قوة ردع تصون وتحافظ على مكتسبات ورهانات المجتمع التنموية في المنطقة العربية.
من أجل ذلك نجد أن الفرق بين تجارب الكوميديا السياسية العربية والغربية هو أن الأخيرة تستعملها كأداة للتصويب وكتعبير عن وجه من أوجه سلطة النقد، أما بعض تجاربنا العربية ففيها من الانزلاقات والاستفزاز ما يجعلها مطالبة ببذل المزيد من الجهد والاهتمام بهذه المنصات الثقافية للتعبير، ومن خلال هذه الوقائع والتطورات فإن الحديث عن مستقبل المجتمعات الأكثر استقرارا يكون أو يبدأ من داخل الدول أو المجتمعات التي تصون إرثها الحضاري وتحافظ على تقاليدها ومعتقداتها بما لا يتعارض مع شروط نهضتها وتقدمها.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة