مؤشر بازل لمكافحة غسل الأموال لعام 2018 صنف إيران كأعلى بلد في العالم من ناحية مخاطر غسل الأموال من بين 149 بلدا
يواجه النظام الإيراني خيارات صعبة في الداخل اتضحت معالمه من خلال ما تواجهه الحكومة من تطورات سلبية داخلية ستؤثر على ما سيجري في الفترة المقبلة، خاصة أن تفعيل الإدارة الأمريكية منظومة العقوبات قد بدأ، وسيمثل تحدياً حقيقياً أمام الحكومة، سواء في التحرك الداخلي، أو التعامل مع المستوى الإقليمي والدولي.
يواجه النظام هذه التحديات من خلال الرهان على خيار الاستمرار والمواجهة ومحاولة العزف على مشاعر المواطن الإيراني، أما فيما يتعلق بالمواطن فيواجه تدهوراً حقيقياً في الحصول على الخدمات إلى جانب سوء الأوضاع السياسيةويواجه النظام هذه التحديات من خلال الرهان على خيار الاستمرار والمواجهة ومحاولة العزف على مشاعر المواطن الإيراني، أما فيما يتعلق بالمواطن فيواجه تدهورا حقيقيا في الحصول على الخدمات، إلى جانب سوء الأوضاع السياسية، لا سيما مع انتشار الجدل السياسي الدائر بشأن تقليل رئيس البرلمان الإيراني علي لاريجاني من مواقف مسؤولين في الحكومة الإيرانية بشأن تخليها عن قرار يلزم الرئيس حسن روحاني بزيادة رواتب الموظفين خلال العام الإيراني المقبل، الذي يبدأ 21 مارس، إلى جانب ارتفاع التضخم وزيادة أسعار المواد الغذائية، ولا يمكن استبعاد امتداد تأثير العقوبات الأمريكية على القطاعات الجديدة كافة، والتي ربما ستضيق الخناق على الاقتصاد الإيراني بصورة شاملة.
لقد أصدر البرلمان قرارا يلزم الحكومة بدفع زيادة على رواتب موظفي القطاعات الحكومية قدرها أربعة ملايين ريال، في وقت وصلت أسعار الدولار إلى 138 ألف ريال مؤخرا، ورغم ذلك أعلنت الحكومة عدم تطبيق هذا القرار، واقترحت رؤيتها في موازنة هذا العام صرف 14 مليار دولار من محل بيع النفط لتقديم السلع الأساسية للإيرانيين، مع العلم أن صادرات إيران من السلع غير النفطية بلغت 40 مليار دولار والواردات 38.5 مليار دولار.
كما زاد إجمالي الإيرادات المتوقعة في موازنة العام الإيراني المقبل بنسبة نحو 28%، مقارنة بالإيرادات المتوقعة في ميزانية العام الإيراني الحالي الذي ينتهي في 20 مارس الجاري، والبالغ قيمتها الإجمالية نحو 324 مليار دولار، وتم دمج خمسة مصارف وطنية في مصرف واحد بهدف إيجاد تحول جذري في النظام المصرفي لإيران في الفترة المقبلة.
إن الرسالة المهمة التي ترتبط بهذا الأمر وتتماشى في هذا السياق هي لعبة التوازنات داخل النظام الإيراني، وتعرضها لعملية شد وجذب حقيقي نتيجة ما يجري على أرض الواقع، والعمل على الاستمرار في مراوغاته السياسية والاستراتيجية لتحقيق مصالحه في الإقليم، في ظل الدعم الأوروبي الراهن ومحاولة تعويم النظام الإيراني من جديد، ومنحه الفرصة للاستمرار من خلال اتفاق مشترك ما زال في دائرة الاختبار في ظل التحفظات الأمريكية العديدة عليه، وهذا ما سيكون محورا رئيسيا للتعامل معه، حيث تتنامى الهواجس الداخلية الإيرانية بعد إعلان الولايات المتحدة خطة لتصفير صادرات النفط الإيرانية قبل منتصف العام الجاري، وفي مقابل ذلك تخطط الحكومة الإيرانية الحفاظ على مبيعاتها من النفط والحفاظ على الأقل بين 700 ألف ومليون برميل يوميا لتقليل تأثير العقوبات على الموازنة الإيرانية.
إضافة لذلك فإن التجاذبات مستمرة حول اتفاقية مجموعة العمل المالي، وهناك زيادة في الطلب على الدولار، وانهيار ثقة المواطن الإيراني في الريال، هذا ويشهد التضخم ارتفاعاً بنسبة التضخم؛ حيث ارتفعت أكثر من 42% أسعار السلع الأساسية والفواكه والخضراوات نحو ضعفين وثلاثة أضعاف خلال العام الجاري.
أضف إلى ذلك أن مؤشر بازل لمكافحة غسل الأموال لعام 2018 صنف إيران كأعلى بلد في العالم من ناحية مخاطر غسل الأموال من بين 149 بلداً شملتها الدراسة الاستقصائية المتخصصة في رصد مخاطر غسل الأموال وتمويل الإرهاب، كما أشارت "فاتف" إلى أن مجموعة العمل المالي قررت خلال اجتماعها مؤخراً أن تستمر في إجراءاتها المضادة لإيران، وحذرت في بيان لها في أكتوبر الماضي من أن النظام الإيراني سيواجه تداعيات قد تزيد عزوف المستثمرين عن إيران المتضررة بالفعل من عودة العقوبات الأمريكية.
لقد أقر عضو مجلس "تشخيص مصلحة النظام الإيراني" محمد باقر قاليباف باستشراء الفساد في جسد إيران، بسبب ممارسات مليشيا الحرس الثوري وتسخيرها مواد البلاد في دعم المليشيات الإرهابية في المنطقة، وحذر حسام الدين آشنا مستشار الرئيس الإيراني حسن روحاني من احتمال تجدد الاحتجاجات، لأن أسباب حدوثها لا تزال قائمة.
وقد أدت الأزمات المالية داخليا إلى ارتفاع حالة من الاستياء بين الإيرانيين، وهو ما حذر منه رئيس كتلة اميد الإصلاحية في البرلمان محمد رضا عارف، فقد تحدث عن خيبة أمل بين الإيرانيين، مؤكداً أنه في حال خاب أمل الشعب فسيتخطى الجميع.. فهل تصل الرسالة؟ كما أن شريحة الشباب، إضافة إلى تصاعد سقف المطالبات السياسية التي رفعت في الفترة السابقة، كانت لها مطالبات تتعلق بأوضاعها المعيشية والاقتصادية المتردية والإحباط الذي أصابها من جراء ذلك.
ارتفع أيضاً مؤشر أسعار إجمالي السلع والخدمات الاستهلاكية في إيران بنسبة 42.3% مقارنة بالشهور التي سبقت، بينما من المتوقع أن يرتفع معدل أجور العاملين في إيران بنسبة 20% فقط في العام الجاري.
وقد ذكر التقرير السنوي لمنظمة العفو الدولية لعام 2018 أن أوضاع حقوق الإنسان في إيران شهدت تدهوراً كبيراً، حيث قمعت السلطات الحق في حرية التعبير، وحرية التجمع السلمي وتكوين الجمعيات والانضمام إليها، فضلاً عن حرية الدين والمعتقد، واعتقلت مئات الأشخاص الذين جاهروا بمعارضتها كما أعدمت عدداً كبيراً من الأشخاص، وتعرضت جماعات مثل الدراویش الصوفيين والبهائيين والمسحيين واليارسان والمسلمين السّنّة للاضطهاد بسبب ممارستهم عقائدهم.
وفي المجال الاستراتيجي، فقد أعلنت منظمة الطاقة الذرية مؤخراً إغلاق محطة بوشهر النووية وإخراجها من شبكة كهرباء البلاد، لحاجتها إلى صيانة دورية، وتغيير بعض المكونات؛ حيث زادت تكلفة الكهرباء المنتجة في هذه المحطة بفعل العقوبات وجعلت تشغيلها غير ربحي، وهذا يشير إلى وجود مشاكل تقنية عديدة في المحطة، وإلى وجود مخاوف من فيروسات كامنة في الأجهزة الإلكترونية لها.
وسياسيا، جاءت استقالة وزير الخارجية محمد جواد ظريف -التي تراجع عنها لاحقا بعد أن أثارت الكثير من الجدال- لتشير إلى أن لظريف مواقف متباينة مع قيادات الحرس الثوري حول كيفية إدارة نفوذ إيران في دول المنطقة، التي تتواجد بها التنظيمات المدعومة إيرانيا، وقد لعب ظريف دوراً حاسماً في الحفاظ على مكاسب تلك التنظيمات الموجودة في عدة دول عربية، على هامش المباحثات حول البرنامج النووي في يوليو 2015، باعتباره كبير المفاوضين.
كما استمرت حالة الانقسام والتجاذب داخلياً بشأن التعامل مع تطورات التعاملات الأوروبية والأمريكية الجديدة؛ حيث هاجم قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري قاسم سليماني من يدعون اتفاقاً آخر مع الولايات المتحدة ووصفهم بالأعداء، معتبراً أن من يسعون إلى مثل هذا الاتفاق هدفهم تجفيف التيارات الإسلامية، إضافة إلى اعتبار البعض من قيادات الحرس الثوري أن هدف الولايات المتحدة من وراء إبرام اتفاق ثانٍ مع إيران هو تقويض إيران، وما توجب ذكره هو أن الرئيس الإيراني حسن روحاني كان أول من استخدم عبارة اتفاق ثانٍ في مناسبات سابقة، وكان روحاني طالب في خطاب بمناسبة أعياد النوروز عام 2015 بتسوية داخلية بعد تسوية القضية النووية مع القوى الدولية.
في خضم كل هذه التطورات السلبية داخل إيران والتي ستتزايد في الفترة المقبلة جاءت الدعوة الكريمة لوزير الخارجية الإماراتي الشيخ عبدالله بن زايد لإيران، بمراجعة سياساتها وعدم التدخل في شؤون الدول، ووقف نشر الفوضى والطائفية، وهو ما أكد عليه أيضاً مؤخراً "إعلان أبوظبي"، لعل الرسالة تصل إلى من يهمه الأمر.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة