غياب التوافق السياسي يهدد ميزانية الضمان الاجتماعي في فرنسا
شهد مشروع قانون تمويل الضمان الاجتماعي الفرنسي انتكاسة جديدة بعد فشل اللجنة المشتركة المتساوية، التي تجمع بين النواب وأعضاء مجلس الشيوخ، في التوصل إلى صيغة توافقية، نتيجة التباينات العميقة بين النسختين اللتين صادقت عليهما الغرفتان.
ومن المقرر أن يعود النص إلى الجمعية الوطنية ابتداءً من السبت داخل اللجنة المختصة، قبل مناقشته في الجلسة العامة الثلاثاء، في محطة جديدة قد تعيد إشعال الجدل السياسي حول مستقبل التوازنات الاجتماعية والمالية، بحسب صحيفة "لوفيجارو" الفرنسية.
انقسام جوهري حول إصلاح التقاعد
يعود الخلاف الرئيسي إلى مسألة تعليق إصلاح نظام التقاعد، إذ ألغى مجلس الشيوخ هذا التعليق، بينما كان قد مكّن رئيس الوزراء سيباستيان لوكورنو من كسب دعم الحزب الاشتراكي وتفادي تصويت بحجب الثقة في الجمعية الوطنية.
وكان مجلس الشيوخ، مستندًا إلى أغلبية واسعة من الجمهوريين والوسطيين، قد صوّت لصالح نسخة معدلة من المشروع بـ196 صوتًا مقابل 119، ما عمّق الفجوة مع النواب.
الحكومة بين الواقعية والبحث عن تسوية
رغم إشادته بما وصفه بـ"الجدية الميزانية" لمجلس الشيوخ، أقر وزير العمل جان بيير فاراندو بأن الطريق لا يزال طويلًا للتوصل إلى نسخة نهائية متوازنة، مؤكدًا أن المهمة ستكون دقيقة لكنها ليست مستحيلة، مع وجود "أرضيات مشتركة محتملة".
ويلاحظ أن نسخة الشيوخ اقتربت إلى حد كبير من تصور الحكومة، لا سيما بعد تخلي السلطة التنفيذية عن استخدام المادة 49.3 التي تسمح بتمرير النص دون تصويت، في خطوة اعتُبرت محاولة لإعادة الاعتبار لدور البرلمان.
أرقام العجز: صراع رؤى مالية
وفق الحكومة، فإن نسخة مجلس الشيوخ تستهدف خفض عجز الضمان الاجتماعي إلى 17.6 مليار يورو في عام 2026، وهو رقم قريب جدًا من المقترح الحكومي الأصلي (17.5 مليار).
في المقابل، كانت الجمعية الوطنية قد أقرت نسخة أدت إلى تفاقم العجز ليصل إلى 24 مليار يورو، قبل أن تتوقف مناقشاتها بسبب انتهاء المهل الدستورية.
انقسام سياسي واضح
عبّرت النائبة الجمهورية كورين إمبير عن ارتياحها قائلة: "لقد تصرفنا بمسؤولية". بينما اعتبرت النائبة الاشتراكية آني لو هورو أن النص يعيد "إجراءات قاسية" كان النواب قد خففوا من وطأتها، بحسب صحيفة "لوموند" الفرنسية.
وصوّتت قوى اليسار مجتمعة ضد المشروع، في حين اختار التيار الرئاسي للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الامتناع عن التصويت، خشية أن يؤدي تشدد اليمين إلى إفشال فرص التوصل إلى حل توافقي.
تراجع عن إجراءات اجتماعية مثيرة للجدل
ألغى مجلس الشيوخ معظم التدابير التي أضافتها الجمعية الوطنية، من بينها زيادة الضريبة الاجتماعية العامة على رأس المال، التي كانت ستدر 2.8 مليار يورو إضافية.
كما أعاد العمل بتجميد المساعدات الاجتماعية ومعاشات التقاعد، باستثناء المعاشات التي تقل عن 1400 يورو، والتي ستظل مرتبطة بالتضخم في 2026.
أزمة تعكس خللاً أعمق في الحوكمة
تعكس هذه الأزمة الميزانية توترًا هيكليًا بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، وتسلط الضوء على صعوبة تحقيق توازن بين متطلبات الاستقرار المالي والعدالة الاجتماعية، في سياق سياسي يتسم بتشرذم الكتل وصعوبة بناء أغلبية مستقرة.
ويبدو أن مشروع الميزانية بات رهينة صراع سياسي يتجاوز الأرقام، ليعبّر عن صدام رؤى حول طبيعة النموذج الاجتماعي الفرنسي وحدود التقشف في ظل الضغوط الاقتصادية المتزايدة.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuNiA= جزيرة ام اند امز