أدرك أنه من الصعب على أي عراقي أن يتقبل بسهولة أي دعوة لتهدئة حالة الغضب على الحكومة العراقية.
واتهامهما بالتقصير في تحقيق الأمن بعد أقل من أسبوع على حدوث انفجارين انتحاريين، يعتقد أن مَن قام بالتفجيرين أعضاء تابعون لتنظيم "داعش"، راح ضحيتهما عدد من فقراء العراق الذين كانوا يسعون لرزقهم البسيط في ساحة الطيران وسط العاصمة بغداد.
فقد أغلب العراقيين الأمل في كل السياسيين الذين جاءوا بعد سقوط نظام صدام حسين في عام 2003، من حيث الشعور بالأمن المعيشي والحياة الهادئة، لكن الموضوعية السياسية في تقييم ما قام به "الرجل الوطني" رئيس الحكومة الحالية مصطفى الكاظمي تتطلب التمسك بالأمل الذي يحمله للعراق وشعبه من خلال الإجراءات والقرارات التي يتخذها في استعادة السيادة العراقية من التدخلات الخارجية وهيبة الدولة من المليشيات.
لقد فرض الاستقطاب الشديد في الحياة السياسية العراقية خلال الفترة الماضية أن يكون التقييم إما أبيض أو شديد السواد لدى طرفي المعادلة السياسية، وكانت النتيجة انقسام المشهد السياسي العراقي إلى مجموعتين سياسيتين كل واحدة منها ترى ما تقوم به أنه عمل وطني، وأن عمل المجموعة الأخرى تخريبي وضد الوطن، وللأسف شمل هذا التقسيم كل مؤسسات الدولة العراقية، بما فيها الأجهزة الأمنية، التي يفترض أن تقوم بحماية الدولة وشعبها.
وبالتالي، أسقط هذا الانقسام أو الشرخ على المجتمع العراقي المعروف بتسامحه وعروبته على مدى تاريخه فهو يحوي العديد من العرقيات والأديان والطوائف، وهو ما أدى لأن تستغل التنظيمات الإرهابية بدءاً من "القاعدة" إلى أن وصل الأمر بتنظيم "داعش" الذي يفترض أنه تم القضاء عليه في عام 2018 بعدما توحد العراقيون في مواجهته، لكن عودة الاستقطاب السياسي مرة أخرى كانت فرصة لعودة "داعش" ليعلن مرة ثانية أن القضاء على زعيمه أبوبكر البغدادي وبعض قيادته لا يعني بالتالي القضاء على فكره، الذي يتغذى عادة بالانقسامات السياسية في الدولة الواحدة.
قبل مجيء الكاظمي إلى السلطة لم يستطع قائد عراقي توحيد الأمة العراقية على مصلحة الوطن وفرض سيادته على أراضيه سواء من التدخلات الخارجية خاصة من إيران وتركيا أو التهديدات الداخلية سواء كانت من المليشيات الموالية لإيران أو من التنظيمات الإرهابية وغيرها ممن استغلوا غياب سلطة الدولة، بل إن الكاظمي تجرأ على أحد "التابوهات" السياسية في "عراق ما بعد 2003"، عندما اتجه بالعراق إلى محيطه الاستراتيجي الطبيعي له، هو الإقليم العربي، ومد يده إلى أشقاء العراق طالباً منهم مساعدته في إنقاذ واحدة من أقوى وأعرق الدول العربية من التغلغل الإيراني وتمدده في المجتمع من أجل تخريبه.
ويكفي فترة الكاظمي الحراك السياسي الإيجابي على مدى الأشهر الثمانية كي يتم تجاوز وإغفال التقييم الشكلي الذي يتم من قبل البعض بدون أي معيار من المعايير الموضوعية، لأن التقييم يتطلب الانطلاق من الظروف السياسية والاقتصادية والأمنية التي سبقت قبول تكليفه وما أحاط بحكومته من تحديات دولية وإقليمية.
صحيح أن المشهد العراقي لا يزال متأزما، وأن الطموحات من حكومة الكاظمي لم تصل إلى الدرجة المتوقعة، ولكن مطلوب "أيضاً" النظر إلى الصورة الكبيرة للمشهد العراقي ما بين السنوات الـ17 الماضية وبين الشهور الـ8 فقط لمعرفة النتيجة، حيث استطاع الكاظمي أن يخلق فهماً مشتركاً بين العراقيين شعباً وسياسيين "ما عدا تابعي النظام الإيراني" وهو أهمية استعادة العراق، ونقل هذا الفهم وإيمانه بقدرة العراق على العودة إلى الدول العربية، خاصة مصر والأردن والسعودية ودولة الإمارات.
اعتقادي الشخصي أن المتابع لما تقوم به حكومة الكاظمي يخرج منها: بأنها حكومة تعمل على بناء دولة المؤسسات وليست طوائف أو أقاليم، وأن العراق دولة غنية بمواردها وشبابها لهذا يحارب الفساد بكل أشكاله، وأن العراق مثل غيره من الدول فمن حقه أن يفرض سيادته على حدوده حتى لو لم يرضِ الدول الأخرى. وعليه فقط لعب دور مهم في ترسيخ مفهوم الدولة الوطنية لدى العراقيين وسط أجواء تخيم عليها الفئوية والانتماءات الجزئية.
من المهم جداً في التقييم السياسي ألا يقتصر العمل على اللونين فقط الأبيض الناصع أو الأسود الغامق، فهما غير موجودين إلا إذا كان الأمر الهدف منه المبالغة والتهويل، فما بالك والتقييم في المشهد العراقي المتداخل في كل شيء.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة