ظهور سلالة جديدة من فيروس كورونا، أسرع قدرة على التفشي.
يجعل قصة المواجهة تبدو وكأنها سباق سيارات بين اثنين، حالما بدأ أحدهما يحرز تقدما، وضع الآخر محركا إضافيا.
ولكن السباق لن ينتهي لمصلحة "الغش" الذي يمارسه الفيروس.
أعداد الإصابات لا تزال ترتفع، وهي تقارب المئة مليون الآن، ولكن معدل الوفيات لا يزال يقع عند الحدود ذاتها، وهي نحو 2% من مجموع الإصابات.
السبب الأكبر في هذه التكلفة يعود إلى عدم كفاية الاستعدادات في المؤسسات الصحية للعديد من الدول، غنيها وفقيرها على حد سواء، فضلا عما يمارسه بعض الناس من استهتار بحياتهم وحياة غيرهم.
احتفالات رأس السنة الميلادية كشفت عن جانب كبير من هذا الاستهتار، كما أنها كشفت إما عن تبرم بسياسات الإغلاق، وإما عن تفاؤل سابق لأوانه لتوزيع اللقاحات.
التكلفة الراهنة جاءت من هذين المصدرين بالدرجة الأولى، وليس من كفاءة "المحرك" الثاني الذي نصبه الفيروس.
المعضلة اللوجستية لتوزيع اللقاحات كانت معروفة من قبل التوصل إلى اللقاحات نفسها، وما كان بوسع أحد أن يجد لها حلا مسبقا. فلكي تنتج لقاحا، كان يجب أن تعرفه وتعرف متطلباته أولا، وهذا يعني أن الجميع كان محكوما ومُقيدا بما لديه.
ولو أجريت "سباقا" حسابيا لتوفير اللقاح لنحو 5 مليارات من البشر، لتكسب "مناعة القطيع"، فسوف يبدو أن المسافة لا تزال طويلة، وأن الفيروس، بحسب محركه الإضافي، سوف يتسبب بالمزيد من الخسائر.
ولكن هذا ليس هو كل الحقيقة؛ إذ بين أيدي البشرية الآن 5 لقاحات على الأقل، أثبتت فاعليتها، وكان التوصل إليها في غضون عام واحد، اختراقا علميا كبيرا. وبالنظر إلى أن المعركة مع الفيروسات طويلة الأمد، بحكم طبيعتها بالذات، فذلك يعني بوضوح أن الفيروس لن يستطيع أن يحافظ على تقدمه في السباق.
البشرية تحارب فيروس الأنفلونزا منذ نحو 100 عام، ولئن ظل هذا الفيروس قادرا على الإضرار ببعض البشر، إلا أنه خسر السباق، منذ ما لا يقل عن نصف قرن.
كورونا لن يقوى على البقاء طوال المدة التي بقيت فيها الأنفلونزا. انظر إلى السباق الراهن، وسترى بوضوح أن محركات المقاومة لن تتوقف، وسوف تواصل المضي في الطريق حتى النهاية، أسرع بكثير مما كان الحال مع الأنفلونزا.
الجانب الآخر، الأكثر أهمية، هو أن الإجراءات الاحترازية، لا تزال هي الدرع الأكثر فاعلية في مواجهة الفيروس. فهو، سريعا كان أم بطيئا، فإن هذه الإجراءات لا تزال على الفاعلية ذاتها.
يتساءل الكثير من الناس، لماذا نجحت بعض الدول في الحد من معدلات الوفيات؟ ولكن انظر إلى السلوك العام وسترى أن ارتداء الكمامات أصبح جزءا من المألوف. وما من مبنى للتسوق تدخله، إلا وتجد في مدخله مواد تعقيم. وإذا حدث ودخلت مكانا من دون كمامة، فإن موظفا سيطلب منك، بأدب، الخروج، مشيرا إلى حاجتك للكمامة وهو يعرف أنك نسيت ولم تتعمد شيئا. تنظيف اليدين والتباعد لا يزالان يملكان الأثر نفسه في الحد من تفشي الفيروس.
دول عديدة أخرى حققت نجاحات خارقة في هذا المضمار، بفضل ما توفر لديها من استعدادات، ولكن أيضا بفضل ما أظهره المواطنون من انضباط في حماية أنفسهم وحماية غيرهم.
هذا الفيروس لا يعيش على سطوح الملامسة أكثر من سبعة أيام. وعندما يصاب به الإنسان، فإن أثره سوف يزول في غضون الأسبوع الثالث.
بالحساب المجرد، فإن عزلة شاملة من ثلاثة أسابيع، سوف تقمع قدرة الفيروس على التفشي. ولكننا نعرف، على أي حال، أن العزلة الشاملة أمر عسير. أما العنصر الحاسم للإفلات من عواقب العُسر، فهو الانضباط.
الذين يستهترون بحياتهم وبحياة الآخرين هم الذين يُضعفون قدرة سيارتنا في السباق لتبدو وكأنها تخسره، لأنهم يزيدون عليها الأحمال، ويُضعفون قدرة محركها العلمي الخارق على المحافظة على تقدمه.
ولكن، بالرغم من كل ذلك، فإن الـ2% من الخسائر هي ذاتها في النهاية.
إذا كنت قائدا عسكريا، وقيل لك إنك ستخسر 2% من جنودك قبل أن تكسب المعركة، فإنك ستخوضها على ثقة بالنصر.
البشرية لم تخسر السباق. الفيروس هو الذي خسر، ليس فقط منذ أن أدرك العلم قدرته عليه، بل ومنذ أن أدركت الحكمة أن "الوقاية خير من العلاج".
ألم يكن الأمر كذلك دائما؟
فقل للمستهترين بحياتهم وحياة غيرهم إنهم يعرقلون السباق، ليخسروه هم، لا بقية البشر.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة